تمكنت بلدة القاع الحدودية مع سورية، والتي تسكنها غالبية مسيحية، من التماسك والصمود، بعد هجوم إرهابي فاشل، قام به 8 إرهابيين على مرحلتين، أسفر عن سقوط 5 قتلى، بعد أن تمكن سكان البلدة من كشف الإرهابيين، قبل أن يتغلغلوا في تجمعات كبيرة، في حين حذر مراقبون من حصول هجمات جديدة تدفع لبنان للانزلاق إلى معركة تصفية "داعش" في فترة يعيش فيها لبنان غيابا شبه تام لمؤسسات الدولة.

وبعد أربعة تفجيرات انتحارية متتالية فجر أمس الأول، وسقوط خمسة قتلى، عاد الإرهاب ليضرب القاع مجددا، بدءاً من العاشرة والربع من ليل السبت ـ الأحد، وهذه المرة من بوابة كنيسة مار الياس في ساحة البلدة، حيث كان يتجمع معزون بالقتلى الخمسة، حين فجَّر انتحاري نفسه بحزام ناسف، وتلاه انتحاري آخر في النقطة نفسها، قبل أن ينجح الجيش والأهالي في تفجير انتحاريين آخرين، لتبلغ الحصيلة الإجمالية ثمانية انتحاريين.

Ad

وفي حين لم تتضح صورة بالكامل بعد حول الرسالة من استهداف القاع، ربط مراقبون بين ما حصل في القاع، والهجمات التي شهدها الأردن، خصوصا على حدوده الشمالية، والتي ربطت بدورها بالخسائر التي يتكبدها إرهابيو "داعش" في العراق وسورية أخيرا.

وبدأ الجيش اللبناني فجر أمس عملية مسح شاملة لأطراف بلدة القاع من الجهات كافة، وضرب طوقا مُحكما حول أماكن التفجيرات، وعزز وجوده على الأرض، ولا سيما فوج المغاوير.

ووعد ضباط، الأهالي بإنهاء الحالة الإرهابية، وطالبوهم بمنع التجمع، وأعطوا إرشادات حول كيفية التصرف، في حال الاشتباه بإرهابي. كما أجرى الجيش مداهمات طالت 200 سوري على الأقل، وسط دعوات لضبط اللاجئين.

ومنذ صباح أمس الأول انتشر أهالي القاع جميعهم في ساحة البلدة حاملين السلاح، بينهم نساء شهرن رغبتهن في الدفاع عن الأرض والوجود.

وقال عضو كتلة "القوات اللبنانية"، النائب انطوان زهرا، تعليقاً على نشر صورة تظهره حاملا السلاح مع أهالي القاع، إنه تواجد مساء أمس الأول "مع الشباب الذين حملوا السلاح تحت امرة الجيش اللبناني في القاع".

وأشار إلى أن "الشباب قاموا بمهمة الرصد والحراسة، وأنه مع بدء الجيش عملية مسح مكثفة في الصباح، بات سلاح المدنيين في منازلهم". ورفض مقولة الأمن الذاتي، مكررا أن "الناس حملوا السلاح تحت امرة الجيش ومراقبته، ولا أحد يريد أخذ دور الدولة".

ولفت إلى "الدور الذي لعبه حمل أهالي القاع السلاح في منع مجازر أراد الإرهابيون ارتكابها، حين أطلق رجال البلدة النار على الانتحاريين، وأجبروهم على تفجير أنفسهم بعيدا من الناس".

ووصل قائد فوج المغاوير السابق شامل روكز إلى القاع التي أمتها أمس عشرات الشخصيات السياسية التي دعت إلى إمداد البلدة بكل ما تحتاجه، والوقوف معها، لتتمكن من الصمود.

وبينما دعا الجيش إلى ضبط فوضى السلاح، أكد رئيس البلدية بشير مطر التعاون مع الجيش، وشدد على مطالبة الأهالي بضبط وجود اللاجئين في المنطقة، وقال: "لا فائدة من بقاء من لا عمل له في البلدة". ودافع عن دعوته الأهالي إطلاق النار على أي "غريب" يشتبه فيه، ولا يمتثل لطلب التوقف وعدم التقدم باتجاه الأهالي والكشف عن هويته.

وسرى منذ صباح أمس قرار محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر، منع تجول اللاجئين في القاع ورأس بعلبك. كما اتخذت بلدية الهرمل قرارا مماثلا، كما تم إرجاء تشييع القتلى الخمسة لأسباب أمنية.

مجلس الوزراء

إلى ذلك، حضر الوزراء إلى السراي الحكومي، أمس، لحضور جلسة لم يحضرها وزير الدفاع ووزير الداخلية.

وأشار رئيس الحكومة تمام سلام إلى أن "لبنان يواجه تطورا نوعيا والمواجهة مع الإرهاب مستمرة". ودعا السياسيين إلى "التعامل مع مسألة تفجيرات القاع ببُعدها الوطني، وليس الفئوي أو المذهبي، وكذلك إلى الابتعاد عن مظاهر الأمن الذاتي".

وشدد سلام على أن "البلد بحاجة إلى استنفار وطني، وليس استنفارا مذهبيا أو فئويا"، وأضاف أن "هذه العملية الأمنية ليست مفاجئة، لأن الجيش والأجهزة الأمنية كانت تتحسب لهكذا تطور".

وقال إن "طبيعة التفجيرات وعدد الانتحاريين ربما تكون مرحلة جديدة ومختلفة في المواجهة مع الإرهاب".

في السياق، وجَّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أمس، نداء لكل السياسيين والأحزاب والأجهزة الأمنية العسكرية "لتأكيد الأمن في لبنان". وطالب "بأمن سياسي، لأنه لا أمن إلا مع انتخاب رئيس للجمهورية".

ولفت إلى أن "الجيش والقوى الأمنية سيبقون مستمرين بأخذ الإجراءات لحماية المناطق اللبنانية"، موضحا أن "4 من الانتحاريين، من أصل 8، أتوا من داخل سورية"، مخالفا بذلك التقارير التي أكدت أن المهاجمين جاؤوا من مشاريع القاع، حيث يقيم الآلاف السوريين دون أي ضوابط.

«حزب الله»

وقرر "حزب الله" إلغاء الإحياء المركزي لليلة القدر، أمس، في مساجد بعلبك كافة، نظرا للأوضاع الأمنية. وكان "حزب الله" أعلن سابقا إلغاء الإحياء المركزي لليلة القدر، الذي كان مقررا أمس أيضا في مجمع سيد الشهداء بالضاحية الجنوبية لبيروت.

دعوة لنشر قوات دولية على الحدود
طالبت وزيرة المهجرين اللبنانية أليس شبطيني المحسوبة على الرئيس السابق ميشال سليمان، في تصريح من السراي الحكومي قبيل جلسة الحكومة أمس، بنشر قوات دولية على الحدود اللبنانية-السورية.

وكان حزب الله رفض في العام 2012، أي قبل إعلانه رسميا بدء تدخله في الحرب السورية، نشر أي قوات دولية على الحدود مع سورية، واصفاً طلب نشر مثل هذه القوات بـ"الصهيوني".

ومن سخرية القدر، أن حزب الله برّر وقتها رفض تلك القوات بأنه لا يريد "تدخل لبنان في الشؤون السورية"، معتبراً أن استجلاب قوات عسكرية دولية هو "عسكرة" للأزمة في سورية.

وسائل التواصل تشتعل بـ 3 عناوين: الأمن الذاتي واللاجئين و«حزب الله»
منذ صباح أمس الأول، مع استيقاظ اللبنانيين على نبأ الهجوم الإرهابي على بلدة القاع، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد للأمن الذاتي وتسليح المواطنين للدفاع عن أنفسهم بوجه الإرهابيين المتسللين الى قراهم ومنازلهم، وبين رافضي مبدأ الأمن الذاتي، معتبرين أنه مقدمة لعودة الميليشيات وربما الانزلاق إلى حرب أهلية.

وأشار مؤيدو التسلح إلى أن حمل مواطني القاع السلاح أدى الى إفشال أكبر هجوم إرهابي تم بسبعة مهاجمين في أقل من 24 ساعة وتقليل نسبة الضحايا الى 5 قتلى فقط، أي اقل من عدد الانتحاريين.

وبموازاة هذا النقاش، تساجل رواد وسائل التواصل بشأن وضع اللاجئين السوريين في لبنان، وانقسموا بين من دعا الى ضبط اللاجئين وفرض الرقابة عليهم وبين من حذر من تصعيد اللهجة العنصرية التي يمكن أن تستجلب العنف ضدهم.

وكان لحزب الله ودخوله في مستنقع الحرب الأهلية السورية نصيب كبير من النقاشات، وانقسم الناشطون الالكترونيون بين من حمل حزب الله مسؤولية الهجوم بإعطاء ذريعة للمهاجمين وبين من رفض هذا الأمر متحدثاً عن الإرهاب كظاهرة عالمية غير مرتبطة بدخول الحزب إلى سورية.

سجال بشأن التنسيق مع النظام السوري

تجدد السجال في لبنان بشأن التنسيق بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد.

فقد طالب منسق عام التيار "الوطني الحر" بيار رفول الحكومة اللبنانية بأن "تتواصل مع الحكومة السورية لمناقشة خطر النازحين السوريين على لبنان ووضع حد له"، معتبراً أن "من يرفض التشاور مع سورية لحل بعض المشاكل يتحمل المسؤولية الاكبر فيما يحصل بنا"، في إشارة إلى هجمات القاع. في المقابل، أشار عضو كتلة "القوات" النائب انطوان زهرا الى أن "التنسيق مع الحكومة السورية غير منطقي في الفترة الحالية"، متسائلاً: "من أجل ماذا نريد التنسيق مع الحكومة السورية؟ ومن يستطيع العودة الى سورية لن ينتظر الدولة السورية".