بعد نجاح فيلم "اللص والكلاب" راحت الصحافة النقدية ترفع شأن كمال الشناوي، وتؤكد نضج موهبته بشكل كبير، وبدأت شهرته تجتاز الحدود المصرية، حيث وصلت إلى اليابان، بالمشاركة في الفيلم المصري- الياباني المشترك "على ضفاف النيل" قصة وحوار محمد أبويوسف، وشارك في السيناريو والحوار الكاتب الياباني نوبوو ياماوا، إخراج الياباني كونا كاهير، وشاركته البطولة شادية، ومعهما حسن يوسف، محمود المليجي، صلاح نظمي، ايزومي ايشكاوا، وايشيهارا يوجيرو، إذ لم يكن مخططا لهذا الفيلم، فقد حضر إلى القاهرة مدير الإنتاج الياباني، أكير ناكاي، ممثلاً عن شركة "نيكاتسو" اليابانية بصحبة المخرج كو ناكاهيرا في سبتمبر عام 1961، وكان هدف الرحلة بحث إمكانية تصوير المشاهد الخارجية لأحد الأفلام اليابانية بالقاهرة، واختيار بطل وبطلة عربيين للمشاركة في بطولة الفيلم.ثم اتجهت البعثة اليابانية إلى "المؤسسة المصرية العامة لدعم السينما" لترشح لهم مدير إنتاج يشرف على إنتاج المناظر الخارجية التي سيتم تصويرها بالقاهرة، فاقترحت المؤسسة منير حلمي رفلة، لما يتمتع به من ثقة وأمانة في تأدية واجباته، وجرت مباحثات بين الجانبين المصري والياباني، وأبدى منير استعداد شركة والده حلمي رفلة للمشاركة في إنتاج الفيلم، ليكون أول تعاون سينمائي مشترك بين مصر واليابان.
تم تصوير مناظر الفيلم الخارجية على شاطئ النيل، وفي شوارع القاهرة ومنطقة الأهرامات وبين آثار الأقصر، وعقب الانتهاء من المشاهد الخارجية سافر فريق العمل إلى طوكيو لتصوير المشاهد الداخلية في أكبر استديوهات اليابان الذي تملكه شركة "نيكاتسو".
خارج الحدود
عاد كمال الشناوي من اليابان لينال جائزة شرف مهرجان المركز الكاثوليكي، ليحزم بعدها أمتعته مجدداً للسفر إلى بيروت، حيث طلبه المخرج نيازي مصطفى للقيام ببطولة فيلم عن حياة البادية أمام الفنانة اللبنانية سميرة توفيق، بعنوان "البدوية العاشقة" قصة بدر الدين نوفل، سيناريو وحوار بهجت قمر، وشاركهما صلاح نظمي، نجوى فؤاد، سيد المغربي، فوزي الكيالي.وصل كمال إلى بيروت، حيث وجد في انتظاره احتفالا ضخما أقامه له منتج الفيلم بحضور البطلة سميرة توفيق والمخرج نيازي مصطفى وزوجته الفنانة كوكا، وتم التعارف بين البطلين في جو يسوده الصداقة والعمل، وفي صباح اليوم التالي دارت الكاميرا لتصوير أول مشاهد الفيلم، حيث استمر التصوير أكثر من عشرة أيام، حتى كان اليوم الذي يتم فيه تصوير مشهد يلتقي فيه الحبيب بحبيبته البدوية الحسناء، وعندما التقته ابتسمت الفرحة في عينيها وعلى شفتيها، وتسرع لتلقي نفسها بين ذراعيه، وهم البطل أن يقبلها كما اتفق معه المخرج، ففوجئ بسميرة توفيق تصيح:= ستوب!- في ايه يا سميرة... عملتي ستوب ليه؟= ما في قبل- إزاي بس... حبيب بيشوف حبيبته بعد غياب وشوق لازم يكون فيه قبلة على الأقل... ما تتكلم يا أستاذ كمال* والله يا أستاذ نيازي أنا رأيي من رأي سميرة... مش بالضرورة يكون فيه قبلة... بدليل أننا لو استغنينا عنها مش ها تؤثر في سياق الفيلم- خلاص طالما شايفين كده... يبقى مافيش داعيرغم انتهاء الموقف على خير، فإن بعض من يريدون إشعال الصحف بأخبار "النميمة" قاموا باختلاق شائعات حب غير معلن بينهما، وراحوا ينشرون هذه الأخبار الكاذبة في صحف لبنانية ومصرية، حتى وصلت الشائعات إلى زيزي الدجوي، زوجة كمال الشناوي بالقاهرة، فاتصلت الزوجة بزوجها لتقف على حقيقة الأمر:= ايه يا كمال... مش كنت تبعت تاخدني أحضر فرحك* فرحي... فرح إيه يا حبيبتي؟= الصحافة والدنيا كلها هنا بتتكلم عن انك أجلت رجوعك لمصر بعد ما خلصت تصوير علشان هاتتجوز سميرة توفيق وتقضي شهر العسل في بيروتقفز كمال الشناوي من مقعده:* أنا؟! كذب وافتراء يا زيزي والله العظيم كذب... والله لسه التصوير ما خلص... وأنا اليوم اللي هاخلص فيه تصوير... هانزل مصر فوراً في نفس اليوم... ومافيش أي حاجة من الكلام ده... ده أنا حتى رفضت أن الفيلم يبقى فيه بوسة واحدة... انت عارفه يا حبيبتي أنا بحبك أد إيه ومش ممكن أعمل حاجة تسيء لك.لم تقتنع زيزي بما قاله، فقامت في اليوم التالي بإرسال برقية لابنة شقيقتها الممثلة الشابة ماجدة الخطيب، التي تقيم في بيروت منذ عام، كي تتحرى لها عن الموضوع، فقامت ماجدة بالمهمة وطمأنت خالتها بأن كمال الشناوي مظلوم ويعيش لحبها هي فقط.عاد كمال إلى القاهرة في نفس اليوم الذي انتهى فيه التصوير، وهو يتوقع أن تعقد له محاكمة منزلية عاجلة على تلك الشائعة السخيفة التي أطلقتها الصحافة الصفراء، وراح يستعد بأقوى أنواع الدفاع، ويحشد في رأسه كل الإجابات الممكنة وغير الممكنة لما يتوقعه من أسئلة، غير أنه فوجئ بما لم يتوقعه، استقبلته زوجته بأفضل ما يمكن أن تستقبل به زوجة زوجها، بعد غياب عدة أسابيع، كما لم تفاتحه في أمر تلك الشائعة، كأنها لم تحدث، ولم يكن هناك ما عكر صفو حياتهما، ما زاد من دهشة كمال، فقرر أن يفتح هو الموضوع، ففاجأه ردها:= شوف يا كمال... أنا بحبك وممكن أعمل المستحيل علشان احتفظ بحبك حتى لو كل ستات العالم حاصروك... حاجة واحدة بس تخليني استغنى عن الحب ده واسيبه لأول واحدة تخبط على باب قلبك... لو حسيت للحظة واحدة أن دي رغبتك... وانك خلاص مابقيتش عايزني في حياتك غير كده أنا ممكن أتحمل أي شيء في سبيل الاحتفاظ بحبك. استأنف كمال عمله، حيث انتهى من تصوير فيلم "خذني بعاري" قصة عزيز أرماني، سيناريو وحوار وإخراج السيد زيادة، أمام سميرة أحمد، زوزو ماضي، خيرية أحمد، سعيد خليل، غير أن الرقابة قامت بمصادرة الفيلم بعد عدة أيام فقط من عرضه، ولم يعرض الفيلم إلا بعد صدور حكم قضائي بعرضه بشرط تغيير اسمه من "خذني بعاري" إلى "اغفر لي خطيئتي"، بعده قرر كمال أن يعود مجدداً للإنتاج، فكتب قصة فيلم "زوجة ليوم واحد" وقام بإنتاجه وعهد بكتابة السيناريو والحوار إلى حسين حلمي المهندس، والإخراج للسيد زيادة، أمام ناهد شريف، نادية النقراشي، هالة شوكت، أبوبكر عزت، أمين الهنيدي.منتج فنان
قرأ كمال رواية "عريس لأختي" للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، فأعجب بها جداً، وقرر تحويلها إلى فيلم سينمائي، شارك إحسان في كتابة السيناريو والحوار له مع عبدالحميد جودة السحار، وعهد بإخراجه إلى أحمد ضياء الدين، غير أن إحسان عبدالقدوس فوجئ باختيار الشناوي للفنانة الشابة زيزي البدراوي، التي سبق أن قدمها عز الدين ذو الفقار في فيلم "بورسعيد" وأنور وجدي في فيلم "أربع بنات وضابط"، كما شاركت مع عاطف سالم في أكثر من فيلم ربما أهمها فيلم "السبع بنات"، وقدمها مخرجه المفضل حسن الإمام في أكثر من فيلم أيضا، أهمها "بين القصرين".اقتنع المخرج أحمد ضياء الدين بترشيح الشناوي، ورحب بها، غير أن إحسان عبدالقدوس ما إن علم حتى هاج وماج:= أنا مش ممكن أوافق على الترشيح ده * يا أستاذ إحسان أنا شايف ان دي أحسن واحدة ممكن تعمل الدور. اتأمل كده في وشها... في ملامحها الإسبانية... عينيها الطيبين وتعبير وشها اللي يوحي بالانكسار = إسبانية ايه وانكسار ايه يا أستاذ.. أنا اللي كاتب الشخصية دي علشان تعملها سناء جميل.. دي أحسن واحدة تعمل الدور * سناء جميل على عيني وراسي... بس زيزي هاتعمل الدور زي ما أنا شايفه= يا أستاذ أنا المؤلف وأنا اللي أشوف* وأنا البطل والمنتج... والمتحمل أي نتيجة وشايف ان دي أصلح واحدة، بتعبيرات وشها تقدر هاتعمل الدور بشكل مذهل= أنت ها تسيء للرواية ولاسمي بفشل الفيلم ده* لو في إساءة ها تكون ليا قبل ما تكون لك= أنا هأعلن تبرئي من الفيلم ده بمجرد عرضه* اعمل اللي يرضيك يا أستاذ إحسان.انتهى تصوير الفيلم كما أراد كمال بمشاركة زيزي البدراوي، وفي ليلة العرض الأول، حرص إحسان عبدالقدوس على الحضور، حتى يرى فيلمه الفاشل، ويتبرأ أمام الجميع منه، وفي ظلام دار العرض، بدأ ينتبه شيئا فشيئا لأداء زيزي البدراوي، وتسيطر عليه الدهشة لحظة بعد لحظة، حيث فاجأه أداء زيزي المدهش، لذا حرص إحسان على أن ينصرف من دار العرض قبل انتهاء الفيلم بلحظات، وقبل أن تضاء الأنوار ويقف في موقف محرج أمام كمال الشناوي وبقية أبطال الفيلم، ما جعل كمال يبتسم وهو يتابعه بنظراته، وهو يتسلل خارجا من دار العرض في الظلام، وظن أنه يهرب من مواجهته حتى لا يعترف بخطئه، غير أنه فوجئ بعد يومين بإحسان عبدالقدوس يكتب في مجلة "روزاليوسف":"لقد ظلمت كمال الشناوي حينما اعترضت بشدة على إسناده الدور إلى الفنانة الشابة زيزي البدراوي، لكن الإنسان يخطئ أحيانا... وهذا ما أدركته عندما شاهدتها في فيلم "عريس لأختي" وأدهشتني بأدائها أكثر كثيرا مما تحدث عنها كمال الشناوي".طار كمال الشناوي فرحا بالكلمات التي كتبها إحسان عبدالقدوس، وزاد من سعادته النجاح الساحق الذي حققه الفيلم، فضلا عن فوز زيزي البدراوي بجائزة "أفضل ممثلة دور ثان" في مهرجان "المركز الكاثوليكي" عام 1963، وهو نفس العام الذي شهد تجربة سينمائية خصبة ومهمة، وهي تجربة "القطاع العام السينمائي في مصر" حيث تكون القطاع العام السينمائي من عدة شركات، كل يكمل الآخر، وهي "الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي العربي "فيلمنتاج"، الشركة المصرية العامة للأستوديوهات، الشركة المصرية العامة للتوزيع، الشركة المصرية العامة لدور العرض، شركة "كوبرا فيلم"، وهي شركة مختصة بالإنتاج المشترك بين مصر والبلدان الأجنبية، إلا أن شركة "فيلمنتاج" كانت هي الواجهة، وكان يطلق عليها بالخطأ اسم "المؤسسة"، بينما لا تمثل هذه الشركة إلا فرعاً واحداً منها، غير أنها كانت تقوم بإدارة الإنتاج، ولابد أن يمر عبرها جميع مراحل صناعة الفيلم، من إنتاج وتوزيع وعرض.عاد كمال يقبل ما يعرض عليه من أعمال، حتى لا يضطر لانتظار عمل من إنتاجه، فقدم فيلمي "سر الهاربة" قصة حسن رشاد، سيناريو وحوار فايق إسماعيل، إخراج حسام الدين مصطفى، أمام شكري سرحان، سعاد حسني، ونجاح سلام، محمود المليجي، و"الشيطان الصغير" قصة وحوار صبري عزت، سيناريو وإخراج كمال الشيخ، أمام حسن يوسف، صلاح منصور، وأحمد خميس، وآمال شريف.أثناء تصوير فيلم "الشيطان الصغير" لاحظ كمال أثناء نظره في المرآة وجود "حسنة" بدأت تنمو إلى جوار أنفه، لم تلفت انتباهه في البداية، غير أنه بدأ ينتبه إليها عندما لاحظ أنها تكبر يوما بعد يوم، وبدأ من حوله يلاحظونها، ويعلقون عليها، حيث أكد البعض أنها "ظريفة" وجددت في شكله، وهو ما استحسنه كمال، غير أن ما أغضبه هو ظن البعض أنه وراء صنعها بعملية جراحية حتى ينافس "الحسنة" الموجودة في وجه عمر الشريف في نفس المكان، غير أنه قرر أن يتركها، لولا أنه التقى مصادفة بأحد الجراحين، الذي أكد له أنها يمكن أن تكون ورما خبيثا، ما أصاب كمال بالرعب، فقرر بناء على نصيحة الطبيب أن يجري بعض الفحوصات والتحاليل قبل استئصالها. ظل كمال الشناوي مترددا خوفا من أن تظهر التحاليل ما يخشاه، وفيما هو جالس يفكر في أمرها، ويقوم بحكها بظفره إذا بها تسقط وينزف مكانها بعض الدماء البسيطة، فجرى إلى زوجته وهو يضحك:* زيزي... شوفتي= إيه ده... إيه الدم ده* الحسنة وقعت لوحدها= معقول* أيوا يظهر من كتر حسناتي... ربنا أراد يطمني أنها بسيطة لدرجة أنها وقعت لوحدها ومن غير ألم= الحمد لله... يظهر حسناتك كتير فعلامخرج بالمصادفة
دون ترتيب مسبق، ساقت الأقدار المخرج الإيطالي "ماريو كاستا" لمقابلة كمال الشناوي، خلال زيارته الأول للقاهرة لتصوير بعض مشاهد فيلمه الجديد في مصر، حيث طرأت عليه فكرة أن يقدم نسخة بممثلين مصريين، ومن خلال نسخة سيناريو اقترح أن يكتبها الفنان عبدالوارث عسر، وقدم عبدالوارث عسر الفنان كمال الشناوي للقيام بدور البطولة في الفيلم، غير أنه بعد حوار طويل، اكتشف خلاله ماريو كاستا ثقافة كمال السينمائية الواسعة، فاقترح عليه أن يقوم هو بإخراج النسخة العربية من الفيلم الذي كتبه بالإيطالية نينو ستريسا، بعنوان "ابن الشيخ" ودهش كمال الشناوي من هذا الطلب، لكن كمال اعتذر بلطف، لأنه لم يخض تجربة الإخراج من قبل، فعرض عليه أن يقوم ببطولة النسخة العربية، غير أنه اعتذر أيضا، لأنه سبق أن رشح زميله الفنان فريد شوقي، على اعتبار أن كمال سيقوم بالإخراج، ونفذت النسخة العربية من الفيلم باسم "كريم ابن الشيخ" والتي كتبها عبدالوارث عسر، ولعب بطولته فريد شوقي، مريم فخر الدين، لولا صدقي، محمد سلطان، ونظيم شعراوي.بعد عرض الفيلم الإيطالي على كمال الشناوي، لمعت في رأسه فكرة أن يقوم بإنتاج فيلم تاريخي، وهو ما فاتح فيه صديقه حسين حلمي المهندس، فقدم له قصة كتبها إسلام فارس اسمها "تنابلة السلطان"، نالت إعجابه، فعهد إلى حسين حلمي المهندس بكتابة السيناريو والحوار، وأسند إخراجها إلى إبراهيم عمارة.كان مفترضا أن يكون الفيلم كوميديا، غير أن كمال أراد له فيلما تاريخيا كلاسيكيا، وطلب من حسين حلمي المهندس تعديل السيناريو وفقاً لرؤيته، وهو ما قام به بالفعل، وقبل بدء التصوير مرض المخرج إبراهيم عمارة مرضا شديدا، وكان كمال قد قام بالفعل ببناء الديكورات والانتهاء من كل التجهيزات، وأي تأخير في بدء التصوير سيكبده خسائر فادحة، ففكر أن يسند الإخراج إلى نيازي مصطفى، باعتباره سبق له أن قدم العديد من هذه النوعية من الأفلام، غير أنه قبل أن يطلب نيازي، فاجأه حسين حلمي المهندس:= ما تخرجه انت* أنا.. انت بتقول ايه؟ انت هاتعمل زي المخرج الإيطالي اللي كان عايزني أخرج ابن الشيخ= طب الحمد لله ده مش رأيي لوحدي... ده كمان رأي مخرج عالمي كبير* أيوا بس الموضوع مش سهل... وأول ما أخرج أخرج فيلم تاريخي= مش هاتفرق... بالعكس هاتبدأ بالصعب وهايحسب لك * دي مغامرة مجنونة... ولو فشلت مش بس هاخسر فلوسي... لا هاخسر كمان...= مش هاتخسر غير شوية فلوس... ومش هاتخرج تاني... لكن هايفضل اسم كمال الشناوي الممثل زي ماهوانتهى كمال الشناوي من تصوير الفيلم الذي لعب بطولته أيضا، أمام مها صبري، وناهد شريف، عبدالمنعم إبراهيم، عدلي كاسب، زوزو نبيل، ونجوى فؤاد، وما إن طرح في دور العرض، فوجئ كمال بجمهور حفل الساعة العاشرة صباحا في سينما "قصر النيل" في معظمه من الأطفال الذين جاءوا ليضحكوا، إلا أن الفيلم كان عكس ذلك وتضمن مشاهد تعذيب وثورة وأجواء تاريخية، ففشل الفيلم فشلا كبيرا، غير أن أهم ما خرج به كمال من التجربة هو شهادة عدد كبير من كبار المخرجين مثل حسن الإمام وكمال الشيخ وصلاح أبوسيف، والذين أكدوا له أن لديه عينا حساسة كمخرج وله قدرة كبيرة على ضبط إيقاع الصورة وأداء الممثلين، ورغم أنه نجح في استيعاب تفاصيل الإخراج ومفرداته من تصوير وإضاءة وتكوين الكادر وأداء الممثلين والإيقاع العام، فإنه لم يصبح مخرجا له مذاق متميز أو خاص، غير أنه استحق التكريم حيث منحه الزعيم جمال عبدالناصر "وسام الجمهورية" في عيد العلم 1964، فكان هذا أهم من أية أرباح كان يمكن أن يحققها الفيلم.بعد التكريم ومنحه وسام الجمهورية، شعر كمال الشناوي بمسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه، فلم ينل هذا الوسام سوى عدد قليل جداً من الفنانين، استحقوه على تاريخهم وفنهم الرفيع، لذا قرر أن يدقق بشكل كبير في كل اختياراته الفنية، وهو ما جعله يعود مجدداً لتقديم أعمال عن أصل أدبي، فاختار من بين ما عرض عليه فيلم "المستحيل" المأخوذ عن قصة الكاتب مصطفى محمود، سيناريو وحوار يوسف فرنسيس، وهو دراما سيكولوجية تعالج الملل والروتين في حياة موظف يعاني ضعف شخصيته، أمام نادية لطفي، صلاح منصور، سناء جميل، وملك الجمل، ورغم أن المخرج حسين كمال، يقدم أول أفلامه الروائية الطويلة، فإنه لم يخش التعامل معه، بل منحه فرصة تقديم نفسه بشكل جيد، لإحساسه أن هذا دور الفنان الكبير تجاه الوجوه الجديدة، سواء في التمثيل أو التأليف، وكذلك الإخراج، مثلما سبق أن منح الفرصة لغيره من المخرجين الذين وقفوا خلف الكاميرا للمرة الأولى مثل كمال عطية في "حبايبي كتير" عام 1950، ويوسف معلوف في "الهوا سوا" عام 1951، وحسام الدين مصطفى في "كفاية يا عين" عام 1950، وطلبة رضوان في "غراميات امرأة" في عام 1960. البقية الحلقة المقبلة