في زمان يبدو أنه يشبه هذا الزمان كان الأميركي الأبيض يكرس سياسة الفصل العنصري بين العرق الأبيض الأكثر حظوة وامتلاكا للسلطة والمال والعرق الأسود المستلب والخاضع لتلك السلطة وسطوة المال. هذا الفصل بلغ مداه في التعامل غير الإنساني، لدرجة التفريق بين العرقين، ليس في درجات المواطنة فقط، لكن في الحياة اليومية أيضا. العرق الأسود لا يحق له الجلوس في الأماكن المخصصة للأبيض في الحافلات، ولا يحق للأسود أن يشرب من ذات المشرب الذي يشرب منه الرجل الأبيض. وقدم الأسود تضحيات كبيرة، ليصل إلى المواطنة الكاملة، ولم يصل بعد.
هذا الفصل العنصري لم يكن في أميركا فقط، لكنه انتشر في الغرب بشكل كبير، عانى منه السكان الأصليون والعمال الصينيون في كندا الذين تم استقدامهم لبناء سكة الحديد، وفقدوا أرواحا كثيرة، وتبخر وعد الحكومة بمنحهم أراضي على جانب السكة الحديد. وعانى منه المهاجرون إلى كندا، حتى أسقطوا حكومة السيد ستيف هاربر السنة الماضية بطريقة اعتبرت مهينة، لمجرد تمييزه بين اللاجئين والكنديين البيض، حين أطلق عليهم Old stock Canadian.تغيَّرت الحياة كثيرا، والعالم يسير نحو ثقافة جديدة لم يعد يقبل هذا التمييز ويحاربه، وليس لأحد أن ينكر وجوده، فأميركا التي اختارت رئيسا أسود لفترتين، هي أميركا التي يتبنى قطاع واسع منها أطروحات ترامب العنصرية ويصفق لها. لكن الإنسانية لن تتذكر بشيء من الفخر رواد العنصرية، كما تتذكر بكثير من الفخر هؤلاء الذين حاربوا الفصل العنصري بأي شكل من الأشكال. ليس من المنطق أن يسير العالم إلى الوراء إلا بانهيار تام لكل المبادئ التي مات من أجلها مناضلون وفلاسفة وكُتاب، ومن المعيب أن يساهم أحد بعودة أي شكل من أشكال هذا الفصل العنصري ونشر هذه الثقافة بين الناس. لا أتصور أن هناك شخصا ما يحب وطنه يود أن يرى وطنه يمارس عنصرية تجاه مقيمين يشاركونه بناء هذا الوطن، ولا أتصور أن مكتسبات سيحصل عليها هذا المواطن تستحق أن تشوه من أجلها سمعة وطن بأكمله.ليس مقنعا التبرير الذي يطلقه المسؤول حول تخصيص مستشفى للكويتيين فقط، وأن هذا الفصل ليس عنصريا، وإنما إجراء تنظيمي. هذا الإجراء التنظيمي ربما تبعته إجراءات تنظيمية مماثلة تخص المدرسة والجامعة، وربما دور العبادة أيضا. وهذه الإجراءات التنظيمية ستجعل المواطن لا شعوريا يرى نفسه أفضل من غيره، ويرى غيره أقل مرتبة منه. ولا يمكن أن نلومه حين يعيش ثقافة هذا الفصل، ويتعايش معها، كوضع طبيعي كرَّسه من يعتقد أنه مجرد إجراء تنظيمي. الكويت بلد هجرات منذ نشأتها، وستبقى بلد هجرات، لطبيعتها التي تشابه كثيرا البلدان الخليجية الأخرى، والوافدون يشكلون أغلبية سكانية، وأغلبهم من العرب، الذين قامت هذه الدولة على أكتافهم، تعليميا وطبيا وبناءً. الذين يعتقدون أن إجراءات كهذه تخدم المواطن وتريحه عليهم أن يدركوا أنها لا تخدم الوطن. الوطن الذي يعاني أساسا في كثير من المحافل الدولية من سمعة اضطهاد الآخر، ويعاني مشاكل لا حصر لها. الوطن الذي يعاني فيه العربي والآسيوي والبدون لا يحتاج إلى فتح جروح جديدة في جسده. إذا لم تتمكنوا من النهوض بهذا البلد الجميل إلى الأمام، فأعيدوه إلى الماضي، أعيدوه إلى زمن كان. فالسير إلى الوراء أكثر اتزانا من سيركم إلى الأمام.
توابل - مزاج
السير إلى الوراء
03-07-2016