يعيد المعرض رسم تاريخ الحدائق في الشرق منذ عصور ما قبل التاريخ لغاية اليوم، من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى شبه القارة الهندية، إنه مسار غني بحوالى 300 عمل فني، استعاره القيمون على المعرض من المتاحف العالمية والمجموعات الخاصة، كذلك من بعض التصاميم على الورق وصور فوتوغرافية، تذكّر كلها بإبداع مهندسي الحدائق في الماضي. ثقافة، تاريخ، تقنية، بيئة، مجتمع... فن الحدائق العام كما الخاص، حلله المعرض بكل أبعاده ومصادر إلهام مصمميه وصولا إلى الخيوط المنسوجة بينها وبين حدائق الغرب، فضلا عن إقامة نقاش حول الدور الذي يمكن إن تؤديه الطبيعة في المدن المعاصرة، لتبيان التحدي بين العصرنة واستمرارية البيئة...
من حدائق بابل المعلقة إلى حديقة الأزهر الحديثة في القاهرة، من حدائق الأمراء، لا سيما قصر الحمراء في الأندلس، إلى الحدائق العامة، مسار متواصل قاسمه المشترك الماء عنصر الحياة.
تعلق بالأرض
ينقسم المعرض إلى قسمين: إعادة تصميم حدائق تاريخية في باحات معهد العالم العربي، وفي الداخل تعرض رسوم وصور ومجسمات ولوحات تبيّن تعلق الحضارات القديمة بالأرض، ولوحات ومجسمات تبين تعلق الحضارة العربية الإسلامية بالطبيعة والأرض وتنسيق الحدائق، كهندسة وفن وعلم قائم بذاته، من بينها: صور لنواعير الري مشرقية وأخرى أندلسية ومغربية ومجسمات التحكم بالماء، ومجاري المياه... كل ذلك للدلالة على أن الثقافة الشعبية ارتبطت بهذه الاساليب، ولم تقتصر على القصور...يحاكي المعرض خيال الزائر ويعرفه على الحدائق في الحضارات القديمة التي يصل جمال بعضها إلى درجة خيالية تفوق الوصف، وقد عرفت الحضارات القديمة التي تعاقبت على الشرق كيف تحافظ على ما وصف في مخطوطات قديمة بفلسفة الأرض والنبات، من خلال الاهتمام بالأزهار من الورد إلى الياسمين... إلى أعظم الأشجار كالنخيل، الزيتون، البرتقال، الرمان... فيستنشق الزائر عبق الشرق وعطر أريجه وتسكنه أمكنة غابرة عرفت كيف تتعامل مع الطبيعة من منطلق أجمل عطايا الله للإنسان...حفاظاً على روح الشرق، عمد القيمون على المعرض إلى إعادة تصميم حدائق كما ورد وصفها في الكتب التاريخية، وبتقنيات الشرق التي عرفت هندسات مختلفة من تكعيبية ومربعة، وبرز ذلك واضحاً في تصاميم حدائق الأندلس، ومن رسوم الحدائق في السجاد الفارسي... كلها تعطي صورة واضحة حول كيفية التناغم الذي أحدثته الحضارات القديمة بينها وبين عناصر الطبيعة المختلفة من ماء ونبات وحيوان... فضلا عن استحداثها أساليب للري من البرك والنوافير والشلالات... كلها اضفت على الحدائق طابعاً من الرونق والجمال يمنح زائرها راحة وطمأنينة... الهدف من المعرض تسليط الضوء على الحضارات في الشرق ومدى ريادتها في استحداث وسائل وأساليب تهدف إلى سعادة الإنسان، وقد استوحت في ما بعد الحدائق الغربية كل هذه التقنيات وحدّثتها واضفت عليها طابعاً غربياً، لكنها رغم ذلك بقيت جذورها متشبثة بالشرق... كذلك يهدف المعرض إلى حث الناس على احترام البيئة والطبيعة والإصغاء إلى جمالياتها للاستمتاع بالحياة، ولا شك في أن الحدائق إحدى أهم هذه المتع التي توفر لقاءات وتبادل حوارات مع الطبيعة بحرية ومن دون قيود، وتخول العودة بالزمن إلى الوراء، إلى عصور كانت العلاقة بين الإنسان والطبيعة مباشرة وفطرية، ولا قيمة لأي مدنية إذا لم تكن تحتوي حدائق، باعتبارها رمز الحضارة...