عاش عماد حمدي مع زوجته الفنانة شادية أيام سعادة وعسل، لم تنقطع في الأسابيع الأولى من الزواج، فرغم الفارق العمري تغلب الحب على أي صعاب وتعليقات غير مناسبة، وكانت شادية تردد أن الشباب في القلب ولا يقاس بالعمر، فينشرح صدر عماد حمدي ويشعر بأنه لا يزال شاباً.

على عكس طبيعة زوجته الأولى فتحية شريف التي تركت الفن وتفرغت لحياتهما الزوجية، كانت شادية في قمة مجدها الفني وفي صدارة الفنانات المصريات من ناحية الإيرادات، والمطلب رقم واحد للمنتجين، لذا لم يحاول حمدي إقناعها بالاعتزال، لا سيما أن تجربته السابقة أكدت له أن وجود الزوجة في المنزل سيؤدي إلى تسرب الملل إلى الحياة الزوجية، فقرر دعم شادية فنياً بكل ما يملك، بالخبرة التي اكتسبها لسنوات طويلة كمنتج وممثل، ومساندتها في اختيار نوعية الأفلام التي تناسبها، كي لا تقع أسيرة أدوار محددة، تخضع لحسابات المنتجين والمخرجين، الذين يستغلون نجاح الممثل لحبسه في أدوار معينة فيكرر نفسه حتى يمله الجمهور.

Ad

اعتبرت شادية زوجها مستشارها الفني، فثقتها في رأيه وقدرته على إدارة الأمور بشكل جيد في حياتهما اليومية دفعاها إلى الرجوع إليه في كل عمل فني يعرض لها، تسأله رأيه ونصائحه. وكان بمثابة المستشار الأمين الذي يهديها لما فيه مصلحتها، فيجعلها تشارك في الأعمال الجيدة وتعتذر عن الأعمال الأقل في المستوى. وتعددت التجارب الفاشلة التي اعتذرت عنها شادية، بفضل نصائح حمدي القائمة على عوامل إنتاجية وفنية، فتعلمت منه القدرة على حسن الاختيار، والحكم على الأعمال في سياقها العام، وليس بمنظور ضيق في الدور الذي ستقدمه فحسب.

وجد عماد حمدي في زوجته مواهب فنية لم تكتشف بعد رغم نجاحها في البطولة النسائية أمام نجوم الشباك، فخبرته التي اكتسبها في المجال الفني على مدار أكثر من عقد في أستوديو مصر، أراد تسخيرها مع زوجته في أفلام جديدة، ينتجها من الأموال التي اكتسبها بعمله الفني، وكانت وجهة نظره مرتبطة بأن موهبتها يجب أن تخرج إلى الشاشة وإلى جمهورها الذي عشق فنها وأحبها حتى الثمالة. أما نظرته إلى الإنتاج السينمائي فكانت رغبة حقيقية منه في أن ينفذ أفلاماً هادفة، لم يرد منها أكثر من تغطية نفقاتها، لتبقى خالدة في ذاكرة السينما. وكان حمدي وشادية الثنائي الفني الأكثر نجاحا في الخمسينيات، الثنائي الذهبي على مستوى النجاح الجماهيري.

لم يتعجل عماد الخطوة بعد الزواج مباشرة، فلم يرغب في الاجتماع بشادية في أفلام جديدة، لذلك قدم أفلاماً رسخت مكانته، فيما صعدت شادية إلى القمة منفردة في البطولة النسائية، فقد حلت لدى المنتجين بديلة لليلى مراد ونور الهدى بعد اعتزالهما، ولم تكن ثمة بطلات للأفلام الغنائية في تلك الفترة فكانت شادية وصباح من أهم الممثلات اللواتي يقدمن أدواراً شاملة.

أما حمدي فقدم أفلاماً مع بطلات أخريات، {حياة أو موت} مع مديحة يسري في دور زوجة تترك منزل زوجها بسبب خلافاتهما، وتذهب إلى منزل والدتها لكنها تعود لإنقاذه بعدما تشاهد إعلاناً للبحث عنه لإنقاذه من الموت، بعدما أخطأ الطبيب في تصنيع الدواء الخاص به. تعتبر مديحة يسري إحدى أكثر الفنانات مشاركة لعماد حمدي في أعماله السينمائية وأكثرهن نجاحاً معه، وغني عن البيان نجاح الفيلم الذي يعد من كلاسيكيات السينما المصرية، بعباراته المحفورة في الذاكرة.

شاطئ الذكريات

بذل عماد حمدي مجهوداً في العثور على قصة تكون أولى خطواته في الإنتاج، تناسبه وتناسب زوجته شادية، حتى عثر على {شاطئ الذكريات} لدى صديقه المخرج عز الدين ذو الفقار، وبدأ إنتاج العمل الذي شكل نقطة تحول في مسيرته ومسيرة شادية أيضاً، بينما لم يتوان في تصدّر اسم زوجته الشريط السينمائي الذي ينتجه، فهي البطلة الحقيقة رغم مساحة دوره الكبيرة.

جسد عماد في الفيلم شخصية جابر، الأخ الأكبر الذي يقرر الزواج من الفتاة التي غرر بها شقيقه، وأنجبت منه طفلاً، لثقته بها وبأخلاقها ومعرفته طبيعة العلاقة التي جمعتها مع شقيقه وحتى لا يخرج ابن شقيقه بلا أب بعدما سافر وتركها وهي حامل، فيعيش معها من دون أن يقترب منها، ويقوم بواجبات الزوج والأب التي لم يقم بها شقيقه، بينما تتمنى شادية التي جسدت شخصية الفتاة المغرر بها، أن يكون الطفل ابن جابر لا ابن شقيقه الذي لم يتحمل المسؤولية ولم يقدر تضحيات شقيقه.

لم يكن مشهد حديث شادية مع عماد حمدي في الفيلم، حول رغبتها في أن يكون الطفل ابنه إلا رغبة حقيقية لديها بأن تكون أما، وقد نقلتها إلى زوجها في حديث لاحق، لكنه لم يتحمس لأن لديه ابناً من زوجته الأولى، بينما كانت شادية تشتاق إ؟لى الأمومة التي جسدتها في أفلامها ولم تحققها على أرض الواقع، لاتفاقهما في بداية زواجهما على تأجيل هذه الخطوة، بناء على طلب زوجها. وفعلاُ، بعد أشهر قليلة أخبرته أنها حامل في شهرها الثاني.

تزامن الحمل مع النجاح المدوي لفيلم {شاطئ الذكريات} جماهيرياً، وحقق عماد حمدي أرباحاً، فتيقّن بأن موهبة شادية لم تخرج كاملة إلى جمهورها، إلا أن ظروفها الصحية في الحمل أوقفت مشاريعها السينمائية اضطرارياً. لكن سرعان ما انتهى حملها بسبب ضعف صحتها، وأجهض جنينها بعد معاناة مرضية، شعر عماد أنه كاد يفقد زوجته وحب حياته.

عاشت شادية فترة حزن واكتئاب بعد إجهاضها فهي لم تتمكن من سماع كلمة {ماما}، ولم تنجح محاولات عماد حمدي في إخراجها من هذه الحالة بسهولة، فقررت الانهماك في العمل، وعادت إلى البلاتوه لتصوير مشاهدها في فيلم {لحن الوفاء} مع عبد الحليم حافظ.

غيرة

استغل عماد حمدي خروج زوجته من حالة الاكتئاب، وكرّر تجربة الإنتاج لها في فيلم {ليلة من عمري}، مع المخرج عاطف سالم، فحقق نجاحاً كبيراً، وكانت سعادة حمدي بنجاحه ونجاح زوجته. لكن، في الوقت نفسه، زادت غيرته عليها، فهو لم ينس الفارق العمري بينهما، وبدأ يتضايق من إشاعات كانت تنشرها الصحافة حول توتّر علاقتهما مع كل نجاح تحققه شادية في عمل جديد بعيداً عن عماد حمدي، حتى بلغ التوتر ذروته خلال تصويرها فيلم {ودعت حبك} مع فريد الأطرش، الذي قيل إنه يحب شادية من كل قلبه.

لم يكن نجاح الزوجين فنياً يسير جنباً إلى جنب مع تطور علاقتهما الزوجية، التي تراجعت حرارة الحب فيها بشكل ملحوظ، ليس لانشغال كل منهما بالعمل، سواء في أفلامهما المشتركة أو الأفلام التي قدماها خلال تلك الفترة، لكن لأن الحب وجلسات الود التي كانت تجمعهما تراجعت، لانشغال شادية بالتنقل بين البلاتوهات، وازدادت غيرة زوجها عليها، لا سيما مع انفجار نجوميتها وزيادة معجبيها وعدم توقف هاتف المنزل عن الرنين للسؤال عنها والحديث معها. حتى لو كان حمدي يتفهّم هذه الأمور بحكم طبيعة عمله، لكنها ضايقته كرجل شرقي يشعر بالغيرة على زوجته.

تحوّل المنزل إلى مكان يلجأ إليه الزوجان للنوم فحسب، كل منهما منهمك في عمله، لا يلتقيان إلا لأوقات محدودة، فكان عماد يرى شادية دقائق قليلة يومياً، وأحياناً ينام قبل أن تعود لانشغالها بالتصوير حتى وقت متأخر من الليل، فهي كانت لا تتوقف تقريباً عن العمل، وكانت أفلامها الأكثر نجاحاً بين نجمات جيلها، ويتهافت المنتجون عليها للتعاقد معها.

بعد عامين على ارتباطهما، بدأ الحب ينضب في وقت تفاقمت المشكلات بينهما، لكنها ظلت غير معلنة ومؤجلة حتى أشعار آخر، ففي كل مرة كان عماد وشادية يتغاضيان عن نقاط الخلاف، ويتجنبان إثارة المشكلات في أحاديثهما التي أصبحت محدودة بشكل كبير على أمل تجاوز العقبات واستعادة لهيب الحب الذي جمعهما في قطار الرحمة.

لكن العلاقة تحوّلت بينهما إلى ما يشبه البركان الخامل الذي ينتظر لحظة الانفجار ويغرق المحيطين به، وجاءت اللحظة فعلاً بعد نحو عام من الصراعات والأزمات المكتومة، عندما أبلغ عماد حمدي شادية أنه سيصل إلى السويس ليمضي معها الأيام الأخيرة من تصوير فيلمها {ودعت حبك} بعدما انتهى من ارتباطاته في القاهرة.

طلب حمدي من زوجته أن تنتظره على محطة القطار بالسويس، حتى يتوجه معها إلى الفندق، فهو يرغب بأن تكون أول وجه يراه فور وصوله، ولم يكن التقاها منذ أكثر من أسبوع. وفعلاً، ذهبت شادية إلى المحطة وانتظرته لكن القطار تأخر، ولم تعلن المحطة موعد وصوله لتعطله في الطريق.

عادت شادية إلى الفندق تنتظر زوجها هناك، إلا أن هذا التصرف وجد فيه الزوج الغيور تقليلا من شأنه، وعدم طاعة زوجته له، خصوصاً بعدما دخل الفندق وشاهدها تضحك مع فريد الأطرش على نكات يلقيها عبد السلام النابلسي، في جلسة جمعت أسرة الفيلم بعد الانتهاء من التصوير.

بدلاً من أن يلقي التحية على زملائه الذين بادروه بالتحية، سيطر عليه الانفعال وتوجه إلى زوجته مباشرة، وبدأ يحدثها بلهجة عنيفة وصوت مرتفع قائلا: {أنا مش قولتلك يا هانم تستنيني في المحطة، إزاي أوصل وأنت مش موجودة، مش عارفة أني جاي، ولا الضحك والسهر أهم من جوزك}.

وارتفع صوت عماد أكثر في الحديث الذي وضع شادية في موقف محرج للغاية أمام الحضور، فكيف تصرفت وماذا حدث؟

اللبنانية التي أزعجت حمدي
خلال زيارات عماد حمدي المتكررة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، كان يلتقي مع أصدقائه، ويمضي وقتاً طويلاً في السمر، إذ كانت بيروت مليئة بالحياة كما كان يصفها.

في إحدى الزيارات، التقطت صورة لعماد حمدي وهو يرقص مع الفنانة اللبنانية الشابة سميرة شويري التي وصفتها الصحافة المصرية آنذاك بـ {الفاتنة}، وكانت في بداية مسيرتها الفنية، ما دفع الإعلام إلى فبركة قصة حب جديدة تجمع بين فتى الشاشة واللبنانية الفاتنة، عززتها تصريحات سميرة لمجلة {الكواكب} حول صداقتها بالفنان المصري.

أشارت سميرة في الحوار إلى أنها كانت مخطوبة لمليونير بعد انفصالها عن زوجها الأول الذي تزوجته رغماً عنها، إذ كانت في الرابعة عشرة من عمرها، لكن ظهورها المتكرر مع عماد حمدي دفع خطيبها إلى فسخ الخطوبة، خصوصاً مع إعلان إعجابها بفتى الشاشة.

أغضبت هذه التصريحات حمدي فرد عليها في مقابلة مع المجلّة نفسها في الأسبوع التالي، مؤكداً أن لدى الفاتنة اللبنانية أهدافاً أخرى من سرد هذه القصة، مرتبطة برغبتها في الشهرة، ودخول الوسط الفني مستغلة مكانته وعلاقاته مع المنتجين، وأشار إلى أن الصورة التي التقطت له وهو يرقص معها كانت خلسة، ولم يشعر بالحب تجاهها.

وروى فتى الشاشة أنه كان في حفلة عامة، ووجهت له الدعوة ليرقص معها، فاستجاب ورقص معها لفترة، أخبرته خلالها أنها معجبة به كممثل وإنسان، مؤكداً أنه لو أحب كل فتاة رقصت معه، فلن يجد وقتاً للزواج منهن جميعاً.

ورغم إشادة حمدي بجمالها إلا أنه رأى أن اعتزاز سميرة شويري المبالغ فيه بجسدها سيكون أحد أسباب عدم نجاحها، بالإضافة إلى طولها الزائد الذي لا يناسب الممثلين الرجال، فلا يوجد ممثل واحد في طولها سوى الأميركي غاري كوبر، ربما أراد السخرية منها ليبدد إشاعات حول علاقتهما.

إذاعي بالمصادفة
كانت لدى عماد حمدي هواية التسوق بنفسه، وكان يستغل وقت فراغه، ليستقل سيارته متجهاً إلى السوق للتبضع. وفي أحد أيام الجمعة، بينما كان في سوق حي الهرم، استوقفته الإعلامية الشهيرة آمال فهمي التي كانت تقدم برنامجها الإذاعي {على الناصية}، الذي تسأل فيه المواطنين عن أمنياتهم وطلباتهم.

كان من حسن حظ الإذاعية المخضرمة أن التقت فتى الشاشة الأول على حين غرة، فاستوقفته، وعندما سألته وجهته أخبرها أنه في طريقه إلى التسوّق، وأنه لا يخشى ازدحام الجمهور وتكالبه عليه في يوم العطلة، لأنه يعيش بينه ونجاحه مستمد من إعجاب الجمهور بما يقدمه.

خلال اللقاء تحدث حمدي عن المشاكل التي تواجه الحياة الزوجية للفنانين، وعدم انتظام مواعيد عملهم، ما يزيد احتمال عدم توفيقهم في الحياة الزوجية ويعطل التقارب المطلوب بين الزوجين، فيما طلب الاستماع إلى أغنية {بتلوموني ليه} لعبد الحليم حافظ، وكانت أغنية جديدة وقتها، مشيراً إلى أنه لم يستمع إليها سابقاً، رغم أنها نالت الإعجاب.

قبل نهاية اللقاء، اقترحت مقدمة البرنامج على فتى الشاشة أن يستكمل الحلقة بدلاً منها، وتابعا سيرهما إلى السوق، هناك بدأ يطرح أسئلة على الجمهور بميكرفون الإذاعة، بينما كان سؤال الجمهور لعماد حمدي واحداً، هل ستعود إلى شادية؟

عرف حمدي كيف يتهرب من الإجابة معتبراً أنه مذيع ولا يجيب عن الأسئلة بل يطرحها فحسب، فاستضاف عاملا وفتاة وآنسة تنتظر الحب، ليختتم الحلقة بإشادة من مقدمتها بقدرته على إدارة حوار تلقائي مع المواطنين.