معركة الشرقاط تعيد حساب الكُلف
قلق من موجة نزوح كبيرة... وتركيا تراقب «الحشد الشعبي»
تتقدم القوات العراقية لأول مرة إلى مناطق عميقة جنوب الموصل، لاسيما في بلدة الشرقاط التي ظلت بيد «داعش» لنحو عامين. ولا يستفيد الجيش من اندفاعة الحماس التي رافقت تحرير الفلوجة بمعركة «نظيفة نسبياً»، بل إن حكومة حيدر العبادي نفسها لم تترك للقطعات أن تلتقط الأنفاس أو تستريح، وأرسلت أهم القوات نحو جنوب الموصل، تخلصاً من الأزمة السياسية الحادة جداً وغير المسبوقة داخل البيت الشيعي، والتي جرى نسيانها إلى حد كبير؛ انشغالاً بالعمل العسكري، ونوعاً من «النشوة الوطنية» التي أعادت للجيش هيبته بعد انكسارته المذلة في يونيو 2014 أمام تنظيم «داعش».لكن كل هذا الاندفاع والنشوة لا يقللان من ويلات الحرب وتعقيداتها السياسية، فقد بدأت آلاف العوائل الهرب من مناطق النزاع جنوب الموصل، ولا توجد مخيمات لإيوائهم، ما يضطرهم إلى البقاء في العراء وفي ظروف قاسية جداً، مع عجز الحكومة عن إنقاذهم، وانشغال المنظمات الأهلية بإغاثة نحو 70 ألف نازح خرجوا من الفلوجة خلال يونيو الماضي.وستكون حرب الموصل مناسبة تراشق سياسي جديد بين حلفاء إيران وخصومها، لأن فصائل «الحشد الشعبي» في جزئها الموالي لطهران، كادت أن تفسد موقف العبادي عبر انتهاكات جسيمة في الفلوجة، وهي تتوعد اليوم بدخول الموصل.
لكن ساسة كثيرين، مثل محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، أطلقوا تحذيراً بهذا الشأن الذي لن يقتصر على خلافات في الداخل، بل قد يستدعي تدخل تركيا التي تعد نفسها صاحبة نفوذ ما في الموصل، فضلاً عن التحسس الذي يسببه «الحشد الشعبي» لقوات البيشمركة التي تطوق الموصل تقريباً، وسبق أن اشتبكت مع فصائل موالية لإيران على نحو خطير قرب كركوك.وإذا كان العراقيون يعجزون عن إغاثة نحو 70 ألفاً من أهالي الفلوجة فإنهم سيصبحون أمام تحدّ جديد مع اقتراب معركة الموصل، إذ يمكن أن نواجه موجة نزوح بمئات الآلاف، مع بقاء نحو مليون وخمسمائة ألف مدني في المدينة سيكونون في وضع لا يحسدون عليه.ويقول الموصليون إنهم يشعرون بقلق بالغ لأن مدينتهم هي «آخر مركز حضري للمذهب السني» في العراق، فبغداد أصبحت بحكم الأمر الواقع مكان نفوذ شيعي، كما أن الأنبار، معقل العشائر السنية، تعرضت لخراب شبه شامل، ولم يبقَ تقريباً سوى الموصل التي تحتوي على أقدم الأديرة المسيحية والمساجد والمكتبات في العراق، ولا أحد يتخيل النتائج المهولة لخرابها، إلا إذا قررت «داعش» أن تجنبها حرب شوارع يمكن أن تكون طاحنة ومكلفة بكل المقاييس، رغم أنها ستعني «نهاية لخلافة داعش» في العراق.