استثماراتنا في بريطانيا عالية الجودة... معلومة تحتاج إلى تدقيق
● الانسحاب من أوروبا رفع مخاطر أسواق الأسهم والعقار والسندات
● صفقة «أريفا» أثارت الشكوك حول القواعد المهنية الخاصة بالدخول في الصفقات الكبرى
بيان مجلس الوزراء لم يعطِ معلومات تفصيلية عن وضع الاستثمارات الكويتية في بريطانيا بعد الانسحاب من أوروبا، مع أن الوجود الكويتي هناك مضى عليه أكثر من 60 عاماً، وبالتالي فإن احتمالات التعرض للآثار السلبية للانسحاب أكبر من أي دولة أخرى في الإقليم.
على الرغم من الهزة التي أحدثها التصويت البريطاني، بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في أسواق المال والسلع العالمية، وما مثَّله من إشارات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد العالمي، فإن بيان مجلس الوزراء الكويتي بشأن تداعيات هذا الانسحاب على الأوضاع المحلية جاء عاماً بلا تفاصيل، ومقتضباً دون شرح، ومتناقضاً في بعض أفكاره، فضلاً عن كونه لا يتناسب مع حجم التواجد الاستثماري الكويتي في بريطانيا، والذي يمتد إلى أكثر من 60 عاماً.فالجزم، وفق ما ورد بالبيان على لسان وزير المالية، بأن: «الاستثمارات الكويتية في بريطانيا تعتبر أصولاً ملموسة، تتمثل في العقار والبنى التحتية والسندات الحكومية والأسهم، ما يعد استثمارات عالية الجودة وطويلة الأجل»، بحاجة إلى تفنيد وتدقيق، خصوصا أن أعلى المخاطر في بريطانيا التي أفرزتها نتائج الانسحاب تتعلق بأسواق الأسهم والعقار والسندات، فضلاً عن أن تصنيفها بـ «عالية الجودة» يحتاج إلى تصنيفات معلنة من مؤسسات مالية معتمدة ومعروفة بناءً على أرقام ومعلومات متاحة للجميع، وهو أمر تفتقر إليه استثمارات الصندوق السيادي الكويتي «احتياطي الأجيال»، وبالتالي من الصعوبة الحديث عن مستوى جودة لاستثمارات غير معلنة قواعد تصنيفها أو تقييمها.
ذكريات أليمة
الحديث عن جودة الاستثمارات العالية لا يعيد فقط إلى الأذهان ذكريات أليمة لصندوق الكويت السيادي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حدث من تجاوزات وعمولات تتعلق بصفقات شركتي سنتافي وتوراس إنما يمتد إلى ما أعلنته الصحافة العالمية قبل نحو أسبوعين بشأن خسارة الهيئة العامة للاستثمار الكويتية لقيمة تصل إلى 90 في المئة من أصل استثمارها في مجموعة أريفا للطاقة النووية الفرنسية، بعد أن دفعت 676 مليون دولار، مقابل شراء 4.8 في المئة من رأسمال «أريفا» في 2010.والعلة أن الخسارة في «أريفا» لم تأتِ بسبب ظروف السوق، أو زيادة المحاذير بشأن الاستثمارات النووية عالمياً، إنما لأن الاستثمار، وفق ما ذكرت صحيفة «لا ليتر دو ليكسبانسيون»، جاء بناءً على بيانات محاسبية غير صحيحة للشركة، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه الهيئة العامة للاستثمار، وبالتالي يثير مزيداً من الشكوك حول القواعد المهنية الخاصة بالدخول في الصفقات الكبرى، ويقلل من الاندفاع في وصف الاستثمارات الكويتية بأنها عالية الجودة!أضرار غير مباشرة
حصر بيان مجلس الوزراء أزمة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا وحدها رغم أن الأزمة تشمل العالم بشكل مباشر وغير مباشر، وبما أن الانسحاب سيعمل على تراجع معدلات النمو الأوروبي وضعف اقتصادها وتزداد المخاوف بشأن انكماش الاستهلاك والاستثمار والطلب، وبالتالي فإن الاستثمارات الكويتية مثلاً في فرنسا وألمانيا وغيرهما معرضة لمخاطر الانسحاب البريطاني من أوروبا، فضلاً عن أن الحديث عن تباطؤ الاقتصاد العالمي سينسحب حتى على الطلب على أسعار النفط، وبالتالي الإيرادات العامة للدولة.لذلك، فالقول إن التأثير الذي سينعكس على الكويت كما ورد في البيان له «آثار مباشرة لا يمكن استبعادها خلال الفترة الحالية، تتمثل في سعر صرف الجنيه الإسترليني واليورو وأسعار الفائدة» هو جزء من الحقيقة، وليس كلها، فعندما تتفق مؤسسات التصنيف في العالم على خفض تصنيف بريطانيا في أسبوع واحد، فإن ذلك يشير إلى توقعات سلبية على المديين المتوسط والطويل ينعكس بشكل أكبر على التواجد الاستثماري الكويتي، الذي لا يعرف حجمه على وجه التحديد، لضعف معايير الشفافية لدى الهيئة العامة للاستثمار.شفافية مفقودة
ففي الوقت الذي تعرض فيه صناديق سيادية عالمية، كالنرويج وسنغافورة، استثماراتهما الفصلية والسنوية وبياناتهما المدققة على شكل إعلان مدفوع الثمن في الصحف الاقتصادية العالمية إلى جانب شبكة الإنترنت نجد حكومة الكويت تقدم معلومات الصندوق السيادي غير الأساسية في جلسة سرية بمجلس الأمة تعرف باسم «جلسة مناقشة الحالة المالية للدولة»، وما يمكن أن يتسرب من هذه الجلسة إلى الإعلام لا يتعدى معلومات نهائية عن حجم الأصول التي يديرها الصندوق وصافي الموجودات ومعلومات أخرى غير تفصيلية.بل إن مؤشر «لينابورغ ماديول»، الذي يقيس درجة شفافية الصناديق السيادية والاستثمارية المملوكة للحكومات في العالم أعطى صندوق الكويت السيادي 6 نقاط، من أصل 10، في حين ان المطلوب على الأقل 8 نقاط، للحديث عن مستوى شفافية مقبول عالمياً.خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس مجرد حدث عابر أو أزمة طارئة، فهذا الحدث سيظل عنصراً ضاغطاً على الاقتصاد العالمي لفترة لا تقل عن 5 سنوات، فبريطانيا تعد اليوم ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، وأكبر مركز مالي في العالم، ولها من الارتباطات التجارية مع العديد من الدول والمنظمات الكبرى ما يؤثر في حركة نمو الاقتصاد العالمي ويجعله تحت الضغط، ما سيؤثر أكثر في حجم الطلب، وبالتالي أسواق الأسهم والسلع، وهما يعنيان الكويت، لارتباطهما بالاستثمارات والنفط.
تباطؤ الاقتصاد العالمي سينسحب على الطلب على أسعار النفط والإيرادات العامة للدولة