أحرج انفعال عماد حمدي زوجته شادية أمام مخرج الفيلم يوسف شاهين وأبطاله: فريد الأطرش وعبد السلام النابلسي وأحمد رمزي، بعدما وجدها في قاعة استقبال الفندق تتبادل معهم الضحكات، مع أنه سبق أن رفع صوته عليها في البلاتوه، وأحرجها أمام زملائها، إلا أن الانفعال هذه المرة كان أكبر من أن تتم السيطرة عليه، لذلك التزم الصمت، وألقى الزملاء على زوجته مسؤولية السيطرة على اندفاع حمدي، على أمل أن تنجح في احتواء الموقف بحكمتها المعهودة، وقدرتها على التصرف بالمواقف الصعبة. لكن زيادة انفعال عماد وارتفاع صوته لفتا أنظار بقية الموجودين في بهو الفندق.

أمام هذا الموقف المحرج لم تجد شادية مفراً من أن ترد بصوت مرتفع: {لو إيدك اتمدت عليَّ يبقى تطلقني}. ما إن أنهت جملتها، حتى هوت يد عماد حمدي على وجهها حاملة صفعة قوية على خدها، في مشهد أصاب الموجودين بالذهول، صعدت بعده شادية مباشرة إلى غرفتها، فيما خرج عماد حمدي من الفندق بعدما صمت لثوان، قرر بعدها العودة إلى القاهرة في سيارة أجرة استقلها من أمام باب الفندق.

Ad

وحده ارتباط شادية بتصوير آخر يومين في الفيلم جعلها تبقى في الفندق، ففي الصباح الباكر من اليوم التالي تناولت الإفطار مع فريق العمل مبتسمة في وجه الجميع رغم الآلام النفسية التي عاشتها في الليلة السابقة، ومنعتها من النوم. قدّر فريق العمل الظروف النفسية التي تمر بها الدلوعة فقرر الجميع عدم التحدث إليها في الأمر، حتى الانتهاء من تصوير بقية مشاهد الفيلم، وكانت شادية الممثلة تقدم مشاهد مليئة بالانطلاق والبهجة وتشع أملاً في نفوس المحيطين بها، فيما تحمل شادية الإنسانة في داخلها حزناً وجرحاً لم تستطع الأيام مداواتهما.

فور انتهاء التصوير، عادت شادية إلى القاهرة بسيارتها ولم تنتظر إلى اليوم التالي لتعود مع بقية فريق العمل، كي تحسم علاقتها بزوجها التي أجلتها بسبب التزامها الفني. فرغم تمسكها بالطلاق من عماد حمدي شعرت بصعوبة الموقف عليه، ولم تعرف كيف سيتصرف معها، ليقينها بأنه ما زال يحبها. لكن الحب وحده لا ينجح الحياة الزوجية، خصوصاً أن العلاقة بينهما بلغت طريقاً مسدوداً، لا يمكن العودة فيه إلى الوراء، فتوجهت إلى منزلهما وفور دخولها طلبت الطلاق في أسرع وقت وبهدوء، وقد حاول عماد حمدي ثنيها عنه، لكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح.

أدرك عماد أن تمسك شادية بالطلاق يعني انتهاء علاقتهما الزوجية إلى الأبد، فهو يعرفها جيداً ويعرف مدى عنادها، لذا أراد الحفاظ على ما تبقى في علاقتهما بتنفيذ طلبها. في اليوم التالي، كتب المأذون الفصل الأخير في قصة حبهما، بالطلاق رسمياً، لينتهي زواجهما بعد أقل من ثلاث سنوات من الارتباط، واحتفظ كل منهما بذكريات سعيدة مع الآخر حول هذه الفترة التي شهدت تحولات في حياتهما.

اعترافات

يقول عماد حمدي في مذكراته إن {ولاد الحلال} السبب الرئيس في انفصاله عن شادية، فالأحاديث التي كان يستمع إليها بين الحين والآخر، عززت في نفسه الضغينة تجاه زوجته، بالإضافة إلى عدم مصارحته لها، وكان ينظر إليها دائماً بأنها الجوهرة التي فشل في الحفاظ عليها، بسبب انفعاله الزائد وغيرته المبالغ فيها التي فسرها بتنامي قلق لديه بحكم الفارق العمري بينهما ونظرتهما المختلفة إلى الحياة.

عانى عماد اكتئاباً حاداً بعد انفصاله عن شادية، فترك لها المنزل وحزم حقائبه ووضعها في أحد الفنادق الكبرى، واصطحب جزءاً منها في رحلة إلى الإسكندرية لممارسة هوايته المفضلة في الصيد التي تعلمها على يد شادية، وكان النظر إلى البحر يخرجه من الحالة النفسية التي يعيشها، إذ يحكي له مشاكله وهمومه التي لم يعترف بها أمام أي شخص، فكان البحر بمثابة صديق وفي يروي له عماد أسراره ويعترف بمشاكله وأخطائه أمامه، من دون أن يقلق من نقل ما يقوله إلى الآخرين.

أقام عماد حمدي في الإسكندرية أسابيع، في وقت ضجت فيه الصحافة باخبار انفصاله عن شادية، ومصير الانفصال وتساءل كثر هل ستعود المياه إلى مجاريها مستقبلاً. ذلك كله سببت ضغطاً على أعصابه، لا سيما أنه أدرك، وهو يوقع ورقة انفصاله عن شادية، بأنهما لن يتزوجا مرة أخرى، رغم العلاقة الطيبة التي جمعت بينهما بعد الانفصال.

التزم عماد وشادية الصم بناءً على اتفاق مشترك بينهما، وظلت تفاصيل الانفصال اجتهادات لم يكشف عنها حتى في مذكرات عماد الذي أكد فيها أنه يحترم شادية، وكانت الفترة التي قضياها معاً الأروع في حياته، لذا يتحفظ عن التفاصيل.

أثر الانفصال سلباً في نفسية شادية، لكنها وجدت في العمل طريقة مثالية للتخلص من المشكلة، خصوصاً مع محاصرة المحيطين بها بأسئلة لم تجب عنها، واكتفت بالقول إن ما حدث نصيب ومكتوب، وتكن كل الاحترام لعماد حمدي الذي قضت معه سنوات سعيدة.

لم يكن الانفصال سوى فصل ضمن مشكلات عدة واجهها عماد حمدي، جعلته يقلل من أعماله الفنية، من بينها مشكلته مع الضرائب على الأفلام التي أنتجها، فرغم خبرته في الإنتاج بأستوديو مصر فإن حسابات الضرائب مع الفنانين كان لها وضع آخر، ما أدخله في أزمة مالية خانقة حتى تمكن من تسوية قيمة الضرائب بعد مفاوضات، وكادت تقضي على ثروته. مع أنه لم يؤيد مطالب بعض الفنانين إلغاء الضرائب على أهل الفن، إلا أنه اشتكى التقديرات المبالغ فيها للأرباح في أعمال قدمها لأجل قيمتها الفنية، وليس بحثاً عن عائد مادي.

كشف حساب

أقام حمدي في الفترة التي تلت انفصاله عن شادية في أحد الفنادق وسط القاهرة، كان قليل الخروج من الفندق، يمضي وقته بين غرفته التي فضل الجلوس فيها لفترات طويلة ومطعم الفندق متناولاً الطعام الذي لم يتعدَّ الوجبة أو الوجبتين في اليوم. كانت تلك الفترة بمثابة فرصة لإعادة حساباته الشخصية، والتفكير في حياته بشكل مختلف. وحاول أن ينسى قصة حبه لشادية بالعمل، فقرر تكثيف الأعمال، وكان لا يعود إلى الفندق إلا منهكاً للنوم فحسب، ويمضي وقت فراغه مع نجله نادر، يتابع دراسته ويطمئن على زوجته الأولى فتحية شريف، لكنه لم يفكر في العودة إليها رغم أنها لم ترتبط بعد انفصالهما مكتفية بتربية نجلهما.

كانت علاقة عماد وفتحية شريف جيدة للغاية، ولم تحدث بينهما مشاكل تذكر، فكان يتردد عليها بشكل شبه منتظم للقاء ابنه، واصطحابه في أوقات الفراغ إلى النادي وممارسة رياضة كرة القدم، وإلى السينما من وقت إلى آخر لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية العربية. ورغم نجوميته الطاغية، حرص عماد على أن يكون لنجله نصيب من وقته.

انهمك فتى الشاشة في العمل فكان يتنقل من بلاتوه إلى آخر، ورغم تجاوزه الخامسة والأربعين من عمره كان قادراً على تحقيق نجاحات في الأدوار التي قدمها، وشهدت السنوات التالية لانفصاله عن شادية كثافة في أعماله، فقدم 19 فيلماً في ثلاثة أعوام، حققت في غالبيتها نجاحاً، وبقيت في دور العرض أسابيع، من بينها أفلام شارك بطولتها مع شادية مثل {المرأة المجهولة} (إنتاج 1960)، الذي شهد ذروة تألقها الفني، وأظهرها فنانة وممثلة من طراز رفيع، فدخلت مرحلة جديدة في حياتها الفنية، كانت الأكثر رسوخا وتمرداً على شخصية الفتاة الدلوعة الشقية التي كرستها أفلامها في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات.

بعد الانفصال، جمعت صداقة بين عماد حمدي وشادية، خصوصاً انها كانت حريصة على التواصل مع نجله نادر، الذي عاملته كابنها الذي لم تنجبه، فكانت تسأل عنه باستمرار وتلتقيه من وقت إلى آخر، وخلال زواجها من والده لم تكن تعامله كزوجة أب بل كأم، فهو من الشخصيات القريبة منها وجمعت بينهما ذكريات عدة، وكانت تصطحبه معهما خلال إجازاتها مع والده، ولم تشعر مرة بالضيق من وجوده، كذلك ربطت علاقة جيدة بينها وبين السيدة فتحية شريف، والدة نادر وزوجة عماد الأولى.

إني راحلة

كان للمخرج عز الدين ذو الفقار الدور الأكبر في استعادة عماد حمدي نمط حياته الطبيعي، فكان صاحب فضل على فتى الشاشة ليس لاختياره أدواراً مميزة في مسيرته الفنية، بل لقدرته على إخراجه من حالته النفسية السيئة بعد انفصاله عن شادية، فرشحه لبطولة فيلمه الجديد {إني راحلة} المأخوذ عن رواية يوسف السباعي، لهذه الغاية قصد عز الدين عماد في منزله وبدأ حديثا طويلا معه.

عز: إيه يا عماد مش ناوي تخرج من الحالة اللي أنت فيها بقى.

عماد: أنا كويس الحمد لله... بس أنت عارف الصحافة بقى... كأن عماد وشادية أول وآخر مشاهير يطلقوا.

عز: ما أنت عارف بقى ضريبة الشهرة والنجومية.

عماد: طبعاً.. الناس فاكرة أننا زي ما بنطلع على الشاشة.. فاكر مشهد السّكر في {موعد مع السعادة}.

عز: فاكر طبعاً... هو ده يوم يتنسي أنا كنت أول مرة أشوفك في الحالة دي.

عماد: يومها قولت أجرب أتعايش مع الشخصية... وأشرب كثير علشان أبقى سكران بجد.

عز: لو كان حد غيرك الوضع كان هيبقى مختلف.

عماد: عارف... بس أنت مخرج شاطر برده. صورت مشاهد تانية من غيري... يومها روحت وأنا مش عارف إيه اللي عملته في نفسي ده، وكفاية أنك مزعلتنيش قدام الناس واتكلمت بهدوء، مش ممكن أنسالك الموقف ده.

عز: علشان تبطل تتعايش مع الشخصية بقى في فيلمك الجديد.

عماد: فيلمي الجديد!

عز: آه فيلمك الجديد معايا طبعاً، {إني راحلة} عن رواية يوسف السباعي.

عماد: بس...

عز مقاطعاً: ما فيش بس خلاص أنا اخترتك والسيناريو هيكون عندك بكرة... وبعدين ده إنتاج صديقتك مديحة يسري. أنا لسه مقولتلهاش بس أنت عارف هي بتعزك إزاي.

صمت عماد حمدي ولم يجب بينما تحدث عز الدين ذو الفقار إليه في موضوعات أخرى متفرقة، وأصر على أن يخرجا سوياً للسهر قبل الانشغال بتحضيرات الفيلم، وتحدث إليه عن يوسف السباعي وأخلاقه وراوياته الممتعة. كان حمدي بدأ يملّ من الإقامة في الفندق، فقرر شراء شقتين متجاورتين بالزمالك، ويجعلهما شقة واحدة كبيرة يعيش فيها، فرغم الراحة النسبية التي كان يراها في الفندق فإن وجهة نظره كانت بأن الفنادق تصلح للاسترخاء والهرب من ضغوط الحياة اليومية، وليس للإقامة فيها طوال الوقت.

حرص عماد في تلك الفترة على انتقاء أثاث منزله الجديد قطعة قطعة، فصمم الشقة الجديدة خلال عدة أشهر معتمداً على ذوقه في الاختيارات، وزينها بلوحات زيتية عبرت عن ذوقه في ديكورات المنزل، فحمل كل ركن ذكرى لمكان زاره عماد أو ألوان يحبها، لدرجة جعلت كل من يدخل الشقة يشعر أنه أمام قطع أثاث وضعها مهندس ديكور ببراعة شديدة، فيما لم تكن سوى ذوقه الشخصي الذي فضل أن يعيش فيه بقية حياته بمفرده. أغلق فتى الشاشة قلبه وركز في عمله لينسى الحب ويكتفي بمتابعة نجله الوحيد نادر، لكن كان للأيام رأي آخر.

النجاة من الموت دهساً
بينما انشغل عماد حمدي بتصوير أكثر من عمل سينمائي، وبعد يوم عمل طويل انتهى في فندق هيلتون بوسط القاهرة، خرج بعد منتصف الليل لتناول العشاء في كازينو عابدين، أحد الأماكن المفضلة لفتى الشاشة، وكانت تربطه علاقة قوية بالقيمين على المطعم الذين اعتادوا تقديم أشهى المأكولات له في كل زيارة.

قاد عماد حمدي سيارته، واختار الطريق المختصر إلى المطعم من ميدان التحرير إلى شارع الكازينو، الذي يبعد عنه نحو كيلومترين، يمر خلالهما عبر أكثر من تقاطع، أبطأ سرعة السيارة عند مفرق الطرق الذي يتقاطع مع شريط القطار ولم يجد عسكري مرور أو إشارة مضيئة في تلك المنطقة.

تابع حمدي قيادة سيارته حتى فوجئ بقطار سريع على بعد خطوات قليلة منه، فحاول زيادة سرعة السيارة للهرب والنجاة من الموت دهسا تحت عجلات القطار السريع، ليفاجأ بعدد من السيارات المركونة على الرصيف، وبعض المارة في الشارع، فحاول تفاديهم مفضلاً الصدام مع السيارات المتوقفة.

لحظات قليلة مرت على عماد حمدي كالدهر، محاولاً إنقاذ حياته وحياة المارة في الشارع، ففقد الوعي مع توقف السيارة، والتف المارة حوله مقدمين له كوبا من الماء، لتهدئته بعد الصدمة التي أحدثت صوتا قوياً للغاية، جعلت من في الشارع يسرعون لإنقاذ سائق السيارة التي تهشّمن مقدمتها.

لم يشعر فتى الشاشة بالألم بعد الحادثة مباشرة، إذ نقله المواطنون إلى أحد المقاهي الصغيرة، واتصلوا بالبوليس والإسعاف لنقله ومصاب آخر في الحادث صودف مروره بين سيارتين متوقفتين في لحظة اصطدام عماد حمدي بالسيارات، وفضل الأخير، رغم حالته، انتظار الشرطة لمعاينة مكان الحادث قبل المغادرة.

توجه حمدي مع الشرطة إلى قسم قصر النيل، الذي يقع مكان الحادث تحت إشرافه، وتم تحرير محضر بالواقعة، وأخلي سبيله بكفالة قدرها 10 جنيهات، فيما حرص هو على زيارة المصاب في الحادث، وهو طالب من المنصورة، وصل في اليوم نفسه إلى القاهرة للالتحاق بكلية الطب، حيث تكفل حمدي بعلاجه في المستشفيات الخاصة، بينما وضع فتى الشاشة في الجبس ثلاثة أسابيع توقف خلالها عن التمثيل بشكل كامل، ذلك أنه تبين في اليوم التالي للحادث أن الآلام التي يعانيها نتيجة كسر في القدم.

التفاصيل في الحلقة المقبلة