القدس... والإمام الخميني
نعيش هذه الأيام وفي رحاب العشر الأواخر من الشهر الفضيل ذكرى يوم القدس العالمي، الذي أعلنه الإمام الخميني الراحل في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.إن استشراف معالم رؤية الإمام الخميني، رحمه الله، لقضية فلسطين وسبل مواجهة العدوان الصهيوني تدل على إيمانه بقدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة الاحتلال ونزعته التوسعية، كما أنه رحمه الله يؤكد أن نبذ الاختلافات ورص الصفوف هو السبيل لإنقاذ فلسطين من تسلط ثلة من الصهاينة حيث قال: لو اجتمع المسلمون وصب كل واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل لجرفها السيل، مصرحاً بأنه ينبغي إحياء يوم القدس بين المسلمين، اليوم الذي يتزامن مع ليلة القدر، ليكون منطلقاً لهم على طريق الوعي واليقظة.لقد عاشت قضية القدس في فكر الإمام وقلبه، وكانت معه في محطات حياته كلها، وينادي بإحيائها كأولی القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فإنه رحمه الله كان أول مرجع وزعيم ديني أجاز تقديم الدعم المالي للجهاد الفلسطيني من الحقوق الشرعية والزكوات، وأعلنها في فتواه بتاريخ الثالث من جمادى الثاني سنة 1388، كما أنه وبعد جريمة إحراق المسجد الأقصى أكد ضرورة إبقاء آثار العدوان الإسرائيلي ليكون سبباً في تشجيع المسلمين على القيام بوجه الكيان الغاصب.
إن إسقاط الشاه وإقامة النظام الإسلامي في إيران مثّل أول ضربة قاصمة شكلت تهديداً حقيقياً للأهداف التوسعية الصهيونية، حيث كان الشاه يقدم المساعدات السخية لنظام تل أبيب، وحينما اندلعت الحرب بين إسرائيل والدول العربية استمر الشاه في تزويدها بما تحتاجه من النفط، وهذا ما ضاعف من سخط الإمام وشعبه ضد الشاه.وأعطى الإمام الراحل الكثير من سنين عمره لقضية فلسطين، وأول خطوة اتخذها بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيعاز برفع العلم الفلسطيني مكان العلم الإسرائيلي، وتسليم الفلسطينيين سفارة إسرائيل في طهران، لتكون إيران الدولة الأولى التي تمنح سفارة للشعب الفلسطيني.لقد نجح الإمام الراحل بإعلانه الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في إخراج القدس من نطاق محلي فلسطيني ضيق ليوسع الدائرة إلى قضية عربية وإسلامية بل إلى قضية عالمية وإنسانية تهم كل المستضعفين والأحرار والطامحين لكبح جماح الهيمنة والعدوان والقهر، فهي ليست قضية مرحلية آنية محدودة بقسم صغير من العالم الإسلامي، وتختص بجيل دون آخر، بل هي قضية جميع الأجيال، فهي قضية المسلمين الأولى على طول التاريخ والأجيال.ولابد هنا من الإشادة بدعم الكويت لقضية فلسطين، والتي عرفناها كالمبدأ الثابت والأساسي في سياسة الكويت الخارجية، وساندت الحق الفلسطيني على جميع الصعد في المحافل الإقليمية والدولية.إن فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصی نجحت في توحيد الأمة، وإن علماء الدين المسلمين بوعيهم ونظرتهم الثاقبة نجحوا في إحباط مؤامرات الأعداء في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية لتكون قضية فلسطين، قضية كل المسلمين، يضحي من أجلها المسلمون دون تمييز، ولتبقى القدس مفتاح وحدة العالم الإسلامي.