حارسا الجارية «الميتة» يقتلان رسول الخليفة

نشر في 03-07-2016
آخر تحديث 03-07-2016 | 00:05
في الحلقة الثامنة والعشرين من «ألف ليلة وليلة»، تنهي شهرزاد قصة الرحلة التي أرسلها الخليفة عبد الملك بن مروان، إلى المغرب بحثاً عن «القماقم السليمانية»، حيث استطاع موسى بن نصير أن يصل إلى قصور مدينة الموتى ويلتقي ملك السودان على بحر «الكركر»، ويحصل على الجواهر والمعادن النفيسة للخليفة.
كذلك تنتقل شهرزاد في هذه الحلقة إلى حكاية جديدة عن جودر وأخويه وما فعلاه معه.
لما كانت الليلة الخامسة والتسعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى بن نصير دخل القصر، فرأى حجرة كبيرة، وأربعة مجالس عالية متقابلة، منقوشة بالذهب والفضة، وفي وسطها فسقية كبيرة من المرمر، عليها خيمة من الديباج، وفي جوانب تلك المجالس نوافير مزخرفة، وحيضان مرخمة ومن تحت تلك المجالس أربعة أنهار، تجرى وتجتمع في بحيرة عظيمة من الرخام المختلف الألوان.

ثم قال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد: ادخل بنا هذه المجالس، فدخلوا المجلس الأول فوجدوه امتلأ بالذهب والفضة البيضاء واللؤلؤ والجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة، ووجدوا صناديق مملوءة بالديباج الأحمر والأصفر والأبيض، ثم انتقلوا إلى المجلس الثاني وفتحوا خزانة فيه فإذا هي مملوءة بالسلاح وآلات الحرب من الخوذ المذهبة والدروع الدوادية والسيوف الهندية والرماح الخطية والدبابيس الخوارزمية وغيرها.

ثم انتقلوا إلى المجلس الثالث فوجدوا فيه خزائن عليها أقفال، وفوقها ستارات منقوشة، ووجدوا فيه خزائن مملوءة بالسلاح المزخرف بأنواع الذهب والفضة والجواهر، ثم انتقلوا إلى المجلس الرابع فوجدوا فيه خزائن، منها خزانة مملوءة بأدوات الطعام والشراب، من أواني الذهب والفضة، وسكارج البلور، والأقداح المرصعة باللؤلؤ والعقيق وغير ذلك، فجعلوا يأخذون ما يصلح لهم من ذلك، ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه، فلما عزموا على الخروج من تلك المجالس رأوا هناك باباً من الصاج والعاج والأبنوس، وهو مصفح بالذهب، وعليه ستر مسبول من حرير منقوش بأنواع من الطراز، وعليه أقفال من الفضة البيضاء تفتح بالحيلة بغير مفتاح.

تقدم الشيخ عبد الصمد إلى تلك الأقفال ففتحها، ودخل القوم من دهليز مرخم، في جوانبه براقع عليها صور من أصناف الوحوش والطيور، وكل ذلك من ذهب أحمر وفضة بيضاء، وأعينها من الدر واليواقيت، ثم وصلا إلى قاعات مصنوعة من رخام مصقول، منقوش بالجواهر، يتوهّم الناظر أن في طريقها ماء جارياً لو مر عليه أحد لزلق. فأمر الأمير موسى الشيخ عبد الصمد أن يطرح عليها شيئاً حتى يتمكنوا من عبورها، ووجدوا هناك قبة عظيمة مبنية بحجارة مطلية بالذهب الأحمر لم يشاهدوا في جميع ما رأوه أحسن منها.

وفي وسط تلك القبة قبة أخرى من المرمر، بدائرها شبابيك منقوشة مرصعة بقضبان الزمرد، وفيها خيمة من الديباج، منصوبة على أعمدة من الذهب الأحمر، بها طيور أرجلها من الزمرد الأخضر، وتحت كل طير شبكة من اللؤلؤ الرطب، منشورة على فسقية، فيها سرير مرصع بالجواهر واليواقيت، وعلى السرير جارية كأنها الشمس الضاحية، لم ير الراؤون أحسن منها، عليها ثوب من اللؤلؤ، وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر، وفي عنقها عقد من الجوهر، وعلى جبينها جوهرتان كنور الشمس، وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم يميناً وشمالاً.

الجارية

لما كانت الليلة السادسة والتسعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى لما رأى هذه الجارية، تعجَّب غاية العجب من جمالها، وفتنة قدها واعتدالها، وحمرة خديها وسواد شعرها، حتى يظن الناظر إليها أنها ليست ميتة، فقال طالب بن سهل: إن هذه الجارية صورة مدبرة بالحكمة، وقد قلعت عيناها بعد موتها وجعل تحتهما زئبق، وأعيدتا مكانهما، فهما تلمعان كأنما يحركهما الهدب، فيخيل للناظر أنها ترمش بعينيها. فقال الأمير موسى: سبحان الذي قهر العباد بالموت...

أما السرير الذي عليه الجارية فله درج، فوقه عبدان: أحدهما أبيض والآخر أسود، وبيد أحدهما آلة من الفولاذ، وبيد الآخر سيف مجوهر يخطف الأبصار، وبين يدي العبدين لوح من الذهب فيه كتابة تقرأ وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق الإنسان، وهو رب الأرباب، ومُسبب الأسباب، بسم الله الباقي السرمدي، بسم الله مقدّر القضاء والقدر. يا ابن آدم ما أجهلك بطول الأمل، وما أسهاك عن الأجل، أما علمت أن الموت لك قد دعا، وإلى قبض روحك قد سعى؟ فكن على أهبة الرحيل، وتزود من الدنيا فستفارقها عما قليل، أين آدم أبو البشر؟ أين نوح وما نسل؟ أين الملوك الأكاسرة والقياصرة، وأين ملوك الهند والعراق؟ أين ملوك الآفاق؟ أين العمالقة والجبابرة؟ خلت منهم الديار وفارقوا الأهل والأوطان، أين ملوك العجم والعرب؟ ماتوا بأجمعهم وصاروا رمماً، أين السادة ذوو الرتب؟ ماتوا جميعاً، أين قارون وهامان؟ أين شداد بن عاد؟ أين كنعان وذو الأوتاد؟ قرضهم والله قارض الأعمار، وأخلي منهم الديار، فهل قدموا الزاد ليوم الميعاد؟ واستعدوا لجواب رب العباد.

يا هذا... إن كنتَ لا تعرفني فأنا أعرفك باسمي ونسبي، أنا «ترمز» ابن عمالقة الملوك، من الذين عدلوا في البلاد، ملكتُ ما لم يملكه أحد من الملوك، وعدلت في القضية، وأنصفتُ بين الرعية، وأعطيتُ ووهبت، وقد عشت زماناً طويلاً في سرور وعيش رغيد، واعتقت الجواري والعبيد، حتى نزل بي طارق المنايا، وحلت بي الرزايا. وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء، ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض، فأكلنا ما كان عندنا من القوت، ثم عطفنا على المواشي من الدواب فأكلناها، ثم أحضرت المال، واكتلته بمكيال، وبعثته مع الثقات من الرجال، فطافوا به جميع الأقطار والأمصار في طلب شيء من القوت فلم يجدوه، ثم عادوا إلينا بالمال بعد طول الغيبة. حينئذ، أظهرنا أموالنا وذخائرنا، وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا، وسلمنا لحكم ربنا، وفوضنا أمرنا لمالكنا، فمتنا جميعاً كما ترانا، وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا، فهذا هو الخبر، وما بعد العين إلا الأثر.

ووجدوا في أسفل اللوح هذه الأبيات:

بني آدم لا يهزأ بكَ الأمــــــلُ

عن كلِ ما ادّخرتْ كفاك تنتقلُ

أراك ترغب في الدنيا وزينتها

وقد سعى قبلك الماضون والأُولُ

قد حصلوا المال من حل ومن حرم

فلم يرد القضا لما انتهى الأجل

قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعوا

فخلّفوا المالَ والبنيانَ وارتحلوا

كأنما الركبُ قد حطوا رحالَهم

في جنحِ ليلٍ بدار ما بها نُزل

فقال صاحبها: يا قوم ليس لكم

فيها مقام فشدوا بعد ما نزلوا

فكلّهم خائف أضحى بها وجلاً 

ولا يطيب له حل ومرتحـــل

فقدِّم الزادَ من خيرٍ تُســـر غداً

وليس إلاّ بتقوى ربّك العمـلُ

فبكى الأمير موسى لما سمع هذا الكلام وقال: والله إن التقوى هي خير الزاد، ثم وجدوا على تمثال الجارية نقوشاً قرأها الشيخ عبد الصمد فإذا فيها:

من وصل إلى مدينتنا ودخلها، فليأخذ من المال ما يقدر عليه، ولا يمس من فوق جسدي شيئاً فإنه ستر لعورتي وجهازي من الدنيا، فليتق الله ولا يسلب منه شيئا فيهلك نفسه، وقد جعلت ذلك نصيحة مني إليه، وأمانة مني لديه.

بحر «الكركر»

لما كانت الليلة السابعة والتسعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى كتب جميع ما رأه من ذلك، ثم قال لأصحابه: أئتوا بالأعدال وأملأوها من هذه الأموال وهذه الأواني والتحف والجواهر. فقال له طالب بن سهل: أيها الأمير اترك هذه الجارية بما عليها وهو شيء لا نظير له ولا يوجد في وقتنا مثله، وهو أوفى مما أخذت من الأموال وأحسن هدية تتقرب بها إلى أمير المؤمنين. فقال الأمير موسى: يا هذا ألم تسمع ما أوصت به الجارية في هذا اللوح؟ إنها جعلته أمانة، وما نحن من أهل الخيانة..

فقال طالب: وهل لأجل هذه الكلمات نترك هذه الأموال وهذه الجواهر وهي ميتة، فماذا تصنع بهذا وهو زينة الدنيا وجمال الأحياء، أما هي فثوب من القطن يسترها؟ ثم دنا من السلم وصعد على الدرج حتى صار بين العمودين ووقف بين الشخصين، وإذا بأحدهما ضربه على ظهره، وضربه الآخر بالسيف الذي في يده فرمى رأسه ووقع ميتاً.

قال الأمير موسى: لا رحم الله لك مضجعاً، لقد كان في هذه الأموال ما فيه الكفاية، والطمع لا شك يزري بصاحبه. ثم أمر بدخول العساكر، فدخلوا وحملوا الجمال من تلك الأموال والمعادن. ثم أمرهم الأمير موسى بأن يغلقوا الباب كما كان، وساروا على الساحل حتى أشرفوا على جبل على البحر، فيه مغارات كثيرة، وإذا فيها قوم من السودان وعلى رؤوسهم برانس من جلود، ولا يعرف كلامهم.

لما رأوا العسكر ولوا هاربين إلى تلك المغارات، فقال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد: ما هؤلاء القوم؟ فقال: هؤلاء طلبة أمير المؤمنين، فنزلوا هناك، وضربت الخيام، وحطت الأموال، فما استقر بهم المقام حتى نزل ملك السودان من الجبل ودنا من العسكر، وكان يعرف العربية، فلما وصل إلى الأمير موسى، سلم عليه، فرد عليه السلام وأكرمه فقال له ملك السودان: أنتم من الإنس أم من الجن؟ فقال الأمير موسى: نحن من الإنس، فمن أنتم؟ فقال: نحن آدميون من أولاد حام بن نوح عليه السلام، وأما هذا البحر فإنه يعرف بـ «الكركر».

فقال له الأمير موسى: ومن أين لكم علم ولم يبلغكم نبي أوحي إليه في مثل هذه الأرض؟ فقال: اعلم أيها الأمير أنه يظهر لنا من هذا البحر شخص له نور تضيء له الآفاق، فينادي بصوت يسمعه البعيد والقريب: يا أولاد حام استحوا ممن يرى ولا يُرى، وقولوا لا إله إلا الله، وأنا أبو العباس الخضر، وكنا قبل ذلك يعبد بعضنا بعضاً، فدعانا إلى عبادة رب العباد، وقد علمنا كلمات نقولها هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير...

وما نتقرب إلى الله عز وجل إلا بهذه الكلمات، وكل ليلة جمعة نرى نوراً على وجه الأرض ونسمع صوتا يقول: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، كل نعمة من فضل الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال له الأمير موسى: نحن أصحاب ملك الإسلام عبد الملك بن مروان، وقد جئنا بسبب «القماقم النحاس» التي عندكم في بحركم، وفيها الشياطين محبوسة من عهد سليمان بن داود عليه السلام...

وقد أمرنا أن نأتيه بشيء منها يبصره ويتفرج عليه، فقال له ملك السودان: حبا وكرامة. ثم قدم لهم لحوم السمك، وأمر الغواصين بأن يخرجوا من البحر شيئاً من القماقم السليمانية، فأخرجوا له 12 قمقماً، ففرح الأمير موسى والشيخ عبد الصمد والعساكر بها. ثم أمر الأمير موسى لملك السودان بعطايا جزيلة، كذلك أهدى إليه ملك السودان كثيراً من عجائب البحر، بعضها على صورة الآدميين وقال له: إن ضيافتكم في هذه الثلاثة الأيام من لحوم هذا السمك. فقال الأمير موسى: لا بد من أن نحمل معنا شيئاً حتى ينظر إليه أمير المؤمنين فيطمئن خاطره بذلك أكثر من القماقم السليمانية. ثم ودعوه وساروا حتى وصلوا إلى بلاد الشام، فدخلوا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وحدثه الأمير موسى بجميع ما رأه وما وقع له، كما أخبره بموت طالب بن سهل وسببه، فقال له أمير المؤمنين: ليتني كنت معكم حتى أعاين ما عاينتم...

ثم أخذ القماقم وجعل يفتح قمقماً بعد قمقم والشياطين تخرج منها وتقول: التوبة يا نبي الله، ما نعود لمثل ذلك أبداً. فتعجب عبد الملك بن مروان من ذلك. أما عجائب البحر التي على هيئة الآدميين فصنعوا لها أحواضاً من خشب ملأوها ماء ووضعوها فيها، لكنها ماتت من شدة الحر.

جودر مع أخويه
لما كانت الليلة الثامنة والتسعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة عبد الملك بن مروان أمر بعد ذلك بإحضار الأموال التي جاؤوا بها، ثم قسمها بين المسلمين وقال: لم يعط الله أحدا مثل ما أعطى سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام. ثم سأل الأمير موسى أمير المؤمنين أن يستخلف ولده مكانه على بلاده ليتوجه هو إلى القدس الشريف يعبد الله فيه، فولى أمير المؤمنين ولده وتوجه هو إلى القدس الشريف، ولم يزل هناك في عبادة وصلوات، حتى أدركه الممات.

لما فرغت شهر زاد من هذه الحكاية، قال لها الملك شهريار: والله إنها في الغرابة لآية. فقالت: أغرب منها ما وقع للشاب جودر مع أخويه، مما وقفت في مطالعاتي عليه. فقال لها: بالله يا زينة الممالك، قصي عليّ كيف كان ذلك.

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن رجلا تاجراً اسمه عمر، خلف من الذرية ثلاثة أولاد: أكبرهم يسمى سالماً، والأصغر يسمى جودر، والأوسط يسمى سليماً، وقد رباهم إلى أن صاروا رجالاً. لكنه كان يحب جودر أكثر من أخويه، فلما تبين لهما ذلك أخذتهما الغيرة وكرها أخاهما، وكان والدهم كبير السن وخاف إذا مات أن يطغى على جودر أخواه، فأحضر جماعة من أهله، وجماعة من عند القاضي وجماعة من أهل العلم، وقال: هاتوا كل مالي وتجارتي. وقسم الجميع أربعة أقسام، ثم أعطى كل ولد قسماً، وأخذ لنفسه وزوجته القسم الباقي.

لما كانت الليلة التاسعة والتسعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر بعد أن قسم ماله وتجارته، لم تمض على ذلك إلا مدة قليلة، ثم مات، فقال ولداه الكبيران لأخيهما الصغير جودر: إن مال أبينا عندك، وترافعوا إلى الحكام، فشهد الذين كانوا حاضرين وقت القسمة بما علموا، وانتهى النزاع بأن خسر جودر جانباً من المال، كما خسر أخواه كذلك. وبعد مدة قليلة عادوا إلى مقاضاته للكيد له، فخسر وخسرا جملة من المال أيضا، وما زالا يشكوانه إلى حاكم ظالم بعد آخر، حتى أطعموا جميع أموالهم للظالمين، وصار الثلاثة فقراء. ثم توجه أخواه إلى أمهما فأخذا مالها وضرباها وطرداها، فذهبت إلى ابنها جودر وقالت له: قد فعل أخواك معي كذا وكذا وأخذا مالي. فقال لها: يا أمي إن الله يجازي كلا منهما بعمله، وقد خسرنا جميع ما خلفه لنا والدنا بسببهما، فامكثي عندي، والرغيف الذي أحصل عليه من كدي نأكله معاً، والله يرزقني ويرزقك، وتسلي بقول من قال:

إن يبغ ذو جهل عليك فخله

وأرقب زماناً لانكسار الطاغي

وتجنّب الظلمَ الوخيمَ فلم بغي

جبل على جبل لدك الباغي

وصار يطيب خاطر أمه حتى رضيت، ثم صنع لنفسه شبكة وصار يذهب بها إلى البحر والبرك وإلى كل مكان فيه ماء لصيد السمك، وكل ما يكسبه من عمله يعطيه لأمه. أما أخواه فبقيا بلا صنعة ولا بيع ولا شراء، حتى دخل عليهما الساحق والماحق والبلاء اللاحق، وضيعا كل ما أخذاه من أمهما، وصارا من الصعاليك.

ولما اشتد فقرهما صارا يأتيان إلى أمهما ويتواضعان لها ويشكوان إليها الجوع، وقلب الوالدة رؤوف، فتطعمهما مما عندها وتقول لهما: كلاه مريئاً وروحا قبل أن يأتي أخوكما. فاتفق أن كانا عندها يوماً من الأيام، وقد جلسا يأكلان، وإذا بأخيهما جودر يدخل الدار عائداً من عمله، فخشيت أمه أن يغضب عليها وأطرقت حياء منه، ولكنه لم يغضب، بل ابتسم لأخويه وقال لهما: مرحباً بكما، ماذا جرى حتى زرتماني في هذا النهار المبارك؟

ثم عانقهما وأخذ يقول لهما: ما كان رجائي أن توحشاني، ولا تجيئا لزيارتي. فقالا: والله يا أخانا أننا اشتقنا إليك، وما منعنا عن زيارتك إلا خجلنا مما جرى بيننا وبينك وقد ندمنا كثيراً، وكل ما حدث كان من فعل الشيطان لعنه الله تعالى.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

ملك السودان قدم عطايا جزيلة من بينها القماقم السليمانية ولحوم السمك

عمر قسّم جزءاً من ماله وتجارته على أبنائه الثلاثة والبقية له ولزوجته

جماعة ابن نصير تدخل قصراً يمتلئ بصور أصناف الوحوش والطيور من الذهب والفضة وأعينها من الدر واليواقيت
back to top