عنف «داعش»... بـانتظار المزيد!
كان متوقعاً أن يلجأ "داعش" إلى التصعيد، وأن يضرب بكل هذه الدموية في مطار مصطفى كمال "أتاتورك" في إسطنبول، فبعد إخراجه من الفلوجة، وبعد التضييق عليه في العديد من مكونات "دولته" البائسة، وبخاصة في الموصل (نينوى) التي سلَّمها له نوري المالكي تسليم اليد بإيعاز من الإيرانيين، لم يكن مستغرباً، بل كان منتظراً أن يبادر هذا التنظيم إلى المزيد من العنف لإثبات أنه لا يزال موجوداً، وأنه قادر على الضرب حتى في مكان محصن كالمطار التركي الذي ضربه قبل يومين والذي يعتبر من أهمِّ ومن أكبر المطارات في العالم.ويقيناً إنه كان بإمكان الأتراك، والمقصود هنا هو الحكومة والأجهزة التابعة لها، تفادي هذه الضربة، أو التخفيف منها على الأقل، لو أنهم وضعوا في اعتبارهم هذا التقدير وهذا الاستنتاج الآنف الذكر. وهنا فإنَّ المتوقع أن الدور قد يأتي على روسيا التي يبدو أنها أصبحت بصدد إجراء تغييرات "استراتيجية" على السياسات التي كانت اتبعتها أو انجرّت إليها في هذه المنطقة الملتهبة، وبخاصة بالنسبة للأزمة السورية التي من الواضح أنها استنزفت الروس بعد تدخلهم العسكري السافر في نهايات سبتمبر الماضي، والذي يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يكن يتوقع استمراره حتى الآن وعلى مدى كل هذه الفترة المكلفة الطويلة.
كانت وجهة نظر روسيا، وبالطبع وجهة نظر إيران ونظام بشار الأسد، أنَّ الأولوية هي للقضاء على "داعش" وليس على هذا النظام، ولكنَّ هذا التحالف، الذي كانت "مرجعيته" وما زالت في موسكو، بقي يعمل على تمكين هذا التنظيم الإرهابي وتقويته للإبقاء على هذه المعادلة القائلة بوجوب الاحتفاظ بما يسمى "الدولة الإسلامية"؛ للاحتفاط بمبرر "ضرورة" الإبقاء على هذا النظام المتبقي في دمشق وحدها... لكن من الواضح في ضوء "المصالحة" الروسية–التركية أن هذه المعادلة قد اهتزت فعلياً، وغير مستبعد أن يكون اهتزازها هو الدافع الفعلي والحقيقي لعملية "داعش" الدموية الأخيرة في مطار مصطفى كمال "أتاتورك" في إسطنبول.وهكذا، فإن المؤكد أن هذه العملية، وإنْ على نحو أقل أو أكثر، سوف تتكرر، فـ"داعش" بعدما تلقى كل هذه الضربات التي تلقاها بات معنياً بإثبات وجوده وإثبات أنه لا يزال قادراً على فعل ما بقي يفعله وأكثر. ثم إن إيران، التي تعتبر نفسها الخاسر الأكبر من موسم "المصالحات" هذا الذي كانت بدأته تركيا بفتح صفحة جديدة مع إسرائيل ألحقتها بفتح صفحة جديدة مع روسيا، غير مستبعد أن تزيد من تبنيها لهذا التنظيم الإرهابي وأن تدفعه إلى مزيد من العمليات الدامية الصاخبة على غرار عملية مطار إسطنبول الأخيرة.لقد كانت إيران أكثر المستفيدين من وجود "داعش" ومن عملياته، فهي بحجة ضرورة مواجهة هذا التنظيم الإرهابي والقضاء عليه بادرت ومبكراً إلى حرب إبادة ضد العرب السنة سخّرت لها، إضافة إلى "الحشد الشعبي"، أكثر من أربعين تنظيماً طائفياً ومذهبياً تم استيرادها من العديد من الدول القريبة والبعيدة، فضلاً عن فيلق القدس وحراس الثورة، والواضح أنَّ هذا النهج لا يزال مستمراً ومتواصلاً، إنْ في العراق وإنْ في سورية، مما يعني أن نهاية ما يسمى "الدولة الإسلامية" لن تكون قريبة، اللهم إلاّ إذا تخلى الروس عن طهران بصورة نهائية وإذا استجدت عندها المزيد من الأزمات المتفجرة الداخلية.