الحمد لله رب العالمين، الذي بنعمته تتم الصالحات، فقد بلغنا نهاية رمضان، وأسأله تعالى أن يتقبله منا جميعا وأن يعيده علينا مراراً وتكراراً والكويت والأمة العربية والإسلامية بخير، وها نحن نستعد لتوديعه، بعدما وهبنا الله في هذا الوطن ممارسة حقيقية لأهداف الشهر الكريم والحكمة المنشودة من صيامه، وهي تتعدى ممارسة الصيام والصلاة والقيام وقراءة القرآن والصدقات، لتتناول سمو الأخلاق والتسامي والتسامح والتكافل بين أبناء المجتمع، وهو ما تجسد أولاً في التلاحم الكبير بين الشعب وقيادته السياسية عبر توافد آلاف المواطنين والمقيمين إلى قصر بيان العامر للسلام على حضرة صاحب السمو وتهنئته وسمو ولي العهد بالشهر الفضيل، وكذلك في قصر سمو رئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن تبادل الزيارات بين القيادة السياسية وأبناء هذا الشعب، وهي نعمة ومنة وفضل من الله تفتقدها معظم الشعوب الأخرى، إن لم تكن كلها.

وما يميزنا في رمضان هو روح التواصل والتسامح بين أفراد الشعب، والتسامي على أي خلافات مذهبية أو سياسية، وهي فرصة للمحافظة على هذا التسامح وتعزيزه بعد رمضان، فأحرى بنا في الكويت، بحكم موقعنا الجغرافي في منطقة تغلي سياسياً، أن نحافظ على ذلك التسامح بيننا بما يعزز وحدتنا ويزيد لحمتنا الوطنية، وهو خلق إسلامي كريم حض عليه الإسلام، وشّعور نابع من القلب ينعكس في صور الرحمة والتعاطف بين الناس، وما أحوجنا إلى مثل هذه الصور في ظل الاحتدام والاقتتال الطائفي الذي يدور بالقرب منا، كي نجنب أنفسنا ووطنا شر ذلك.

Ad

علينا استلهام هذه المبادئ العظيمة للإسلام، ومنها التسامح لما يمثله من أهمية قصوى لنا ولهذا العالم من حولنا، فالتسامح أو التساهل الفكري مصطلح يستخدم في كثير من الأمور الاجتماعية والثقافية والدينية، ويمكن القول إن التسامح هو التبرير أو إيجاد العذر، كما يوجهنا صلى الله عليه وسلم إلى أن يلتمس كل منا العذر لأخيه، فليعذر بعضنا بعضاً في الممارسات والأفعال، غير الجسيمة التي تضر أو تهدد كيان المجتمع، تاركين التعصب، ولنبتعد ما استطعنا عن كل ما يثير التعصب وينشر الحقد والبغضاء، كالممارسات والأفعال القائمة على التمييز العرقي والديني المحظورة دينيا واجتماعيا.

وإذا كان التسامح لغة هو التّساهل فلنتساهل فيما بيننا، ولنتسامح، فبالتسامح قد نحقق شطر السعادة، ولعل من أعظم ما يجب أن نردده هذه الأيام هو الدعاء المأثور عن الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا"، فكيف لنا أن نطلب الصفح والعفو من ربنا ونحن لا نسامح بعضنا ولا نغفر زلات غيرنا، يتعين علينا أن نطبق ما نقوله على أنفسنا أولاً، وإلا دخلنا ضمن إطار الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"، فتسامحوا يا أبناء وطني وتساموا فوق أي خلافات وقتية أو مصالح شخصية، ولنغرس بذور المحبة بيننا، ولنعزز تكاتفنا ووحدتنا ولا نسمح لغيرنا بإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، فكلنا ذاهبون والكويت بأمر الله وتوفيقه هي الباقية، والحافظ الله يا كويت.