لا يخفى على متابعي السوق النفطي ملاحظة التغيرات المتسارعة فيه، لعل من أهمها التي طرأت خلال السنوات الأخيرة، وستظل تلعب دوراً في مسار السوق النفطي لسنوات مقبلة، قبول العالم الغاز الطبيعي على أساس أنه صديق للبيئة ووجوب تطوير إنتاجه والتوسع في استخداماته.يضاف إلى ذلك، النجاح في تطوير إنتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة الأميركية حالياً، ومستقبلاً يمكن أن يمتد هذا النجاح إلى أماكن متعددة في العالم، وعلى رأسها الصين، السوق الواعد الذي يجذب معظم الزيادة في إنتاج النفط في العالم، إضافة إلى إقبال العديد من البلدان، وفي مقدمتها الصين أيضاً على الاستثمار في قطاع الاستكشاف، فضلاً عن التنقيب والإنتاج في مناحي العالم، وكذلك بناء مخزون نفطي استراتيجي محلياً، فضلاً عن تذبذب أسعار النفط، التي عصفت بالمنتجين، مما دفعهم إلى فرض برامج للتقشف والإصلاحات الاقتصادية.
وتعكف مؤسسة البترول الكويتية على تحديث توجهاتها الاستراتيجية حتى 2040، ووضع خارطة طريق لبلوغ الأهداف المستقبلية للوصول إلى الريادة في أجواء التنافس بصناعة النفط والغاز.وهذا التحديث للتوجهات الاستراتيجية يأتي وسط ضعف أسعار النفط.ويبقى المهم معرفة إجابة السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تتحقق الأهداف التي ترسمها "مؤسسة البترول"؟
مراجعة المتغيرات
تقوم مؤسسة البترول الكويتية سنوياً بمراجعة المتغيرات والمستجدات الاقتصادية والتقنية والبيئية في الأسواق العالمية، كذلك الأسس، التي بنت عليها التوجهات للتأكد من جدواها وصحتها، وإذا تبين أن هناك تغيرات جذرية في هذه الأسس فستتم مراجعتها.ووضعت مؤسسة البترول استراتيجية طموحة في الوصول إلى إنتاج 4 ملايين برميل يومياً في 2020، والاستمرار فيها إلى 2030، إضافة إلى ضرورة أن تكون مصفاة الزور جاهزة لأن التحدي القادم، ليس في بيع النفط الخام، بل في بيع المنتجات البترولية، لذلك: يجب أن تكون الخطط المرسوم جاهزة في السنوات القريبة.ومن الواضح أن الاستراتيجية مهددة الآن بالتأخر، بسبب ما يجري في أروقة المؤسسة من كثرة التغيرات في المناصب القيادية، حيث ينشغل الكل في الشأن الإداري تاركين الأهداف الرئيسية، وهذا بحد ذاته كفيل بالتأثير على سمعة البلد خصوصاً مع زبائن الكويت.ويطالب العديد من المتخصصين بضرورة الالتفات إلى الوضع التنافسي، فقد يهدد النفط الكويتي خصوصاً بعد دخول النفط الإيراني والعراقي، والذي تتشابه معه نوعية النفوط الكويتية.ويشير هؤلاء المتخصصون إلى أن لدى "التسويق العالمي" في الكويت خططاً تسويقية للمحافظة على الحصص التسويقية، لكن هم بحاجة الآن إلى مراجعة استراتيجية، وآلية التعامل مع الشركات النفطية العالمية، التي باتت ملحة في المرحلة المقبلة.ويرى البعض أن الكويت تمتلك القدرة على التعامل مع المقومات، سواء من أموال أو خبرات، فهي تتجه إلى الدول، التي يكثر فيها الطلب على الطاقة، لاسيما في بناء مصفاة ومجمع بتروكيماويات في فيتنام، إضافة غلى وجود خزانات ومستودعات في الخارج.أخطاء استراتيجية
ويشير المتابعون إلى أنشطة مؤسسة البترول خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي نجحت في تطبيق استراتيجيتها، وحققت نجاحات وضعتها في مقدمة الشركات النفطية الكبرى، لكن الأمور تبدلت في السنوات اللاحقة باتجاه متراجع للمكتسبات السابقة، وللأسف الشديد هناك أخطاء استراتيجية أوقعت المؤسسة نفسها فيها، تعود بالدرجة الأولى إلى سوء اختيار القيادات النفطية، واختيار الرؤساء التنفيذيين، وأنه لا يمكن أن توضع استراتيجية جيدة وتنفّذ من قيادات لا تمتلك القدرات والمهارات المطلوبة.لكن في المقابل، القيادات الحقيقية، التي تمتلك المهارات، تستطيع أن تحول الاستراتيجيات السيئة إلى استراتيجيات جيدة وناجحة بادخال التعديلات المناسبة بديناميكية تتوافق مع المتغيرات التي تفرضها تلك التحديات.ولاشك أن من يطلع على تقارير ديوان المحاسبة، يرى أن هناك العديد من الملاحظات يتم تكرارها أكثر من 6 سنوات، دون وجود حل لها، وهو دليل على عدم قدرة بعض القيادات على حل هذه المشاكل لاسيما المتعلقة بتأخير المشاريع الرأسمالية والاستراتيجية.وبات الآن العامل المشترك في كيفية التعامل مع الاستراتيجيات الموجودة على الورق، هو وجود قيادة لا تمتلك المهارات ولا الرؤية، والعامل الآخر هو عدم دراسة المخاطر بجدية لكل جوانبها، ووضع سيناريوهات أكثر دقة وحساسية، لذلك عند إعادة تقييم الاستراتيجيات يجب الأخذ بعين الاعتبار تقييم القيادات المناط بها تنفيذ تلك الاستراتيجيات وتغييرها.