أعلنت الهيئة العامة للاستثمار- الأسبوع الماضي- أنها باعت حصتها في مجموعة سيتي المصرفية "سيتي غروب" Citi Group، محققة أرباحا إجمالية بلغت 1.1 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 36.7 في المئة عائدا على رأس المال المستثمر، ولكن الهيئة لم تذكر أي تفاصيل عن كيفية تمكنها من تحقيق أرباح من استثمار في سهم استمر في الانخفاض منذ أن استثمرت فيه قبل سنتين تقريبا !والسر في تحقيق تلك الأرباح من ذلك الاستثمار، الذي انتقده عدد من الخبراء الاقتصاديين، يكمن في خطة الحكومة الأميركية لإنقاذ "سيتي غروب" من الانهيار بعد 9 أشهر من استثمار الهيئة بها، مما أدى إلى تغيير كامل للشروط الأولية لاستثمار الهيئة في "سيتي غروب".
بداية الاستثمار في يناير 2008في بداية يناير 2008، أعلنت صناديق سيادية من ضمنها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومؤسسة استثمار حكومة سنغافورة، أنها تنوي الاستثمار في "سيتي غروب"، وقبل نهاية الشهر استثمرت الكويت 3 مليارات دولار، في حين استثمرت مؤسسة استثمار حكومة سنغافورة حوالي 7 مليارات دولار في "سيتي غروب".وكان استثمار الصناديق السيادية على شكل أسهم ممتازة تدر عائدا سنويا يبلغ 7 في المئة، ويتم تحويلها بعد فترة من الزمن إلى أسهم عادية من غير أي عائد ثابت، ويكون سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية حوالي 30 دولارا، وهو سعر يعلو قليلا سعر سهم "سيتي غروب" آنذاك الذي كان 26 دولارا. ونظرا إلى الخسائر الطائلة التي حققتها "سيتي غروب" خلال العامين الماضيين، شهد سهم "سيتي غروب" انخفاضا مستمرا في سعره منذ أن استثمرت الصناديق السيادية به في يناير 2008، حيث هبط سعره إلى سعر دولار واحد في نهاية فبراير 2009، وأغلق الأسبوع الماضي على سعر أقل من 4 دولارات، أي بانخفاض يعادل 85 في المئة من يوم استثمار الصناديق السيادية به في يناير 2008.خطة الإنقاذ في أكتوبر 2008بعد إفلاس "ليمان براذرز" Lehman Brothers في سبتمبر 2008، واضطراب الأسواق المالية العالمية، اضطرت الحكومة الأميركية إلى التدخل لإنقاذ مصارفها الكبيرة وكان "سيتي غروب" أحدها. ولعظم خسائرها، جاءت خطة إنقاذ الحكومة الأميركية لـ "سيتي غروب" على عدة مراحل بدأت في أكتوبر 2008 بضخ 25 مليار دولار، ثم تبعها 20 مليار دولار آخر في نوفمبر 2008، ومثل الصناديق السيادية كان استثمار الحكومة الأميركية في "سيتي غروب" على شكل أسهم ممتازة يتم تحويلها بعد فترة من الزمن إلى أسهم عادية، ولكن بشروط أحسن من شروط استثمار الصناديق السيادية، فأسهم الحكومة الأميركية تدر عائدا سنويا يبلغ 8 في المئة، ويتم تحويلها بعد فترة من الزمن إلى أسهم عادية بسعر 3.25 دولارات، مقارنة بسعر يتراوح بين 26 و30 دولارا للصناديق السيادية.تغيير شروط استثمار الصناديق السيادية في فبراير 2009ونظرا إلى استمرار الخسائر في "سيتي غروب"، اضطرت الحكومة الأميركية في نهاية فبراير 2009 إلى أن تحول جزءا من استثمارها في الأسهم الممتازة ذات العائد الثابت والبالغ 45 مليار دولار إلى أسهم عادية من غير أي عائد، وذلك لسببين، الأول: تعزيز رأسمال "سيتي غروب" بعد أن تآكل من خسائرها الطائلة، والثاني: التخفيف عن "سيتي غروب" عبء دفع أموال نقدية كعائد على الأسهم الممتازة.وهنا تغير حظ الصناديق السيادية!حيث لم ترغب "سيتي غروب" في أن تملك الحكومة الأميركية حصة الأغلبية فيها، وتتحول المؤسسة المصرفية الخاصة إلى حكومية، وعليه سعت "سيتي غروب" إلى إقناع الصناديق السيادية بأن تحذو حذو الحكومة الأميركية، وتحول استثمارها من أسهم ممتازة إلى أسهم عادية.ولكن نظرا إلى الشروط السيئة لاستثمارها، رفـضت الصناديق السيادية ذلك، لأنها كانت ستتكبد خسائر طائلة إذا حولت أسهمها الممتازة إلى عادية بسعر بين 26 و30 دولارا في وقت كان سعر السهم دولارا واحدا، إي خسائر تفوق 95 في المئة، بالإضافة إلى أنها ستفقد العائد الثابت على استثمارها والبالغ 7 في المئة.وهنا تدخلت الحكومة الأميركية مرة أخرى وسعت مع "سيتي غروب" إلى تغيير سعر تحويل الأسهم الممتازة للصناديق السيادية من 30-26 دولارا إلى 3.25 دولارات، وعليه وافـقت كل من الكويت وسنغافورة على تحويل استثمارها من أسهم ممتازة إلى أسهم عادية، ونظرا إلى انخفاض سعر التحويل حصلت كل من الكويت وسنغافورة على أسهم عادية أكثر من التي تعاقدت عليه في يناير 2008.وعلى ما سبق أصبحت الحكومة الأميركية ممثلة في وزارة ماليتها تملك 36 في المئة من الأسهم العادية لـ "سيتي غروب"، وبلغت حصة سنغافورة حوالي 9 في المئة وحصة الكويت حوالي 4 في المئة من الأسهم العادية لـ "سيتي غروب".بيع الصناديق السيادية حصصها قبل نهاية 2009ارتفع سعر سهم "سيتي غروب" من دولار واحد، وهو القاع الذي وصل إليه في فبراير2009، إلى سعر يتراوح بين 4 و5 دولارات خلال الشهور التالية.وهكذا تمكنت الصناديق السيادية من بيع حصصها الجديدة بسعر يفوق سعر تكلفتها الجديد، والبالغ 3.25 دولارات بدلا من السعر القديم الذي تعاقدت عليه وكان يتراوح بين 26 و30 دولارا، حيث أعلنت سنغافورة في سبتمبر 2009 أنها باعت نصف حصتها وحققت ربحا يعادل 1.6 مليار دولار، وقالت إنها ستحتفظ بالنصف الآخر كاستثمار طويل الأجل.أما الكويت فقد باعت كل حصتها على عدة مراحل بأسعار تفوق سعر تكلفتها الجديد والبالغ 3.25 دولارات، وهكذا تمكنت من تحقيق ربح على استثمارها في "سيتي غروب".الحظ والحكومة الأميركية لعب الحظ دورا كبيرا في إنقاذ الصناديق السيادية من استثمارها السيئ في "سيتي غروب"، فإفلاس "ليمان براذرز" Lehman Brothers في سبتمبر 2008، واضطراب الأسواق المالية العالمية بعد ذلك، أدى إلى تدخل الحكومة الأميركية لإنقاذ مصارفها وكان "سيتي غروب" أحدها. ثم استمرار خسائر "سيتي غروب" وتآكل رأسمالها ورغبة الحكومة الأميركية في تعزير رأسمالها أدى إلى تغيير شروط استثمار الصناديق السيادية من سيئة إلى جيدة، حيث تغير سعر الشراء من 30-26 دولارا إلى سعر شراء جديد هو 3.25 دولارات، وعليه حصلت الصناديق السيادية على أسهم يفوق عددها العدد الذي تعاقدت عليه في بداية الاستثمار.وارتفاع سعر "سيتي غروب" من القاع الذي وصل إليه، وهو دولار واحد، إلى حوالي 4 دولارات، ساعد الصناديق السيادية على بيع حصصها الجديدة بربح من سعر التكلفة الجديد والبالغ 3.25 دولارات.وفي الختام، لا بد أن نشكر الحكومة الأميركية على تدخلها لإنقاذ مصارفها، ومن ثم إنقاذ استثمار الكويت في "سيتي غروب" بعد تغيير شروطه الأولية.ونتمنى أن يأتي الحظ مرة أخرى لينقذ الاستثمار الثاني الخاسر في "ميريل لينش" الذي اشتراه "بنك أوف أميركا" لينقذه هو الآخر من الإفلاس، والذي استثمرت الكويت فيه مبلغ 2 مليار دولار في يناير 2008 كذلك.مصدر المعلومات: عدة مقالات نشرت في الصحف الأجنبية: الأوروبية والأميركية والسنغافورية.
مقالات
خطة واشنطن لإنقاذ «سيتي غروب» حولت استثمار الكويت إلى الربح
13-12-2009