لما كانت الليلة السابعة والسبعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن "الورد في الأكمام”، قالت لخادمتها: هل تكتمين الأسرار؟ فقالت: كيف لا أكتم الأسرار وأنا من خلاصة الأحرار؟ فأخرجت لها الورقة التي كتبت فيها ذلك الشعر، وقالت لها: اذهبي برسالتي هذه إلى أنس الوجود وعودي بجوابها. فأخذتها وتوجّهت بها إلى أنس الوجود، فلما دخلت عليه، قبلت يديه، وحيته بألطف كلام، ثم أعطته الرسالة فقرأ الشعر وفهم معناه، ثم كتب في ظهره هذه الأبيات:

أعلل قلبي في الغرام وأكتمُ

Ad

ولكن حالي في الهوى تتكلَّم

وكنتُ خلياً لستُ أعرف ما الهوى

فأصبحتُ صَبَّاً والفؤادُ مُتيمُ

رفعت إليكم قصتي اشتكى بها

غرامي ووجدي كي ترقّوا وترحموا

وسطرتُها من دمعِ عيني لعلها

بما حلّ بي منكم إليكم تُترجم

رعى الله وجهاً بالجمالِ مبرقعاً  

له البدرُ عبد والكواكبُ تخدِمُ

ثم طوى الكتاب وقبّله، وأعطاه للخادمة، وقال لها: استعطفي سيدتك. فقالت: سمعاً وطاعة. أخذت منه الكتاب ورجعت به إلى سيدتها، فقبلته ورفعته فوق رأسها، ثم فتحته وقرأته، وكتبت في أسفله هذه الأبيات:

يا من تولع قلبُه بجمالنا

اصبر لعلك في الهوى تحظى بنا

لما علمنا أن حبّك صادقٌ

وأصاب قلبك ما أصاب فؤادنـــــا

زدناك فوق الوصل وصلاً

مثله لكن منع الوصل من حجابنــا

فإذا تجلى الليلُ من فرطِ الهوى

تتوقد النيرانُ في أحشائـــــنا

وجَفَت مضاجعُنا الجنوب وربما

يسري لهيبُ الشوق في أجسامِنا

الفرض في شرعِ الهوى كتــم الهوى

  لا ترفعوا المسبول من أستارنا

لما فرغت من شعرها طوت القرطاس وأعطته للخادمة، فأخذته وخرجت من عندها، فصادفها الحاجب وقال لها: أين تذهبين؟ فقالت: إلى الحمام. وكانت قد انزعجت منه فوقعت منها الورقة على الأرض قرب الباب، حيث التقطها بعض الخدم، وظن أنها سقطت من الوزير، فتوجه بها إليه وقال له: يا مولاي إني وجدتُ هذه الورقة على باب الدار. تناولها الوزير وفتحها ثم قرأ ما فيها من الأشعار التي تقدم ذكرها وفهم معناها. ولما تأمل في كتابتها أدرك أنها بخط ابنته، فدخل على أمها وهو يبكي بكاء شديداً حتى ابتلت لحيته، فسألته زوجته: ما أبكاك يا مولاي؟ فأجابها: خذي هذه الورقة وانظري ما فيها. أخذت الورقة وقرأتها، فرأتها مشتملة على مراسلة من بنتها الورد في الأكمام إلى أنس الوجود، فبكت أيضاً، لكنها تمالكت نفسها وكفكفت دموعها وقالت للوزير: يا مولاي إن البكاء لا فائدة فيه. الرأي أن تتبصر في أمر يكون فيه صون عرضك وكتمان أمر بنتك.

وصارت تسليه وتخفف عنه الأحزان فقال لها: إني خائف على ابنتي من العشق، أما تعلمين أن السلطان يحب أنس الوجود محبة عظيمة؟ وربما يحدث من هذا أمر عظيم.

جبل الثكلى

لما كانت الليلة الثامنة والسبعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير بعد أن أخبر زوجته بخبر ابنته سألها: ما رأيك في ذلك؟ فقالت له: اصبر حتى أصلي صلاة الاستخارة. صلت ركعتين، وقالت لزوجها: إن بحر الكنوز يوجد في وسطه جبل يسمى جبل الثكلى، وسبب تسميته بذلك أن الوصول إليه لا يكون إلا بالمشقّة، فاجعل لها موضعاً هناك. فاتفق الوزير مع زوجته على أن يبني هناك قصراً مَنيعاً يضع فيه ابنته، ويزودها بمؤونتها كل عام، كما يجعل عندها من يؤانسها ويخدمها. ثم جمع النجارين والبنائين والمهندسين وأرسلهم إلى ذلك الجبل، فبنوا قصراً منيعاً لم ير مثله أحد، ثم هيأ الزاد والراحلة ودخل على ابنته في الليل وأمرها بالسفر، فشعر قلبها بالفراق، وبكت بكاء شديداً. ثم رأت أن تعرف أنس الوجود بما جرى لها، فغافلت والدها، وكتبت على الباب هذه الأبيات:

بالله يا دار إنْ مرّ الحبيبُ ضحى

مسلماً بإشارات يُحيينا

أهديه منا سلاماً زاكياً عطراً

ينوبُ بعد التنائي عن تلاقينا

ولست أدري إلى أين الرحيل بنا

لما مضوا بي سراعاً، مستخّفينا

في جنح ليل وطير الأيك قد عكفت

على النواح تباكينا وتبكينا

وقال عنها لسان الحال: واحربا

من التفرق ما بين المحبينا

لما رأيت كؤوس البعد قد ملئت

والدهر من صرفها بالقهر يسقينا

مزجتها بجميل الصبر معتذراً

وعنكم الآن ليس الصبر يسـلينا

لما فرغت من شعرها، ركبت وسارت القافلة بها، ولم تزل تقطع البراري والقفار، والسهول والأوعار، حتى وصلت إلى بحر الكنوز، فركبوا سفينة إلى ذلك الجبل العظيم الذي في وسطه، وهناك أنزلوا الفتاة وجواريها ومؤنتها لمدة عام في القصر الذي بناه لها والدها، ثم رجعوا بالسفينة وتركوهن.

أما أنس الوجود، فإنه عندما قام من نومه يوم رحيل معشوقته، صلى الصبح، ثم توجه إلى عمله في قصر السلطان، ومرّ في طريقه على دار الوزير كعادته، لعله يراها أو يسمع شيئاً عنها من أتباع والدها. لما نظر إلى الباب، قرأ عليه ذلك الشعر الذي كتبتْه وعرف أنه بخطها، فاشتعلت النار في أحشائه، ورجع إلى داره. ولم يزل في قلق ووجد إلى أن دخل الليل، فحزم أمره وخرج متنكراً وهو لا يدري أين يسير، وبقي كذلك إلى أن لاح ضوء النهار، ثم ارتفعت الشمس وتلهبت الجبال، فاشتد به العطش، وقصد إلى شجرة بجانبها جدول ماء يجري، وجلس في ظلها على شاطئ ذلك الجدول، وأراد أن يشرب فلم يجد للماء طعماً في فمه، وقد تغير لونه، واصفر وجهه، وتورّمت قدماه من المشي، فبكى بكاء شديداً حتى بلَّ الثرى. ثم قام من وقته وساعته وواصل سيره في تلك البراري والقفار.

بينما هو يهيم على وجهه، خرج عليه أسد عظيم، رقبته مختنقة بشعره، ورأسه قدر القبة، وفمه أوسع من الباب، وأنيابه مثل أنياب الفيل. لما رأه أنس الوجود أيقن بالموت، فاستقبل القبلة وتشهَّد، وكان قد قرأ في بعض الكتب أن الأسد من عادته أن ينخدع بالكلام الطيب الرقيق، فنظر إليه وخاطبه قائلاً: يا أسد الغابة وليث الفضاء، يا ضرغام، يا أبا الفتيان، يا سلطان الوحوش، إنني عاشق مُشتاق، وقد أتلفني العشق والفراق، وحين فارقت الأحباب، غبتُ عن الصواب، فاسمع كلامي، وارحم لوعتي وغرامي. لما سمع الأسد مقالته تأخر عنه، وجلس مَقعياً على ذنبه، ثم رفع رأسه إليه وصار يحرّك ذنبه ويديه. عندما رأى أنس الوجود من الأسد هذه الحركات، أفاض العبرات، وخاطبه بهذه الأبيات:

أسد البيداء هل تقتلـــــني

قبل أن ألقى الذي تيّمني

لست صيداً لا ولا بي سمن

فَقْد من أهواه قد أسقمني

وفراق الحب أضنى مهجتي

فمثالي صورة في كــــفن

يا أبا الحارث يا ليث الوغى    

قد كفاني ما ترى من شجني

أنا صب مدمعي أغرقنـــــي

ولهيب الهجر قد أقلقــــــني

واشتغالي بالتي أحببتــــــُـها

عن وجودي في الهوى غيّبني

الشيخ العابد

لما كانت الليلة التاسعة والسبعون بعد المئتين، قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن أنس الوجود لما فرغ من شعره، قام الأسد ومشى نحوه بلطف، وقد تندت عيناه بالدموع، ولما وصل إليه لحسه بلسانه، ومشي قدامه وأشار إليه أن يتبعه. ولم يزل سائراً وهو خلفه ساعة من الزمان، حتى طلع به فوق جبل، ثم نزل به إلى واد رأى فيه أثر قافلة، فعرف أنها قافلة "الورد في الأكمام”، وأخذ في تتبع الأثر وهو يبكي.

فلما رأه الأسد كذلك مضى في سبيله.

ولم يزل أنس الوجود ماشياً وراء الأثر أياماً وليالي، حتى وصل إلى بحر عُجاج متلاطم الأمواج، ووجد الأثر قد انقطع، فعلم أنهم ركبوا البحر، وانقطع رجاؤه، فسكب العبرات حتى وقع مغشياً عليه. ثم أفاق من غشيته، والتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً في البرية، فخشى على نفسه من الوحوش وصعد على جبل عال هناك. فلما صار فوقه، سمع صوت آدمي منبعث من مغارة، فقصدها وطرق بابها ثلاث مرات فلم يجبه أحد فصعد الزفرات، وأنشد هذه الأبيات:

كيف السبيل إلى أن أبلغ الإربا

وأترك الهمَ والتكديرَ والتَعبا

وارحمتاه لصب عاشق قـــــلق

سوى كؤوس الجوى والوجد ما شربا

فالنار في القلب والأحشاء قد مُحيت

والعقل من لوعة التفريق قد سُلبا

لما فرغ من شعره، إذا بباب المغارة انفتح، وسمع قائلا يقول: وارحمتاه. فدخل حيث رأى أمامه شيخاً عابداً زاهداً فقصّ عليه قصته من أولها إلى آخرها، وأخبره بجميع ما جرى له. فبكى العابد وقال له: يا أنس الوجود إن لي في هذا المكان عشرين عاماً ما رأيت فيه أحداً، ثم سمعت بكاء منذ حين، فنظرت إلى مصدره فرأيت ناساً كثيرين وخياماً منصوبة على شاطئ البحر، ثم ركب القوم سفينة ساروا بها في البحر، وبعد أيام عادت السفينة ببعض من كانوا فيها، فكسرها ومضوا في سبيلهم على البر. وإذا كانت معشوقتك من النساء اللائي كن معهم في السفينة، فاعلم أنهم رجعوا من رحلتهم في البحر وليس معهم أي أنثى، فاصبر يا بني وإن يكن همك عظيماً، فليس في الدنيا أحد إلا وقد قاسى الحسرات، ثم أنشد العابد هذه الأبيات:

أنس الوجود خلي البال تحسَبُني

والشوق والوجد يطويني وينشرني

إني عرفت الهوى والعشق من صغري

من حين كنت صبياً راضع اللبن

مارسته زمنا حتى عرفت به

إن كنتَ تسأل عني فهو يعرفني

شربتُ كأس الجوى من لوعة

وضنى فصرت لا ترني من رقة البدن

قد كنت ذا قوة لكن وَهَى جلدي

 وجيشُ صبري بأسيافِ اللحاظ فنــي

لا ترتقب في الهوى وصلاً بغير

جفا فالضدُ بالضدِ مقرونٌ مدى الزمن

 

غريق الحُب

لما كانت الليلة الثمانون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن العابد لما فرغ من إنشاد شعره، قام إلى أنس الوجود وعانقه ثم تباكيا حتى دوت الجبال من بكائهما، ولم يزالا يبكيان حتى وقعا مغشياً عليهما، فلما أفاقا تعاهدا على أنهما أخوان في الله تعالى، ثم قال العابد لأنس الوجود: أنا في هذه الليلة أصلي وأستخير الله لك في شيء تعمله.

أما «الورد في الأكمام»، فإنها لما وصلوا بها إلى «جبل الثكلى»، وأدخلوها القصر وتركوها فيه بكت وقالت: والله إنه لمكان مليح، لا ينقصه إلا وجود الحبيب. ثم أخذت هي وجواريها في صيد الأطيار ووضعها في أقفاص داخل القصر. بعد ذلك، جلست وحدها يوماً، وتذكّرت ما جرى لها، فزاد بها الوجدُ والهيام، ولما جنّ عليها الظلام، اشتد ما بها من الآلام، فأنشدت هذه الأبيات وهي تفيض العبرات:

جَن الظلام وهاج الوجد بالسقـــــــم

والشوق حرّك ما عندي من الألمِ

ولوعة البين في الأحشاء قد سكنت

والفكر صـــَّيرني في حالة العدمِ

ما كنت أملك نفسي أن أودِّعـــــــهم

 يوم الفراق، فيا قهري ويا ندمي

يا من يبلــــغهم ما حل بي، وكفـــى

أني صبرتُ على ما خُط بالقــلم

والله لاحلت عنهم في الهوى أبـــــداً

يمين شرع الهوى مبرورة القسم

 

هذا ما كان من أمر «الورد في الأكمام». أما ما كان من أمر أنس الوجود فإن العابد قال له: انزل إلى الوادي وآتني من النخيل بليف. فلما جاءه به، أخذه وفَتَلَه وجعله شنفاً مثل أشناف التبن. ثم قال لأنس: في جوف الوادي فرع كبير يجف على أصوله، فاملأ هذا الشنف منه، ثم اربطه وارمه في البحر واركب عليه وتوجه به إلى وسط البحر، لعلك تبلغ قصدك، فإن مَن لم يخاطر بنفسه لم يبلغ المقصود. فقال أنس الوجود: سمعاً وطاعة.

ثم ودَّعه وخرج من عنده إلى جوف الوادي، حيث ملأ الشنف من ذلك القرع، ثم رماه بعد ربطه في وسط البحر وركبه، ولم يزل سائراً به على متن الماء مدة من الزمان، إلى أن هبّت ريح شديدةً فرقت ما بينه وبين الشنف، فأشرف على الغرق، ولكنه لم يزل سابحاً في لجَّة البحر، ترفعه موجة وتحطه أخرى، وهو يرى ما في البحر من عجائب وأهوال، إلى أن شاءت المقادير فقذفته الأمواج على جبل الثكلى بعد ثلاثة أيام.

نزل إلى البر مثل الفرخ الدايخ، لهفاناً من الجوع والعطش، وقد وجد في ذلك المكان أنهاراً جارية، وأطياراً مغردة، وأشجاراً مثمرة، فأكل وشرب حتى اكتفى، ثم رأى بياضاً عن بُعد، فمشى حتى وصل إليه، فوجد قصراً منيعاً حصيناً له باب مُغلق، فجلس عنده ثلاثة أيام. فيما هو كذلك إذا بباب القصر قد فُتح وخرجت منه إحدى الجواري، ولما رأت أنس الوجود سألته: من أين أتيت ومن أوصلك إلى هنا؟ فأجاب: أنا من أصبهان، وكنت مسافراً في البحر بتجارة فانكسرت السفينة التي كنتُ فيها، ورمتني الأمواج إلى هذه الجزيرة. فبكت وقالت له: حياك الله يا وجه الأحباب، إن أصبهان بلادي ولي فيها ابن عم كنت أحبه وأنا صغيرة، فغزا بلادنا قوم أقوى منا وأخذوني في جملة الغنائم ثم باعوني.

القمري
لما كانت الليلة الحادية والثمانون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية خادمة "الورد في الأكمام” أدخلت أنس الوجود ساحة القصر، حيث رأى بحيرة عظيمة حولها أشجار وأغصان، ورأى أطياراً في أقفاص من فضة، أبوابها من الذهب، وتلك الأقفاص معلقة على الأغصان، والأطيار تتناغى وتسبح الملك الديَّان. لما وصل إلى أولها تأمله فإذا هو قمري، وما رأه الطائر حتى مَد صوته ونطق قائلاً: يا كريم، فغشى على أنس الوجود، ولما أفاق من غشيته، صعد الرفراف وأنشد هذين البيتين:

أيها القمري هل مثلي تهيم

فاسأل المولي، وغرد: يا كريم

يا ترى نوحك هذا طرب أو

غرام منك في القلب مُقيم؟

لما فرغ من شعره، مشى حتى وصل إلى قفص آخر فيه فاخت غرد حين رأه وقال: يا دائم أشكرك، فصعد أنس الوجود الزفرات، وأنشد هذين البيتين:

وفاخت قد قال في نوحه:

يا دائماً شكرا على بلوتي

يا رب معسول اللمي زارني

فزادني عشقا على صبوتي

لما فرغ من شعره، مضى إلى ثالث قفص فوجد فيه هزاراً صاح عند رؤيته. سمعه فأنشد هذه الأبيات:

إن الهزار لطيف الصوت يعجبني

كأنه صوتُ صبّ في الغرام فني

وارحمتاه لأهل العشق كم قلقلوا

من ليلة بالهوى والشوق والمحن

كأنهم من عظيم الشوق قد خلقوا

بلا صباح ولا نوم من الشجن

لما فرغ من شعره، تمشى إلى رابع قفص، فوجد به بلبلاً غرد عند رؤيته. سمع تغريده فسكب العبرات، وأنشد هذه الأبيات:

إن للبلبل صوتاً في السحر

يطرب العاشق أحلى من وتر

كما سمعنا صوت ألحان

محت طرباً صلد حديد وحجر

وتذكرنا حبيبا غائبـــــــــاً

فجرى الدمع كما يجري المطر

ولهيب النار في أحشائنا

مضرم يرمي دواما بالشرر

متع الله محبا عاشقا

من حبيب بوصال ونظر

لما فرغ من شعره، مشى قليلا فرأى قفصاً حسناً لم يكن هناك أحسن منه. قرب منه فوجد بعض حمام الأيك، وهو اليمام المشهور، ورأى في أعناقها عقوداً من الجواهر بديعة النظام فأفاض العبرات، وأنشد هذه الأبيات:

يا حمام الأيك أقريك السلام

يا أخا العشاق من أهل الغرام

إنني أهوى غزالا أهيفـــــا

لحظة أقطع من حــــــد الحُسام

في الهوى أحرق قلبي والحشا

وعلا جسمي نحول وسقام

كيف يهنا العيش لي من بعدهم

وهمو روحي وقصدي والمرام.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح

وإلى حلقة الغد