لا يزال معرضك الخزفي الأخير الذي استضافته قاعة دار الفنون في الكويت يتردد صداه بين أروقة التشكيليين كيف تقيّمين هذه التجربة؟
معرضي الأخير استمرار لتجربتي الخاصة في التصوير من خلال تناول وسائط متعددة وغير نمطية قدر اﻹمكان، ذلك أن ممارستي للتجريب إحدى مثيرات التجربة لدي، وقد وقع اختياري على وسيط مختلف كنت قد عملت عليه منذ فترة، ولكن لم أكمل التجربة ﻹحساسي بعدم اختمار الفكرة بشكل يرضيني، إلى أن عاودني ذلك الشعور، من خلال وسيط الخزف، الذي لمست فيه إحدى الممارسات الفنية الثرية، فوجدتني أتعامل مع اللون بشكل مختلف وفي إطار مؤثر قوي مثل النار. تعاملي مع ألوان طبيعية ممثلة في اﻷكاسيد، ولم تمتد تقنية التصنيع المتطورة مع درجاتها وتباينات ألوانها، فأنا أمارس الخزف هنا كوسيط لتجربتي في التصوير وليس كخزّافة، رغم انكبابي على التعامل مع التجربة من خلال أصول فن الخزف وقوانينه، وما للمنتج الخزفي من ترسيخ لمفهوم أصالة المنتج، ولما يمثله فن الخزف لنا كشرقيين من قيمة وثراء.كيف تم الإعداد لهذا المعرض؟ربما فرضت متطلبات تلك التجربة عليّ التعامل مع العرض بشكل مختلف، فالوسيط لدي هذه المرة يحتاج ظروفاً بعينها ومرحليات لا يمكن تجاوزها أو إغفال مراحل المرور بها والتعامل معها، فالخزف وتقنيته من أصعب الوسائط التصويرية التي استخدمتها، لكنها كانت اﻷمتع بينها، فهي تجعل الفنان متقداً طوال فترة العمل، وقد فضلت الانتقال خارج الكويت وتنفيذ التجربة في أجواء أعتقدت أنها أكثر مناسبة، فوقع اختياري على مصر لمصادفة مشاركتي في إحدى الفعاليات في جامعة المنيا، بعدما شعرت باختمار الفكرة لدي لتنفيذ أعمال هذا المعرض الذي أعتز به، نظراً إلى الإيجابيات التي يحملها وثقل الخبرات، أعتقد أنني كنت في حاجة إليها، فقررت ممارسة التصوير من خلال تقنيات الخزف التي يلعب عنصر النار دوراً في تباينات اللون وحضوره على السطح بمذاق بصري مختلف.وطغى شغفي بذلك التناول الجديد على تلك العادات التي حرصت عليها بالممارسة في مرسمي بالكويت، والذي ربما يفتقر إلى وجود أدوات التجربة كالدولاب والفرن المناسب لعملية الحريق، وكانت من أمتع المراحل التي تجعل الفنان في حالة ترقب دائم لظهور نتيجة جهده، تلك النتيجة التي عكفت على توثيق مراحلها من خلال توثيق علمي راعيت فيه الدقة قدر ما استطعت، وإن ظل الخزف حالة تجريب ذات تشويق دائم مهما عظمت خبرة الممارس لهذا الفن الأصيل.رافقت نصوص مكتوبة بعض أعمالك، فما مغزاها؟تأتي النصوص في الأعمال الفنية، عموماً، لتعبر عن كامل وجهة النظر لدى الفنانين، ولدى البعض لتصنع خلفية صوتية، يتشارك فيها الفنان مع المتلقي ذهنياً، وتأتي المأثورات في مقدمة ما يستعين به البعض من الفنانين في أعمالهم سواء كانت نحتية أو تصويرية أو رسوماً، وغالباً ما تكون هذه المأثورات أبياتا شعرية أو جملات العظة أو مقولات لمشاهير الرموز البشرية أو أمثلة شعبية أو أغنيات الفلكلور الشعبي واسعة الانتشار، وقد استعنت ببعض تلك اﻷغنيات الشعبية الكويتية في بعض أعمالي التصويرية التي نفذتها بخامات (اﻷكرليك)، وفي تجربتي اﻷخيرة استعنت ببعض الحروف (اﻷمزيغية) التي تشتهر بها قبائل البربر في شمال إفريقيا، وقد جاء استخدامي لها من منظور جماليات الحرف الهجائي وما له من أبعاد ذات علاقة تشكيلية، فتعمدت استخدامها منفردة وليست مكونة لجملة نص بعينها، تحمل اللغات القديمة أشكالا للحروف الهجائية ذات أبعاد تشكيلية تثير رغبة الفنان والمتلقي على حد سواء، وتزخر حضارات الشرق القديمة بتلك اللغات كالمسمارية والمصرية القديمة بخطوطها المختلفة، كالهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية وكذلك القبطية المطعمة بحروف يونانية.
واقع تشكيلي عربي
استطاعت الفنانة التشكيلية العربية اثبات جدارتها ونجحت في إيجاد ملمح تشكيلي خاص بها ما رأيك؟ ربما تأتي ملابسات الواقع التشكيلي العربي لتكون حائلا بين طموح الفنانة العربية عموماً، إلا أن بعض الحالات نجحت بشكل كبير وطال نجاحها قاعات عرض عالمية، على غرار الفنانة المصرية جاذبية سري التي يقتني متحف «الميتروبوليتان» أحد أعمالها التصويرية المهمة، وكذلك الفنانة الراحلة مارغريت نخلة والراحلة تحية حليم وإنجي أفلاطون وغيرهن ممن خضن غمار التجربة وعبرن من خلالها عن أنفسهن ومجتمعاتهن وبيئتهن، بشكل يؤكد وجود ملمح تشكيلي لديهن استطعن إثبات وجودهن من خلاله، كذلك ثمة تجارب لفنانات معاصرات من العراق وسورية ومصر وبعض دول الخليج، جميعهن في حالة نضال شخصي ﻹثبات الوجود، سواء على المستوى اﻹقليمي أو العربي أو العالمي، فضلا عن محاولات في جانب الفن المفاهيمي وفنون الميديا، وأرى أن الفنانة العربية تستطيع تحقيق ملمح تشكيلي خاص بها إذا توافرت لها ظروف مجتمعية داعمة لذلك، ولكن تحتاج نظرة المجتمعات العربية للفنانة العربية إلى تغيير والخروج إلى مساحة من الاستيعاب. كيف تصفين علاقتك بلوحاتك وهل تبوحين بكل ما يجول بخاطرك لها؟ربما أتعامل مع العمل الفني بشكل مختلف، فأنا من الفنانين المقلين في الأعمال، أجتهد في التدقيق في ما أقدم، وربما أوجدت لدي تلك التجربة اﻷخيرة نوعاً من الطاقة والتحفيز في الاتجاه نحو غزارة الإنتاج، نظرا إلى رغبة ملحة تولدت عندي من جراء شعوري باختمار الفكرة واكتمال أدواتها، سواء التقنية أو الثقافية، قدر ما سمحت به ظروفي، وتسلحي بتناولات وتقنيات وخبرات مكتسبة، تحقق لي تلك اﻷفكار التي تراودني، وأطمح إلى تجسيدها من خلال عمل فني يعبر عن وجهة نظري الهادفة إلى إنتاج عمل يطمح إلى الرصانة ويعبر عن فكر المرأة في مجتمعي الذي أضع انتسابي له في المقام اﻷول، وليس من خلال تجسيد عمل عشوائي ناتج عن إرهاصات الممارسة في المطلق. هل تتركين لوحة بدأت العمل بها؟يقع فنانون في تلك المعضلة، قد يبدأون عملا ولا تتوافر لديهم ظروف نفسية وحالة مزاجية ﻹكماله، فقد تتعارض آليات التنفيذ لدى البعض مع مرحلية التنفيذ ما يخرج العمل عن مجراه الذي رسمه له الفنان وهدفه من إنتاجه، وهنا يتوقف لاستعادة تلك المثيرات والمحفزات التي دفعته إلى بدء العمل، وهذا يحدث لدى البعض من الفنانين.مشاركات فنية متنوعة
{نجحت الفنانة العربية في إيجاد ملمح تشكيلي خاص بها وذلك بعد مسيرة طويلة من النضال والتحدي»، تؤكد الفنانة التشكيلية الكويتية منى الدويسان إحدى أبرز الفنانات في الكويت وابنة ذلك الزمن الجميل، لذلك ارتبطت أعمالها بتراث الكويت، وبواقع المجتمع، درست الدويسان الفن التشكيلي على يد أساتذة كبار، فهي خريجة معهد المعلمات -تربية فنية (1978)، وكلية التربية الأساسية - تصميم داخلي (1988).أقامت معارض تشكيلية خاصة من بينها: في الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية (2010) وفي دار الفنون - الكويت (2016).كذلك شاركت في معارض مشتركة خارج الكويت: مصر، روما، مدريد، أوكرانيا، فضلا عن مشاركات داخل الكويت في مهرجان الإبداع التشكيلي، جائزة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، مهرجان جائزة الشيخة سعاد الصباح، ومهرجانات الربيع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب...تشغل الدويسان مناصب مهمة من بينها: عضو مجلس إدارة في الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وعضو في رابطة الحرف اليدوية في باريس.