إحياء سياسة منع انتشار الأسلحة النووية

نشر في 27-06-2016
آخر تحديث 27-06-2016 | 00:08
حمل خطاب أوباما في هيروشيما أهمية رمزية كبيرة، لكن مع وجود أكثر من 15.000 رأس نووي في العالم، فإن الرمزية ليست كافية، فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز عدم انتشار الأسلحة النووية.
 بروجيكت سنديكيت كانت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة إلى هيروشيما بمثابة توقف دبلوماسي غير عادي، وهي ليست أول زيارة يقوم بها رئيس أميركي إلى تلك المدينة، التي دمرتها القنابل النووية الأميركية في عام 1945، لكنها لفتت الانتباه أيضا إلى سجل أوباما حول عدم انتشار الأسلحة النووية.

وفي خطاب ألقاه عام 2009 في براغ، وصف أوباما الأسلحة النووية بأنها "أكبر تهديد شديد للأمن العالمي على الإطلاق"، نظرا لإمكانية وقوعها في أيدي الإرهابيين أو عناصر خطيرة أخرى، واعدا بالحد من دورها في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، وفي رسالته المؤثرة في هيروشيما، أكد أوباما مجددا ضرورة مواصلة عالم خال من الأسلحة النووية، وشدد على "الثورة الأخلاقية" التي يجب أن تصاحب التقدم التكنولوجي، في مجتمعات تقاوم "منطق الخوف" الذي يجبرها على التمسك بترساناتها النووية.

ولكن على الرغم من أن كلا الخطابين أعربا عن أفكار مماثلة، لكنهما جاءا على خلفيات سياسية مختلفة جدا. في الواقع لقد تغيرت السياسة النووية لإدارة أوباما إلى حد كبير منذ عام 2009، عندما كان منع الانتشار النووي من بين الاهتمامات المركزية للسياسة الخارجية الأميركية.

وفي عام 2010 جمع أوباما زعماء العالم في أول قمة للأمن النووي، والتي ركزت على الحفاظ على المواد النووية بعيدة عن أيدي الإرهابيين، التركيز الذي أثبت أنه كان مبررا، وعلى الرغم من عدم تحقيق الهدف الأول لتجميد أرصدة البلوتونيوم واليورانيوم العالي التخصيب، فإن القمم الأربع التي عقدت منذ ذلك الحين أدت الى تخفيض مصادر المواد المشعة، كما تحسنت إجراءات السلامة.

جاءت القمة التي عقدت عام 2010 بعد أيام فقط من تقدم واضح آخر لعدم انتشار الأسلحة النووية: وقع أوباما وبعده الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (بداية جديدة)، والتي ألزمتهما بتقسيم مخازن قاذفات الصواريخ النووية الاستراتيجية لديهما، وكانت، قبل سنة من ذلك، وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلنا "إعادة" انطلاق العلاقات الثنائية، ومنذ ذلك الحين تدهورت العلاقة بين البلدين، آخذة معها الأمل في التعاون على المدى البعيد.

في الواقع، فقدت سياسة أوباما لعدم انتشار الأسلحة النووية زخما كبيرا، وقررت روسيا عدم حضور آخر قمة للأمن النووي التي عقدت في واشنطن العاصمة، في أول هذا العام، ولم تقم الولايات المتحدة باقتراح أي مبادرات دولية جديدة لعدم الانتشار؛ وفي مؤتمر عقد عام 2015 لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، تجنبت روسيا عقد مؤتمر حول حظر الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وذلك لتجنب زيادة التوتر مع إسرائيل.

وعلاوة على ذلك خفضت إدارة أوباما الترسانة النووية الخاصة بأميركا ببطء أكثر من أي إدارة أميركية منذ نهاية الحرب الباردة، وقامت بتعزيز التحديث بدلا من ذلك، وهو جهد يتطلب ما يقدر بتريليون دولار من الاستثمار على مدى العقود الثلاثة المقبلة، وعلى الرغم من ذلك يهدف البرنامج تقنيا إلى تحسين فعالية الأسلحة الموجودة- وبالتالي السماح بالتخفيضات في المستقبل- ويؤكد النقاد أنه كلما كان تطوير الأسلحة النووية العالية الدقة أصغر زاد احتمال استخدامها.

وقد حقق أوباما رغم ذلك نصرا كبيرا لعدم انتشار الأسلحة النووية: مما سيساعد على إلغاء صفقة دولية طال انتظارها مع إيران لمنعها من استخدام برنامجها النووي المدني لتطوير أسلحة نووية، وبعد سنوات من المفاوضات المعقدة، شكلت التطورات الداخلية في إيران– مع انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني سنة 2013– انفتاحا دبلوماسيا حاسما، استثمره أوباما، وقدم هذا الانفراج دليلا واضحا على أنه رغم أهمية المؤسسات في معالجة الشؤون العالمية، فإن للأفراد دورا حاسما أحياناً.

ويعدّ اتفاق إيران إنجازا كبيرا بحق، ليس لأنه سيساعد على التخفيف من المخاطر المحتملة من ذلك البلد فقط، بل لأن وجود دولة واحدة مسلحة نوويا يمكن أن يجعل من تحقيق الاستقرار الإقليمي مهمة شبه مستحيلة، وكان لمنع إيران آثار إقليمية بعيدة المدى، ومع تخفيف مخاوف المنافسين الإقليميين لإيران خلقت الصفقة بعض المساحة لتطوير هيكل الأمن في منطقة الشرق الأوسط، كما قدمت نموذجا للاتفاقات المتعددة الأطراف في المستقبل بخصوص المواضيع الشائكة المتعلقة بالأمن.

لكن لا ينبغي الاكتفاء بهذا النصر، فلا تزال الأسلحة النووية تشكل تهديدا خطيرا وعاجلا على الأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم، ويمكن للأسلحة النووية وحدها أن تحول مواجهة صغيرة إلى كارثة بذات مقياس هيروشيما التي أحيا ذكراها أوباما، ونظرا لهذا يجب التحرك للقضاء على الأسلحة النووية بوتيرة السنين الأولى نفسها لحكم لأوباما.

ويجب أن يأخذنا هذا التحرك، أولاً وقبل كل شيء، إلى كوريا الشمالية التي على الرغم من وسائلها المحدودة للغاية تواصل الاستثمار بكثافة في تطوير برنامجها النووي. فأفضل خيار للمجتمع الدولي من أجل التأثير في كوريا الشمالية هو الصين، التي كانت لها علاقات وثيقة منذ فترة طويلة مع هذا البلد، ولها نفوذ اقتصادي قوي على المملكة.

ويبدو أن نهج الصين تجاه كوريا الشمالية في طور التغيير، مدعوما بالقضية النووية، ففي أول هذا العام قررت الصين عدم استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع جولة جديدة صارمة من العقوبات ضد كوريا الشمالية ردا على الجولة الأخيرة للتجارب النووية، ولكن بعد زيارة الوفد الكوري الشمالي للصين أعلنت كوريا مؤخرا أنها ملتزمة بمواصلة برنامجها النووي.

ونظرا إلى استحالة ضمان الأمن في شرق آسيا- خصوصاً بالنسبة إلى كوريا الجنوبية واليابان- دون التوصل إلى اتفاق نووي، سيكون تحرك دولي قوي أمرا بالغ الأهمية، وعلى وجه التحديد يجب على المجتمع الدولي تصعيد رده على السلوك المتمرد لكوريا الشمالية، عن طريق إقناع قادة البلاد بالدخول في مفاوضات مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي، ولكي تكون المحادثات ناجحة ينبغي على الصين والولايات المتحدة، اللتين لهما الكثير من الخلافات الخاصة بهما، أن تعملا معا، كما يجب على الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن للأمم المتحدة تسهيل هذا التعاون.

وقد حمل خطاب أوباما في هيروشيما أهمية رمزية كبيرة، لكن مع وجود أكثر من 15.000 رأس نووي في العالم، فإن الرمزية ليست كافية، فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز عدم انتشار الأسلحة النووية.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن سابقا، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية إسبانيا سابقا. وهو حاليا رئيس مركز ESADE للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وزميل متميز في معهد بروكينغز.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

الأسلحة النووية لا تزال تشكل تهديداً خطيراً وعاجلاً للأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم
back to top