الأرقام القياسية في ألعاب القوى.. حقيقة أم ثمرة أكاذيب خادعة؟

مسلسل الفضائح وتداعياته مرشح للتفاعل في الأسابيع المقبلة

نشر في 03-07-2016 | 11:49
آخر تحديث 03-07-2016 | 11:49
No Image Caption
الأرقام القياسية في ألعاب القوى مثار جدل مجدداً في ضوء فضائح المنشطات، التي قد تطاول رموزاً في «أم الألعاب» كانوا أمثلة تحتذى، وتعيد صوغ مفهوم جديد لأسس المسابقات ومصداقية الأرقام المسجلة، خصوصاً أن مسلسل الفضائح وتداعياته مرشح للتفاعل في الأسابيع المقبلة وعلى أبواب انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو بدءاً من 5 أغسطس، والاجراءات الرادعة المنتظرة، التي لوحت بها اللجنة الأولمبية الدولية، سيما وأنها خصصت 10 ملايين دولار إضافية لتمويل الأبحاث المكافحة للمنشطات وحماية الرياضيين.

خلال اجتماعاته التي عُقدت في هامبورغ أخيراً، كلّف الاتحاد الأوروبي لألعاب القوى فريق عمل مهمته ارساء سياسة جديدة تتعلق بالأرقام القياسية، ويفيد رئيسه النروجي زفن ارن هانسن، أن الوقت ليس متأخراً لحسم الأمور، مجدداً حماسته في ضوء ما أعلن أخيراً عن فحوصات ايجابية لعينات رياضيين في دورتي بكين 2008 ولندن 2012 الأولمبيتين.

ويشدد هانسن على ضرورة تصحيح أخطاء الماضي، وحذف أي اسم متورط من تاريخ اللعبة، سيما وأن زلزالاً يهز أركانه منذ أكثر من 18 شهراً فضلاً عن «الارتكابات» الروسية وتبعاتها.

وينادي مطلعون بأهمية إعادة كتابة سجل الأرقام القياسية عموماً من دون أي عقد (على غرار ما شهدته رياضة رفع الأثقال قبل أكثر من عقدين)، مشيرين إلى أنها خطوة يجب أن تترسخ بالتعاون مع الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، بحيث يتفق على تاريخ محدد كي يعتمد نقطة انطلاق، والانطباع السائد عموماً أن ألعاب القوى لا تستطيع أن تعاود مسارها التصاعدي في ظل نتائج لا توحي بالثقة، فضلاً عن أن أرقاماً قياسية لا تزال صامدة منذ ثمانينات القرن الماضي، أي حقبة التنشط بزخم.

11 رقم

وتزخر سجلات الاتحاد الدولي بـ11 رقماً عالمياً سجلت قبل أن تدرج فحوصات الكشف على المنشطات في مطلع التسعينات، وتضم اللائحة أسماء الأميركية فلورنس غريفيث جوينر (100 و200م)، الألمانية ماريتا كوخ (400م)، التشيكية يورميلا كراتخوفيلوفا (800م)، البلغارية يوردانكا دونكوفا (100م حواجز)، البلغارية ستيفكا كوستادينوفا (الوثب العالي)، الروسية غالينا تشيستياكوفا (الوثب الطويل)، الروسية ناتاليا ليسوفسكايا (دفع الجلة)، الألمانية غابرييل راينتش (رمي القرص)، الأميركية جاكي جوينر - كيرسي (المسابقة السباعية)، فريق البدل الروسي 4 مرات 400م، الألماني يورغن شولت (رمي القرص)، الروسي يوري سيديخ (رمي المطرقة)، و«لحسن الحظ»، لم تكن مسابقات مثل الـ5 آلاف م والـ10آلاف م والقفز بالزانة والوثبة الثلاثية ورمي المطرقة، معتمدة عند السيدات وقتذاك.

لكن ما يفرمل اتخاذ خطوة شجاعة والسير قدماً في الحذف أو الوضع جانباً، أن البراهين والمستندات الدامغة قليلة، وغالبيتها يطاول انجازات ألمانيا الشرقية (سابقاً).

ويملك البروفسور فيرنر فرانكي ملفات «اتهامية» كثيرة عن الحقبة السابقة، لكنها لا تشمل «مرتكبين» في بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا (حينها) والاتحاد السوفياتي السابق، وحتى الولايات المتحدة أو بلدان أوروبية غربية والصين.

ولأنه بات من المستحيل تحطيم الرقم القياسي في سباق الـ100م للسيدات (10.49 ثانية) مثلاً، اقترح رئيس الاتحاد الألماني هيلموت ديغل معاودة الانطلاق من الصفر على صعيد اعتماد الأرقام القياسية، غير أن هذا الطرح لم يلق الدعم المطلوب من قبل كونغرس الاتحاد الدولي عام 2001.

وكان الجواز البيولوجي اعتمد عام 2009، وعد خطوة يمكن البناء عليها لعهد جديد من الأرقام القياسية، علماً أن اقراره «حاصر» المتنافسين في سباقات المسافات الطويلة، كما أنه لا يلحظ الـ «سترويد» المنمي للعضلات.

معضلة

وطرحت حينها معضلة حذف أرقام قياسية للأميركي مايك باول (الوثب الطويل) والبريطاني جوناثان ادواردز (الوقبة الثلاثية)، ما يعد علامة سيئة ونقطة سوداء بحقهما، كما بحث في خيار الفصل بين حقبة وأخرى، أو السير فقط بلائحة عصر جديد.

ويلفت البروفسور فرانكي، استاذ علم بيولوجيا الخلايا، إلى أن الحملة التي بدأتها شبكة «اي ار دي» التلفزيونية الألمانية، تحاشت النظر إلى «الحديقة الخلفية»، ويضرب مثلاً بفيرنر غولدمان، مدرب بطل رمي القرص روبرت هارتنغ، ويعده من «المجرمين».

فبعد أن درب أيام ألمانيا الشرقية يورغن شولتز حامل الرقم القياسي العالمي لرمي القرص (74.08م عام 1986)، عهد إليه تدريب الفريق الألماني الموحد.

ويقول فرانكي أن غولدمان كان يزود شولتز بجرعات عالية التركيز من التستوستيرون، ويضيف متسائلاً: «أتجدون منطقياً أن توماس سبرنغشتاين، المدرب السابق للعداءتين غريتي باور وكريستين كرابه، زوّد قاصرين بمنشطات، ثم اختير أفضل مدرب في ألمانيا عام 2006؟».

ويكشف فرانكي أنه يملك أرشيفاً زاخر بتفاصيل «تثير الذهول»، وقد أودع نسخة منه في مكتبة جامعة تكساس (اوستن)، وهو لا يتوانى عن وصف من يعطي جرعات بـ«المجرم»، ويذكر أن الدكتور مانفرد هوبنر، رئيس القسم الطبي في الجهاز الرياضي الألماني الشرقي، حوكم عام 2000 ووضع تحت المراقبة، لذا «يمكن الجزم أن الأرقام القياسية الألمانية الشرقية هي ثمرة جرائم».

وقد وثق فرانكي وزوجته بريجيت بيرندونك كل ذلك في كتاب، ورفعت 12 دعوى ضدهما وكسباها، ويتابع: «نعرف جيداً أن بعض الأرقام القياسية المعتمدة كذبة، ورياضيات ورياضيون كثيرون ضحايا جرائم موصوفة، وبعض الرياضيات أصبن بأمراض وأخريات توفين وتم التكتم على الأسباب».

لجنة مستقلة

وبالنسبة له فإن غالبية رياضيي تلك الحقبة تكذب، فمثلاً العداءة ماريتا كوخ لم تقر يوماً إنها تناولت منشطات، وتبدو اينيس غيبل (حاملة الرقم القياسي العالمي للأندية في البدل 4 مرات 100م) وهايدي كريغر (بطلة أوروبا في دفع الجلة عام 1986)، التي تحولت جنسياً عام 1997 وأصبح اسمها اندرياس، وجيزين فالتر (حاملة الرقم القياسي العالمي للبدل 4 مرات 400م عام 1984 مع كوخ) شواذاً عن القاعدة، اذ اعترفن وأفضن في سرد تفاصيل، وقالت فالتر إنها لا تستطيع أن تكذب على أولادها.

وإذا كان صوت كراتخفيلوفا الأجش وتفاصيل عضلاتها أصدق برهان على تنشطها «المستتر»، فقبل 20 عاماً اعترف مدربون تشيكيون بأن رياضيهم يستخدمون عقاقير نمو.

وكيلا يظلم حفنة من حملة الأرقام القياسية «النظيفين»، دعا فرانكي إلى تشكيل لجنة مستقلة لدرس الملفات كلها، على غرار ما يحصل في القضاء، وحض الرياضييين على الادلاء بمعلوماتهم، ومن يكذب يكون قدم شهادة زور، ويرى أن أي عداءة ألمانية لم تستطع تسجيل دون الـ11 ثانية في سباق الـ100م من دون تناول منشطات.

ومن الحلول أيضاً، اعتماد أنظمة ومسابقات لا علاقة لها بالماضي، قوامها مسافات سباقات ومعايير وأوزان مختلفة في أدوات الرمي.

back to top