المفترض أن تكون خطوة رجب طيب إردوغان المقبلة في اتجاه مصر، إذْ إن ما بين تركيا وبينها لا يصل إلى حدِّ الصدام الذي اقترب من المواجهة العسكرية مع روسيا، وأيضاً مع إسرائيل، والمعروف أنَّ المشكلة التركية-المصرية سببها الإخوان المسلمون الذين ثبت أنَّ المراهنة عليهم خاسرة، وأنه لابدَّ، بل يجب فك العلاقات معهم والابتعاد عنهم، بعدما تحولوا إلى تنظيم إرهابي عنوانه "أنصار بيت المقدس"، وتربطه صلة باتت مكشوفة مع تنظيم "داعش" ومع تنظيم "القاعدة" و"النصرة" أيضاً.إنه غير جائز، على الإطلاق، إدانة هذه الخطوة التي أقدم عليها رجب طيب إردوغان، كما أنه غير جائز مؤاخذته لأنه أعرب عن ندمه على إسقاطه الطائرة الروسية، وقدم اعتذاراً مشفوعاً بـ"الترجي" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمصالح الدول تقتضي في بعض الأحيان مثل هذا وأكثر منه، وحقيقة أنه إذا كان لابد من "المؤاخذة" فإنها يجب أن توجه إلى الولايات المتحدة التي وضعت كلَّ بيضها وبيض هذه المنطقة في السلة الروسية، وتركت تركيا العضو المؤسس في حلف شمالي الأطلسي "تقلِّع" شوكها بنفسها وتواجه تحديات كثيرة، إنْ بالنسبة للمشكلة السورية وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية وإنْ بالنسبة لأمور وقضايا أخرى كثيرة.
ثم إن إردوغان بعد تجربة نحو تسعة أشهر مكلفة بات على قناعة راسخة بأنّ بوابة إرهاب حزب العمال الكردستاني-التركي الـ"P.K.K" التي انفتحت على تركيا على مصراعيها لا يمكن إغلاقها بعدما تحولت إلى حرب استنزافية فعلية، إلاّ بالتنازل عن شيء من كبريائه والاستجابة لما كان طلبه الرئيس بوتين، وهو تقديم اعتذار صريح وواضح ولا لبس فيه وإعلان مسؤولية تركيا، الدولة التركية، عن إسقاط طائرة الـ"سوخوي" الروسية... وهذا هو ما حصل وأكثر منه خلال تطورات الأيام الأخيرة.هذا بالنسبة لروسيا، أما بالنسبة لإسرائيل فإن إردوغان، الذي يعرف أن جزءاً كبيراً من الطاقة المستقبلية يكمن في البحر الأبيض المتوسط في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، وجد أن فتح صفحة جديدة لعلاقات غير العلاقات القائمة الآن الشديدة التوتر مع بعض الدول الإقليمية الفاعلة يجب أن يشمل إسرائيل، وبخاصة أن "حماس" التي أصبحت تعيش مأزقاً حقيقياً بعد أن انْهار "هيكل" الإخوان المسلمين لم تعد تعترض على إقامة مثل هذه العلاقات مع "الكيان الصهيوني"!وهكذا فإنه إذا أراد إردوغان، الذي ثبت أنه "مناورٌ" من الطراز الرفيع، أن يكمل هذه الدائرة، وأن يُثبِّتَ أقدامه في فضاء تركيا الإقليمي فإن عليه ألاّ تأخذه العزة بالإثم، وأن يتجه إلى مصر كما اتجه إلى موسكو وتل أبيب، وبخاصة أن المفترض أنه يعرف أن أرض الكنانة، في هذا العهد وفي كل العهود، لها مكانتها الفاعلة، ولها دور رئيسي لا غنى عنه في هذه المنطقة، كما أنه يعرف أيضاً أن الشواطئ المصرية المتوغلة بعيداً في عمق البحر الأبيض المتوسط تتفوق على الشواطئ الإسرائيلية في مجال مخزون الغاز، وفي مجال الطاقة المستقبلية التي تريدها تركيا.
أخر كلام
وأين مصر؟!
29-06-2016