من يتأمل ممارسات الكراهية التي يشنها مسيحيون متطرفون في الماضي أو في الحاضر، يصدم عندما يلاحظ ذلك التشابه، وربما التماثل بين تلك الجماعات، وبين ما يقوم به تنظيم «داعش» في العراق والشام. لكن الفارق أن وسائل الإعلام العالمية تغض الطرف عن ممارسات تلك الجماعات غير الإسلامية، بينما تبرز بشكل واضح ممارسات الإرهابيين المسلمين.كان التعصب ولا يزال الشريان الرئيس الذي يغذي جماعات الإرهاب والعنف في العالم، وإذا كان هذا التعصب داء ابتليت به الأديان والقارات في العالم، فإن الغرب المسيحي الذي يقدم نفسه كواحة للتسامح وقبول الآخر عانى ظهور المتطرفين، الذين لم يقتصر وجودهم على جماعات الكراهية والعنف، بل تحوّل الأمر كما تابعنا ونتابع في السطور التالية، إلى منهج لدول بعينها، ارتكبت فظائع تفوق الخيال، وكانت كراهية المسلمين ومحاولات التخلص منهم أحد الدوافع الذي أدى إلى كثير من الجرائم في الغرب. للأسف، انتقلت تلك الأفكار إلى تنظيمات أخرى خارج القارة الأوروبية، ومن بينها إفريقيا التي جرى على أرضها، ولا تزال، بعض فصول مأساة اسمها كراهية المسلمين.
التخلص من المسلمين
إذا كنا تحدثنا عن تراكمات التاريخ واستخدامها في نشر بذور العنف والكراهية، فإن خير مثال على ذلك مأساة شعب البوسنة المسلم، على يد سفاحي الصرب المتطرفين، الذين ارتكبوا أفظع مذابح التاريخ، وأكبر عملية قتل جماعي منذ الحرب العالمية الثانية، وأشهر عملية تطهير عرقي للمسلمين (1990). على مدى خمس سنوات من المجازر المروعة والتهجير والإعدام والحرائق والاغتصاب، أبادوا خلالها باعتراف الأمم المتحدة أكثر من 300 ألف مسلم من دون ذنب، وعلى مرأى ومسمع من العالم الذي لم يحرك ساكناً.ولعل مذبحة سربرنيتسا تجسد تلك المأساة التي تعرض لها شعب البوسنة. في يوليو 1995، نفذت القوات الصربية وميليشيات العقارب المسيحية، وبأوامر مباشرة من أعضاء هيئة الأركان الرئيسية للجيش الصربي، عملية تطهير عرقي ممنهجة ضد المسلمين البوسنيين، على مرأى ومسمع الفرقة الهولندية التابعة للأمم المتحدة التي طلبت من المسلمين البوسنيين تسليم أسلحتهم مقابل ضمان أمن البلدة، وعندما اجتاح السفاحون الصرب البلدة لم يتحرك أحد لإنقاذ حياة المدنيين... فبعد دخول البلدة ذات الغالبية المسلمة، عزلت القوات الصربية الذكور بين 14 و50 عاماً عن النساء والشيوخ والأطفال، وتمت تصفيتهم ودفنهم في مقابر جماعية. كذلك تمت عمليات اغتصاب ممنهجة للنساء... وقد خلفت هذه المذبحة نحو 8372 مُسلماً ونزوح الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة، تاركين وراءهم عيوناً لم تجف حتى الآن.الجنون ينتشر
ورغم المحاكمات الجنائية التي تمت لقادة الصرب المسؤولين عن ارتكاب تلك المذابح، ستظل الأخيرة ماثلة في ذاكرة العالم سنوات طويلة، لتؤكد أن جنون الكراهية والقتل ليس قاصرا على دين بعينه، بل منتشر في ديانات وقارات مختلفة.للأسف، انتقلت حمى كراهية المسلمين في أوروبا إلى منظمات أوروبية أخرى لا تحظى بتركيز من أجهزة الإعلام الغربية رغم خطورة ممارساتها، من بينها: {النازيون الجدد}، منظمات اليمين المتطرف التي لا تقلّ تطرفًا عن {داعش} الشرق الأوسط، فهؤلاء لا يقبلون الآخر ويتعاملون بعنصرية مع مواطنيهم المسلمين والمغتربين، ويرتكبون جرائم تتراوح بين حرق المساجد في أوروبا وعمليات قتل ممنهجة ضد المسلمين.ازدادت في الفترة الماضية التظاهرات التي ينظمها اليمين المتطرف والنازيون الجدد في ألمانيا ضد الإسلام، وانتقلت من السر إلى العلن، فظهرت على السطح على سبيل المثال حركة {أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب}، المعروفة اختصاراً باسم {بيجيدا}، وهي تعلن بوضوح عداءها للإسلام في ألمانيا، واستقطبت عشرات الآلاف في مختلف دول أوروبا بشكل سريع يدعو إلى الدهشة!ولا تعد تلك التظاهرات المحرضة جريمة إذا ما قورنت بالجرائم التي ارتكبتها حركة {النازيون الجدد} المنتشرة في دول أوروبا، وتطالب بعودة الفكر النازي والعمل بمبادئ النازية مجدداً، وتنتهج أفكاراً ومعتقدات أدولف هتلر، وقد ظهرت بداية في ألمانيا التي صدرتها إلى دول عدة، وتنتهج الحركة العنصرية وتمارسها بأشكالها كافة.يشير بعض التقارير الأمنية في فنلندا، على سبيل المثال، إلى أن حركة النازيين الجدد تقف وراء 70٪ من الجرائم والسرقات التي تحصل ضد الأجانب، كذلك سجلت الشرطة الألمانية ارتفاعاً في التطرف الديني والهجمات التي تستهدف المسلمين والأجانب، وقد بلغت الجرائم ضد الأجانب 179 جريمة في 2014، مع بروز حركة «بيجيدا».ويزخر تاريخ جماعات النازيين الجدد بجرائم كثيرة، أبرزها وأبشعها جريمة قتل الباحثة المصرية مروة الشربيني (2009) في قاعة محكمة مدينة دريسدن، على يد يميني متطرف، مقتل 8 أتراك على يد عناصر منظمة «الأساس القومي الاشتراكي» اليمينية المتطرفة والمعروفة بـ»خلية تسيفكاو»، والتي عطلت بناء المساجد في ألمانيا حتى لا ينتشر الإسلام على حد زعمها.من الجرائم البشعة التي لا تنسى في هذا السياق، ما قام به ثلاثة شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و19 سنة، وينتمون إلى تلك الجماعات. في إحدى ليالي 1992، رموا زجاجات مولوتوف على نوافذ منزل عائلة لبنانية في مدينة هونغ سي على أطراف مدينة دويسبورغ غرب ألمانيا، ما تسبب في احتراق الطفلة زينب سعدو (8 سنوات)، ودخولها في حالة غيبوبة كاملة بذل فيها الأطباء جهدهم لإنقاذ حياتها. من الجرائم أيضاً، إضرام النار في مساجد في مدن أوروبية من بينها مسجد في مدينة ايسكيلستونا وسط السويد، خلال إقامة الصلاة فيه.ألقت قوات الأمن الألمانية القبض على مجموعة من النازيين الجدد الذين اعتدوا على أجانب ومسلمين في منطقة كونفيتس ودمروا ممتلكات الجالية المصرية في ألمانيا، وأبرزها مطعم حسام فهمي المصري، وذلك في هجوم مطلع العام الحالي 2016، فضلا عن اعتداءات متكررة على منازل اللاجئين السوريين والعراقيين في المدن الأوروبية ومعسكرات إيوائهم التي شهدت نحو 150 هجوما في 2014، بينما زادت معدلات جرائم العنف التي ارتكبت تجاه المسلمين والمهاجرين بنسبة 23٪ في هذا العام، إذا ما قورنت بنسبتها في العام الماضي. على سبيل المثال، اعتدى ملثمون يرتدون ملابس سوداء ويعتقد بأنهم ينتمون إلى عصابات النازيين الجدد، مطلع العام على المهاجرين في وسط العاصمة ستوكهولم، لكن تلك الجرائم لا تحظى بتغطيات إعلامية واسعة.وتفتح هذه الجرائم مجدداً ملف مقتل المئات منذ تسعينيات من القرن الماضي، خلال موجة من الهجمات استهدفت مراكز تجارية ومنازل عمال أجانب تحت شعار أنهم «لا ينتمون إلى هنا»، وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» أخيراً تقريراً مثيراً للجدل حول الكشف عن جرائم «حزب الأرض الاشتراكي الوطني» اليميني المتطرف في ألمانيا، أشارت فيه إلى أنه تم مراجعة آلاف القضايا، وتبيّن أن ضحايا الهجمات التي شنها هذا الحزب في تسعينيات القرن الماضي قد يتجاوزون 849 قتيلا. تضيف الصحيفة أنه من المثير للاهتمام أن الجماعة الإرهابية الوحيدة التي تمكنت من القتل من دون محاسبة على الأراضي الألمانية، ليست إسلامية، بل تنتمي إلى اليمين المتطرف الذي يستهدف المسلمين، ما يدعو إلى التساؤل: هل تتعمد الحكومة الألمانية إغماض عينيها عن تهديدات اليمين المتطرف؟كراهية عابرة للقارات
يبدو أن جنون الكراهية ضد المسلمين لم يتوقف عند محاولة التخلص منهم في أوروبا وحدها، بل اجتاز حدود القارات، ومن بينها أفريقيا التي شهدت بروز منظمات إرهابية معادية للمسلمين وترتكب أبشع الجرائم للتخلص منهم وإرهابهم. ورغم تركيز وسائل الإعلام على وحشية الحركات الإسلامية مثل بوكو حرام، فإن جماعات أخرى تفوقها وحشية، لكنها لا تحظى بالاهتمام الإعلامي نفسه، ومن بينها جماعة «جيش مقاومة الرب» التي أسسها جوزيف كوني، وهو مسيحي راديكالي ادعى النبوة في أوغندا سنة 1987، ودعا إلى إنشاء حكومة أصولية مسيحية متشددة لحكم البلاد.ووفقاً لتقارير منظمة {هيومن رايتس ووتش}، ارتكب {جيش الرب للمقاومة} الآلاف من عمليات القتل والخطف، ونشر الإرهاب في أوغندا وأجزاء من الكونغو، وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ويستخدم هذا التنظيم الإرهابي المسيحي التكتيكات التي يتبعها تنظيم {داعش} في العراق والشام، أو بوكو حرام في غرب إفريقيا، فضلا عن اتحادهم في الهدف وإن اختلفت الديانات، فقد كان هدف {كوني} المعلن عند تأسيس تنظيمه الوحشي إقامة الشريعة المسيحية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وإقامة نظام حكم ديني على أساس على الكتاب المقدس، العهد الجديد والوصايا العشر!وبينما تحشد الولايات المتحدة تحالفاً دوليا يضم أكثر من عشرين دولة لقتال تنظيم {داعش} في العراق والشام، اكتفت واشنطن بإرسال مئة جندي إلى أوغندا للمشاركة في مطاردة قائد متمردي {جيش الرب}، جوزيف كوني، الذي تلاحقه الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.اتُّهم جيش الرب بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم قتل وخطف وتعذيب واغتصاب واعتداء على الأطفال. بحسب دراسة أعدها مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تسبب رجال جيش الرب في قتل أكثر من 100 ألف شخص وسط إفريقيا في السنوات الـ 25 الماضية، اختطاف أكثر من 70 ألف طفل، نزوح وهجرة مليونين ونصف مليون شخص. وهذه بالطبع تقديرات متحفظة للغاية مقارنة مع ما تشير إليه تقارير ميدانية تؤكد أن جيش الرب قتل ما يزيد بكثير على 100 ألف شخص، لأن جرائم وهجمات كثيرة لم يتم توثيقها، فضلا عن تجنيده أعداداً أكبر مما ذكر التقرير الأممي، إذ يتم تجنيد هؤلاء الأطفال ليكونوا عبيدا في صفوفه بعدما أقنعهم بأن الماء المقدس يجعل أجسادهم مقاومة للرصاص، ناهيك بممارسته الرق ضد سباياه من البنات واستغلالهن جنسياً. لم يكتف جنود جيش مقاومة الرب بتلك الجرائم، بل أحدثوا عاهات في أجساد ضحاياهم من خلال بتر أيدي الأسرى، وسمل أعينهم، وقطع أذانهم، لينشروا الرعب في نفوس خصومهم، وليكون هؤلاء الضحايا دعاية متحركة لوحشية جنود «جيش الرب».ونظرا إلى بشاعة جرائمه أصدرت المحكمة الجنائية الدولية عام 2005 أمراً باعتقال «جوزيف كوني» متهمة إياه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وإزاء هذا الوضع لم تجد حكومة الخرطوم التي كانت تقدم دعمها له في تلك الفترة بدا من سحب هذا الدعم، وبدأت حملة في الجنوب للقضاء على مليشياته، ما دفعه إلى تقديم أول عرض للسلام عام 2006. غير أن المفاوضات التي بدأت في العام نفسه طال أمدها، وانتهت بالفشل، وشنت جنوب السودان وأوغندا عمليات مشتركة أطلقت عليها «البرق والرعد» للقضاء على مليشيات جيش الرب، ورغم تأثر قوات كوني بتلك العمليات، فشلت في القبض عليه أو القضاء على ميليشياته التي نقلت مواقعها إلى داخل أراضي الكونغو وإفريقيا الوسطى.صور المخرج الأميركي جيسون راسل فيلماً عن جوزيف كوني يعرض فيه بشاعة ما يرتكبه، شاهده عند عرضه على {يوتيوب} أكثر من 60 مليون شخص حول العالم، ونظمت تظاهرات مطالبة بالقبض عليه، ما دفع بوزارة الخارجية الأميركية إلى رصد خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه باعتباره إرهابياً، مع مفارقة أن كوني ينفي عنه وعن تنظيمه صفة الإرهاب، رغم ما يرتكب من جرائم قتل ونهب، مؤكداً أن حربه الطويلة هي جزء من نضاله الديني، وأن الأرواح المقدسة ترشده!إبادة المسلمين بالسواطير!
لا تقارن بشاعة هذه الجرائم التي يرتكبها جنود {جيش مقاومة الرب} بتلك التي يرتكبها {أنتي بالاكا}، تنظيم مسيحي آخر في إفريقيا وفي المنطقة التي يتمركز فيها {جيش الرب}، تفوق في بشاعته كل وصف، وتتخطى حدود أي خيال. وجماعة {أنتي بالاكا} ميليشات مسيحية في إفريقيا الوسطى غايتها إبادة المسلمين، تأسست عام 2013 بعد انقلاب سيليكا الذي أطاح بالرئيس المسيحي فرانسو بوزيزي، ليتولى مكانه الرئيس المسلم ميشيل جوتوديا الذي سرعان ما تنحى لعجزه عن السيطرة على أعمال العنف في البلاد. ورغم حداثة تأسيس تلك الجماعة، جعلتها بشاعة جرائمها في مقدمة الجماعات الإرهابية الأعنف في العالم، وأدت العمليات التي يقوم بها عناصر «أنتي بالاكا» من إرهاب وقتل وحشي وحرق علني للمسلمين في الشوارع إلى نزوح ما يقرب من ربع سكان البلاد إلى الكاميرون وتشاد، هرباً من القتل الذي يطاردهم أينما ذهبوا. ورغم تنديد المنظمات الدولية بهذه الأعمال، بقيت الحال على ما هي عليه.تعني كلمة {بالاكا} المنجل أو الساطور بلغة السانغو، وارتبط الاسم بمأساة مرعبة حدثت للمسلمين في إفريقيا الوسطى من قتل وتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس واغتصاب النساء وحرق المنازل والتهجير القسرى وسرقة ممتلكاتهم، فضلا عن تدمير المساجـد وتحويلها إلى حانات لبيع الممنوعات، وبعضها إلى ملاهٍ ليلية، ناهيك عن تدمير القرى والمدن التي تقطنها أقلية مسلمة تبلغ 25 بالمئة من السكان. في أعقاب هذه الحوادث تم إرسال قوات فرنسية للحفاظ على الأمن، إلا أنها اتهمت في ما بعد بالانحياز إلى المسيحيين ضد المسلمين.واتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة الميليشيات المسيحية في إفريقيا الوسطى، بتنفيذ عملية {تطهير عرقي} في حق السكان المسلمين، وأشارت اللجنة إلى أن تلك الميلشيات قتلت أكثر من ستة آلاف شخص، وأن هذا العدد لا يمثل بالضرورة عدد القتلى الحقيقي في ظل الحرب الأهلية الطاحنة التي تجتاح البلاد.ونقلت تقارير صحافية صوراً ولقطات مروعة لعملية أكل لحوم بشر تمارس ضد مسلمين في إفريقيا الوسطى من شخص يدعى كواندجا ماجلوير، يلقب بـ {الكلب المجنون}، قطع جزءاً من ساق جثة محترقة لمسلم قتلته عصابات {أنتي بالاكا}، كما أظهرت صورة أخرى له وهو يلعق سكينًا مغطاة بالدماء، وفسر تصرفاته بأنها انتقاماً لقتل مسلمين زوجته الحامل وشقيقتها ورضيعها، خلال العنف الطائفي المشتعل في البلاد.