قبل أكثر من 20 سنة نشطت بعض الجماعات الإسلامية في الكويت بين صفوف الشباب ومن كل المذاهب، هدفها جذب الأولاد الصغار إليهم وتدريبهم على الطاعة من خلال بعض الأنشطة الدينية والاجتماعية.

هذه الجماعات كانت في غاية النشاط، فلا تكاد منطقة من مناطق الكويت إلا ولهم وجود فيها، في تلك الأيام لي قريب من أهلي عمره لم يتجاوز 15 سنة احتضنته إحدى المجموعات التي استطاعت وبفترة قصيرة التأثير فيه وتغيير سلوكه، وجعلت منه ولداً مطيعاً يحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، إلا إن هناك أمراً آخر حدث له، فقد بدأ يخاف الظلمة وعذاب القبر.

Ad

هذا السلوك لفت انتباه أمه التي لاحظت التغير على ولدها ولأجل إزالة شكوكها طلبت من زوجها تتبع أصدقاء ولدها الجدد والتعرف عليهم، حيث كانت الصدمة والمفاجأة فالمسؤول عن الجماعة في العقد الثالث من عمره والمسؤول عن الحضور والغياب في بداية العشرينيات أو أقل من ذلك، وللعلم في ذلك الوقت لم يكن هناك انتشار واسع للأجهزة النقالة، لكن هناك نظام متابعة دقيق، حتى إن هؤلاء المراهقين لا يمكنهم السفر مع أهلهم إلا بموافقة قائد المجموعة.

هذا الشاب الصغير كان يعاني سطوة المجموعة التي تحكمت في كل شيء في حياته، وما الخوف من الظلام والكوابيس إلا نتيجة حتمية لتجربة الدخول في حفرة القبر "اللحد" ولبس الكفن بحجة تعريفه بعذاب القبر، فلولا يقظة الأم ومتابعة الأب لكان ذلك الشاب أحد ضحايا هذا الفكر المتطرف الذي ترك كل جمال الدين الإسلامي وجوائزه وانصرف لعذاب القبر.

اليوم ما نشاهده عن نوعية الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية "داعش" وأخواته من تفرعات القاعدة يحتاج إلى وقفة ودراسة تحليلية تحدد الأسباب التي دعت الشباب للانضمام إلى تلك المجاميع الإرهابية، خصوصاً أن بعضهم لم يعرف عنه التدين، فمن غير المعقول أن تنجح دعوة الجهاد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وتلقى هذا التأثير والقبول بين الشباب، فالقضية حتما لها جذور أكبر من ذلك بكثير.

سؤال لكل ذي عقل!! الجرائم النكراء التي راح ضحيتها الأم والأب والأخ وقبلها الخال وابن العم والصديق والتفجير بحزام ناسف بالمصلين الساجدين لله وفي الأماكن العامة، هل كانت لتكون من خلال تغريدة أو مقطع فيديو؟! الإجابة حتماً: لا، لو لم يكن بعض من رجال الدين المحركين والداعمين لهذه الجرائم لما كان هذا الاندفاع، فهم الخطر الحقيقي، وهم رأس الفساد، وما حملات دعم الجهاد بالمال والرجال وتجهيز جيش المجاهدين وشراء السلاح إلا دليل على تمكنهم وتغلغلهم في المجتمع وبغطاء تنظيم دولي.

تلك التنظيمات الإرهابية نجحت في نشر ثقافة "بالذبح جئناكم، واحجزوا لي عشرة أتلذذ بذبحهم، وجهاد النكاح، ورضاعة الكبير"، فبالرغم من بشاعة الفكرة والمشهد ورفض غالبية المجتمع لهم فإني لا أظن أن نهايتهم قريبة إن لم تتم تعرية مشايخ الدين وكشفهم كخوارج العصر وأتباع لشيخ التكفير والذبح.

ودمتم سالمين.