زمن «ترزية» القوانين
صدق من قال "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، فهناك من يتصور أن السلطة التي منحت له صك على بياض يفعل بها ما يشاء دون حسيب أو رقيب، فبعضهم يستغلها في التربح وجمع الأموال وبعضهم في التوريث وتعيين الأقارب، وبعضهم في تصفية الحسابات والتنكيل بالآخرين، ويبدو أن كل هؤلاء لا يدركون أن هذه المناصب لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.والمتابع لما يحدث على الساحة السياسية هذه الأيام يرى أن هناك من أعماهم نفوذ السلطة فانحرفوا عن الحق، واستعانوا بـ"ترزية القوانين" لتفصيل ما يرونه مناسباً وطبخ بعض القوانين في الكواليس بين عشية وضحاها وتعليبها على مقاس أشخاص بأعينهم لإبعادهم عن المشهد وتوجيه رصاصات الاغتيال لماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، غير عابئين بأن ذلك يصيب التشريع في مقتل، ويجعله عرضة للأهواء والمزاجية، وأن من يملك القوة والأغلبية قادر على العبث بالقوانين.
كلنا نرفض وندين المسيئين ونقف ضد من يحاول زعزعة أمن الوطن واستقراره، لكننا نرفض أيضاً المسيئين للديمقراطية والحقوق الدستورية، ونرفض تفصيل القوانين لأن ذلك يفتح الباب أمام آخرين ليدخلوا على الخط ويزايدوا، وهذا حدث بالفعل، ولا نريد أن تكون السلطة التشريعية سيفاً مصلتاً على رقاب المعارضين أو المختلفين في الرأي، ولا نريد أن تكون حكومتنا داعمة لمثل هذه الأساليب التي عفى عليها الزمن، والمكايدة السياسية التي يجب أن تكون بالإنجازات لا تصفية الحسابات.لقد وضعت القوانين لإسعاد الناس ودرء المخاطر عنهم وتجريم الظلم والتمييز، ومنذ عرفت المجتمعات التشريعات كانت هناك قوانين سيئة السمعة، لكنها لم تصمد، فأي قانون يصدر لمصلحة فئات بعينها أو ضدها على أيدي "ترزية القوانين" ويتعارض مع المصلحة العامة للناس مآله مزبلة التاريخ.وفي الختام أقول لهؤلاء الذين يفصلون القوانين في الظلام ويضربون بالدستور عرض الحائط عليهم أن يدركوا أن هناك سلطة قضائية نزيهة تتمثل بالمحكمة الدستورية التي تتصدى لمن يحاولون العبث بالدستور، وكذلك أقول لهم إن دوام الحال من المحال، فأنتم اليوم في السلطة وغداً خارجها، وسيأتي بعدكم من يعدل القانون ويعيده إلى نصابه الصحيح، فالقوانين كلها وضعية قابلة للتعديل، ولكن ما نتمناه أن تكون في مصلحة الوطن وبعيدة عن الأهواء وتصفية الحسابات.