لأستاذي مع التحية!

نشر في 30-06-2016
آخر تحديث 30-06-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري يفاجئني هذا "النجار" بين حين وآخر ببناء شرفة لي فوق منصة من الغيم مطلة على أجمل ما مضى من سنين العمر، أو يهدي إليّ فجأة في غفلة من لهاث الوقت وركض الحياة كرسيّا هزازاً حشوته من حرير قلبه الجميل، إنه الإعلامي المخضرم والقلب المحصّن باللطف والوفاء عبدالرحمن النجار، سجلٌّ طويل من السيرة الإعلامية العطرة عبر الشاشة الفضيّة قبل أن تتلون وبعد أن كساها قوس قزح، والصحافة المقروءة الكويتية، ولا يخلو هذا السفر مع الكلمة من كتابة الشعر باللهجة المحكيّة، ولعله من أوائل من كتبوا شعراً مختلفاً عن المألوف من جيل نايف المخيمر وفايق عبدالجليل وربما قبلهما حتى وإن تأخر عنهما في توثيق تجربته تلك عبر إصدار ديوانه الوحيد "أحلى الكلام" أو ربما حمل عنواناً قريباً من ذلك.

عرفت "أبو فهد" عن قرب في فترة ماضية ضمن حلقة من بهاء كانت تضم أسماء رائعة أضافت لشغبي الكثير من الجمال ولنزقي الكثير من التهذيب ولأسئلتي الكثير من العمق أمثال المخرج والمصور المبدع والإعلامي الأستاذ عبدالله المحيلان، والإعلامي والكاتب القدير صالح الشايجي، والمجنون "الذي يعي" صلاح الساير، وكان الشاعر سليمان الفليح أحد أجمل الصعاليك المعاصرين، رحمه الله، هو المفتاح لدخولي عالم هذه الأسماء التي كانت تُكتب وقتها "بالنيون"، وكنت أنا وكثير غيري نعرف أولئك الأشخاص فقط من وراء "فاترينة" الإعلام المضاءة، وكنا نتوهّم أننا نرى جملة مكتوبة على تلك الفاترينة "ممنوع الاقتراب"!

كل اسم من هذه الأسماء (المحيلان، الشايجي، النجار، الساير) مدرسة مكثّفة وثرية بالحياة والجمال تعلّمت في رحابها الكثير، على أن كل مدرسة من هذه المدارس لها أسلوبها وجمالها الخاصان اللذان لا يشبهان المدارس الأخرى، ومما زاد ثراءَ ما نهلته من هذه المدارس أنني كنت ألتقيها كلها في مكان واحد: شقة المحيلان، حيث كنا نلتقي هناك تقريباً كل مساء باستثناء "أبو صلوح".

لكل اسم من تلك الأسماء شخصية وسِمَة و"كاريزما" تختلف عن الآخر إلا أنها متناغمة معاً بشكل يجبرك على الإصغاء والاستمتاع "بهارموني" الألفة بينهم.

هناك توطدّت علاقتي بعبدالرحمن النجار واشتركنا معا بعد ذلك في دوائر أصدقاء آخرين غير الذين ذكرت، وكان دائما "أبو فهد" تلك الشخصية اللطيفة الهادئة التي يهيأ لك أنها قادرة على أن تعْبُر حقل ألغام بسلام محصنة بابتسامة لا تفارق شفتيه، إلا أن الآسر فيه بخلاف ما ذكرت بساطته التلقائية ووفاؤه لأصدقائه حتى وإن تباعد الوصل بينه وبينهم، يبعث برسالة نصية للذين يحتفظ هاتفه بأرقام هواتفهم، أو يسأل أصدقاء مشتركين عن أرقام هواتف الذين فقد التواصل معهم لسبب أو لآخر، يفاجئني أحياناً بعد غياب بتعليق لطيف على قصيدة ما لي أو مقال فقط ليشعرني بأنه بالقرب، وأن المسافات "الزمكانية" لا تؤثر على مشاعره، تحمد لعبدالرحمن قدرته الرائعة على احتفاظه بمشاعر المحبة لأصدقائه طازجة وساخنة كما هي قبل أن تتشعب بهم الطرق وتأخذهم الدروب في مختلف الاتجاهات، وكأي إنسان طبيعي آخر يتغير "أبو فهد" مع متغيرات الحياة وظروفها، شيئان فقط لا يتغيران فيه: تلك الروح المحصنة بالابتسامة، وتمترسه خلف درع الوفاء.

back to top