ذات يوم سألني صديقي، الذي يعمل لحساب فضائية معروفة: «كيف يتأتى لمالك القناة أن يأتي كل يومين بجوالين من الأموال السائلة التي يضخها في القناة، ورغم هذا تحقق القناة خسائر فادحة؟» قلت له، يومها، إن: «المال السائل لا يصنع نجاحاً، والجوالات وحدها لا تكفي!»، ولا أدري لماذا تذكرت هذه القصة، وأنا أكتب الآن عن منتجي السينما المصرية، ففي الوقت الذي أدرك فيه بعضهم، رغم قلتهم، المغزى الحقيقي من الإنتاج، ووظف ماله في المكان الصحيح، سيطرت على غالبيتهم عقلية «أغنياء الحرب»، الذين لا يفوتون فرصة من دون الانتفاع والتربح من أي حدث طارئ، سواء كان حرباً أو مشروعاً قومياً، نصراً مبيناً أو هزيمة فادحة!
لهذا السبب ساد تصور أن «المنتج زكيبة من الأموال تتحرك على قدمين»، وأن تلك النوعية من المنتجين ليسوا سوى تجار جهلة ومراهقين كبار جذبتهم السينما بأضوائها وشهرتها، وأنفقوا الأموال رغبة في إرضاء بعض نجماتها، وهو تصور لم يسقط مع الزمن، بل صمد طويلاً، ومازال يُقذف في وجه كل من انتفت علاقته بالإنتاج، لأن له في الإنتاج مآرب أخرى، لكن تم تصويب تعريف المنتج ووظيفته مع تغير أحوال صناعة السينما في مصر، ومواكبتها للتطورات الحاصلة في العالم،لا يعني ذلك أن السينما المصرية، التي عرفت اختراع «السينماتوغراف» مع بدايات القرن الماضي، سقطت في براثن الجهلة و{أغنياء الحرب» وحدهم، لكنها استحوذت على تفكير الكثير من المصريين المخلصين، على رأسهم محمد بيومي (1894 – 1963)، الذي سافر لدراسة السينما في النمسا وألمانيا، وبعد عودته إلى مصر أنشأ شركته الخاصة لإنتاج الأفلام، كذلك أسس مدرسة مجانية لتعليم السينما، أيضاً انجذب إلى هذا الفن الجديد عدد من أبناء الطبقة الارستقراطية، مثل: بهيجة حافظ (1908 - 1983)، التي نالت دبلوماً في التأليف الموسيقي والتلحين في باريس، وبعد عامين من اتجاهها إلى التمثيل في فيلم «زينب» أسست شركة باسم «فنار للإنتاج السينمائي» كان باكورة أفلامها: «الضحايا»، من بطولتها. عزيزة أمير (1908 – 1952) التي انتقلت من التمثيل إلى الإنتاج، وقيل إنها أول من أسس للسينما المصرية من خلال فيلم «ليلى» (1927)، ولم تختلف بداية أمينة محمد (1908 – 1985) كثيراً، إذ امتهنت التمثيل، ودرست الرقص في المجر، وعملت مع ابنة شقيقتها أمينة رزق في المسرح، ومع التمثيل اتجهت إلى الإنتاج السينمائي. مع ظهور السينما الناطقة استقرت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر، وفي حقبة الخمسينيات ظهر رمسيس نجيب وحسن رمزي، وبرزت الحاجة إلى فتح سوق عربية للفيلم المصري، ومع قيام ثورة يوليو 1952 دخلت الدولة تجربة الإنتاج، عبر القطاع العام، فعمل بعض منتجي القطاع الخاص تحت عباءة الدولة، لذا اختلفت طبيعة الموضوعات عن تلك التي اعتادت السينما المصرية تقديمها، لكن إجهاض تجربة القطاع العام أعاد الهيمنة إلى القطاع الخاص، وصار فيلما: «أبي فوق الشجرة» إنتاج شركة أفلام صوت الفن (1969) و{خلي بالك من زوزو» إنتاج شركة الصباح العالمية وصوت الفن (1972) بمثابة الأنموذج لما ينبغي تقديمه، ومع موجة أفلام حرب أكتوبر ظهرت أسماء مراد رمسيس نجيب في فيلمي «الرصاصة لا تزال في جيبي» و{حتى آخر العمر»، وأفلام جلال «بدور»، وآل راضي «أبناء الصمت» ،وعادت ماجدة للإنتاج في «العمر لحظة». كذلك استقبلت الساحة الإنتاجية شركات يملكها مبدعون (يوسف شاهين ورأفت الميهي ونور الشريف ومحمود ياسين) فانتعشت السينما، بسبب النفط، لكن ما لبث أن توارى المنتج المصري في ظل سيطرة الموزع الخليجي واللبناني، وعرفنا ظاهرة «أفلام المقاولات». ومع الثمانينيات بدأ ما يمكن تسميته «عصر حسين القلا»، الذي كان له الفضل في إنتاج أهم أفلام الواقعية الجديدة للسينما المصرية، وقبل نهاية التسعينيات نجح فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، وتغير معه وجه السينما المصرية، حيث هرول المنتجون وراء الأفلام الكوميدية، وصنعوا نجومها، فتأسست شركة «العدل غروب» (1997) لتنتج «صعيدي في الجامعة الأميركية، ومع بداية الألفية الجديدة ظهر محمد حفظي وشركته «كلينك فيلم»، التي قدمت فيلمي «ورقة شفرة» و{زي النهارده» (2008) كما ظهرت شركات إنتاج ضخمة مثل:{غود نيوز» و»الماسة» واتسع نشاط شركات مثل: «النصر» (محمد حسن رمزي) و{أوسكار» (وائل ولؤي حسن عبد الله) وتعثرت شركة «نهضة مصر» (نجيب ساويرس وكامل أبو علي الذي استمر بمفرده). ايضاً شهدت الساحة صراعاً شرساً بين التكتل الذي يضم: «أوسكار/ النصر/ الماسة»، والتكتل الذي تقوده الشركة العربية للإنتاج والتوزيع (إسعاد يونس) لكن مياها كثيرة جرت تحت السطح أدت إلى اختفاء التكتلين ما أتاح تربع «السبكية» و{نيو سينشري» على الساحة، لكن الغلبة كانت للسبكية الذين فرضوا «معادلتهم» و{خلطتهم»، وبعدما كان معدل إنتاجهم خمسة أفلام في 2008، وصل إلى ثمانية أفلام في 2014!
توابل - سيما
فجر يوم جديد: «المصارف البشرية»!
03-07-2016