البنك الدولي و«تعديل الدستور»!
تقرير البنك الدولي هو مجرد تسويق مدفوع الثمن لخطط الحكومة وسياساتها الاقتصادية التي تتجاهل الاختلالات الرئيسة في نمط الاقتصاد الريعي وطبيعة القطاع الخاص المحلي وتركيبته المُختلة، ثم تتبنى سياسات نيوليبرالية متوحشة مثل الخصخصة الشاملة، ورعاية قطاع خاص ريعي معظم أنشطته طابعها طفيلي لا تخلق فرص عمل للمواطنين.
ذكرنا في مقال سابق أن استشارات البنك الدولي ودراساته الخاصة تعتمد على المعلومات والبيانات والإحصائيات التي تُقدّمها الجهات الرسيمة، ولا تُعلن نتائجها للعامة إلا بعد موافقة الجهة الرسمية الطالبة للاستشارة، أي الحكومة أو المجلس، وهو ما يعني أن دراساته واستشاراته ليست سِوى رأي رسمي مدفوع الثمن، حيث الدولة تدفع جزءاً من ميزانية البنك، أي أنه رأي رسمي مُوجّه يختبئ خلف اسم منظمة دولية.ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة كثرة استخدام الحكومة لعدد من «دراسات» و«آراء» منظمات مالية رأسمالية معروفة عالمياً «وصفاتها» وتوجهها النيوليبرالي المتوحش مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة «أرنست أند يونغ»، والبنك الدولي وغيرها، وذلك من أجل تسويق مشاريعها وخططها ووثيقتها الاقتصادية التي لا تخرج في توجهها العام عن التوجه الاقتصادي النيوليبرالي لهذه المنظمات الدولية.
وفي هذا السياق يأتي تقرير البنك الدولي الأخير الذي أشارت إلى خطوطه العريضة صحيفة (القبس 25 يونيو 2016) باعتباره «مسودة البنك الدولي النهائية المتعلقة باستراتيجية التعاون المشترك مع الكويت تحت عنوان «استراتيجية دعم دولة الكويت للسنوات المالية الممتدة من 2016 إلى 2020». ومن دون الدخول في التفاصيل فإن توجه تقرير البنك الدولي ومحتواه لا يختلفان عما جاء في الوثيقة الاقتصادية للحكومة ومضامينها العامة وسياساتها النيوليبرالية التي سبق أن قامت بإعدادها المنظمة المالية العالمية «أرنست أند يونغ». بكلمات أخرى فإن تقرير البنك الدولي هو مجرد تسويق مدفوع الثمن لخطط الحكومة وسياساتها الاقتصادية التي تتجاهل الاختلالات الرئيسة في نمط الاقتصاد الريعي وطبيعة القطاع الخاص المحلي وتركيبته المُختلة، ثم تتبنى سياسات نيوليبرالية متوحشة مثل الخصخصة الشاملة، ورعاية قطاع خاص ريعي معظم أنشطته طابعها طفيلي لا تخلق فرص عمل للمواطنين، فضلاً عن تقليص النشاط الاقتصادي للدولة شيئاً فشيئاً وصولاً إلى تصفيته كاملاً، وهو ما يؤدي، بالتالي، إلى تخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة توظيف المواطنين ورعايتهم اجتماعياً إلى درجة تجرؤ البنك الدولي على طرح موضوع الحاجة إلى «عقد اجتماعي جديد» لأنه كما ذكر البنك نصاً «شرط أساسي لإنجاز رؤية الكويت على المدى البعيد، وتحديث خطط التنمية». (القبس 25 يونيو 2016)!!. بصياغة أخرى فإنه من الواضح أن البنك الدولي يدعو، بشكل مثير للاستغراب والتعجب، إلى تعديل الدستور، وبالذات المواد (11، 16، 20، 21، 22، 24، 41، 48) كي تتخلى الدولة عن دورها الاجتماعي-الاقتصادي، ولا تلتزم بتوفير فرص عمل للمواطنين ورعايتهم اجتماعياً، وذلك كشرط أساسي، كما يؤكد في تقريره «لإنجاز رؤية الحكومة وتحديث خطط التنمية»، فمن أين أتت له هذه الجرأة؟! أم أن هذا هو الرأي الرسمي للحكومة تحت اسم البنك الدولي؟!