ثقافة حب الحياة

نشر في 27-06-2016
آخر تحديث 27-06-2016 | 00:12
 د. عبدالحميد الأنصاري نحن اليوم بحاجة ماسة إلى ثقافة تعيد الاعتبار إلى الحياة، وإلى تحبيب شبابنا في ثقافة الحياة وفنها، وإعلاء قيمة أن يحيوا ويعمروا ويبنوا ويصنعوا ويبدعوا ويبتكروا ويكتشفوا في سبيل الله تعالى، أكثر من أن يقتلوا ويدمروا ويموتوا في سبيل الله تعالى، إن شبابنا الذين اندفعوا إلى الموت سراعا وتحولوا إلى أحزمة ناسفة وقنابل متفجرة، إنما فعلوا ذلك، لأننا لم نفلح في أن نجعل الحياة مكانا محببا لهم، لم ننجح في تشريبهم ثقافة حب الحياة، لم نعلمهم: كيف يبني شباب العالم ويصنعون وينتجون ويخترعون ويكتشفون كل يوم جديدا يسهل حياة البشر ويخفف آلامهم ويشفي من أمراضهم، أو يسعد الناس ويعطيهم أملا في حياة أفضل.

لقد أخفق جانب كبير من مناهجنا التعليمية والمنظومات الدينية والثقافية والسياسية في تحبيب شبابنا في الحياة، وفي الانفتاح على الثقافات والفنون والآداب، وعلى التسامح وقبول الآخر، ملأت قلوبَهم الكراهية: كراهية الحضارة المعاصرة، بادعاء أنها حضارة غربية، مادية، إباحية، صليبية، حاقدة على الإسلام ومعادية للمسلمين، وكراهية مجتمعاتنا ودولنا وأنظمتنا، بزعم أنها لا تطبق شرع الله تعالى، وتوالي الغرب، وأنها أنظمة فاسدة ومستبدة لشعوبها.

عسكرنا مجتمعاتنا وأنظمتنا ومناهجنا ومنابرنا الدينية والثقافية والسياسية بحجة مقاومة إسرائيل ومواجهة الغرب، جعلنا مقياس الوطنية أن تكره الغرب وتعادي أميركا، وتطلق الشعارات الحماسية، الوطنية الحقة، هي حب وولاء وانتماء، برهانها الإخلاص والتفاني في العلم والعمل في خدمة الوطن، في حين ينشغل شباب العالم بالموسيقى والفنون والثقافة والاستمتاع بمباهج الحياة، وصنع التقدم. وينشغل قطاع كبير من شبابنا بخلافات فقهية حول النقاب واللحية وطول الثياب، وحكم سماع الأغاني والموسيقى، أو يستدعي صراعات الماضي الطائفية، أو ينخرط في أعمال إرهابية.

كيف نحبب شبابنا في الحياة؟

الفكر المتطرف ثمرة الكراهية: كراهية الحياة، وهؤلاء الشباب الذين انحرفوا، هم أبناء فكر الكراهية، ونتاج ثقافة متزمتة وأيديولوجية متعصبة، لا تقيم وزنا للحياة والتي هي عطية الخالق عز وجلّ، ومهما تحدث المنظرون عن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التي تدفع بعض الشباب إلى طرق الهلاك، إلا أنها في النهاية ترجع إلى عامل رئيسي؛ هو أننا لم نفلح في تحبيبهم في الحياة.

ثقافة حب الحياة، تتطلب مراجعة واسعة لمفاهيم سائدة في الأدبيات التراثية:

أولاً: إن ديننا دين الفرح والبهجة والمحبة والتسامح وإسعاد الناس والتمتع بالحياة وزينتها "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"، وإسلامنا مع إشاعة البهجة ومظاهر السرور ورفع الحرج والعنت والتيسير والتخفيف وإعذار الناس "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً"، ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، رحمة مهداة، وبشارة للعالمين، وقرآننا يعدد نعم الله تعالى علينا بما يوجب الشكر والامتنان، لذلك علينا إعادة النظر في قائمة المحرمات الطويلة التي تحاصر المسلم وتنغص حياته، فالأصل في إسلامنا، قاعدة الإباحة، إباحة الأشياء والتصرفات والمعاملات والعادات... إلخ، وهذه الإباحات تحول الحياة جنة.

ثانياً: الأدبيات التراثية التي تبالغ في ذم الحياة، والتحذير من فتنتها، وتروج لأحاديث واهية مثل: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وتركز على ثقافة الموت وعذابات القبر وأهوالها أكثر من ثقافة الحياة، وتصور الحياة سجنا للمسلم، ينبغي فهمها بما يتسق والمفهوم القرآني للاستخلاف في الأرض "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" و" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً" و"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً"، والمفهوم النبوي "نعم المال الصالح للعبد الصالح"، ونهى الإسلام عن الرهبانية، فالمقصود إذاً ذم الانغماس في العاجل الفاني عن الآجل الباقي، وعن القيام بالواجبات الدينية وغيرها، والتحذير من التكالب على الدنيا حتى تصبح "أكبر همنا".

ختاماً: من البرامج الرمضانية التي تحبب الشباب في الحياة وتنشر المحبة والتسامح والتعاون وبذر الخير، "دروب" لعلي آل سلوم، و"قمرة" لأحمد الشقيري، ومن الكتب "سعوديون في أمريكا" لتركي الدخيل.

* كاتب قطري

back to top