نجحت معظم الأسواق المالية العالمية خلال هذا الأسبوع في تحقيق مكاسب، بعدما كانت قد تكبّدت خسائر كبيرة في أعقاب الإعلان عن نتائج الاستفتاء الذي شهدته بريطانيا خلال شهر يونيو الماضي والذي أظهرت نتائجه تصويت معظم الناخبين لمصلحة خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وقد ارتفع مؤشر FTSE البريطاني بنسبة 7 في المئة بينما حقق مؤشر Stoxx 600 الأوروبي مكاسب بنسبة 3.19 في المئة. من جهة أخرى ارتفع كل من مؤشر S&P 500 وDJIA الصناعي بأكثر من 3 في المئة.وكانت حالة عدم اليقين بشأن الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد سيطرت على الأسواق التي شهدت انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني بنسبة 10 في المئة مقابل الدولار، كما تراجعت مؤشرات الأسواق الأوروبية بأكثر من 5 في المئة. ولكن بعد هذه الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الأسواق فإن الأيام التي أعقبت الاستفتاء أظهرت أن حجم الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد مبالغ فيها. واستناداً إلى ذلك نجحت الأسواق في الانتعاش خلال هذا الأسبوع بعدما حدد المستثمرون الفرص، وهو الأمر الذي يحدث في الاقتصادات الفعّالة. وإضافة إلى ذلك، وبعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء والوعود التي أطلقها بنك انكلترا بعد ذلك فيما يتعلق بالحفاظ على مستويات السيولة في الأسواق، فإن المستثمرين يتوقعون حزمة تحفيز اقتصادي أو خطة اقتصادية تعلن عنها المملكة المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق. ويأتي ذلك بعدما خفضت وكالات التصنيف العالمية التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء.
الولايات المتحدة
أما في الولايات المتحدة فقد بدأت المؤشرات المالية تداولات الأسبوع بتراجع، ولكنها عادت للارتفاع بعدما تراجعت حدة المخاوف من الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع انتعاش أسعار النفط العالمية بنحو 7 في المئة خلال منتصف الأسبوع، ارتفعت أسهم شركات النفط التي رفعت معها أيضاً أسهم شركات السلع الأساسية. وإضافة إلى ذلك فإن تأثيرات نتائج الاستفتاء البريطاني على الأسواق في الولايات المتحدة تراجعت مع الإعلان عن بيانات اقتصادية أميركية إيجابية. وقد أظهرت البيانات التي تم نشرها خلال الأسبوع تجاوز المؤشر السعري للناتج المحلي الإجمالي التوقعات، في حين فشل مؤشر كيس شيلر لأسعار المساكن في تجاوز التوقعات وإن كان بشكل بسيط. وأظهرت بيانات منفصلة بيانات إيجابية على صعيد المؤشرات المرتبطة بالاستهلاك. وعلى هذا الصعيد فقد ارتفع كل من مؤشر ثقة المستهلكين، والدخل الشخصي والإنفاق الشخصي بنسبة تجاوزت التوقعات، وهو مؤشر جديد على انتعاش نشاط المستهلكين الأميركيين بعد فصل الشتاء الصعب الذي عاشته الولايات المتحدة.الآثار المترتبه
وفي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، شهد الأسبوع تراجع حدة عدم اليقين بشأن الآثار المترتبة على نتائج الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما ساهم في ارتفاع الأسواق بعدما أخذ المستثمرون بعين الاعتبار جميع جوانب نتائج الاستفتاء. إن نتائج الاستفتاء في المملكة المتحدة غير ملزمة، وهي حقيقة أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على مدار الأسبوع، إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردت من جهة أخرى بسرعة على هذه التصريحات، مؤكدة أنه لا طريق للعودة عن نتائج الاستطلاع، كما رفض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نفسه تنظيم استفتاء ثان. وفي غضون ذلك أظهرت تطورات الأسبوع وجود اختلاف في وجهات النظر بين ميركل وكاميرون حول الإطار الزمني لخروج بريطانيا من الاتحاد. وفي هذا المجال فإن ميركل والعديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يصرون على ضرورة خروج بريطانيا بسرعة من الاتحاد. بينما كاميرون، مدعوماً بالتشريعات والقوانين، يصر على عدم وجود قانون يفرض التفعيل السريع للمادة 50 من الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالخروج من الاتحاد. يواجه الاتحاد الأوروبي حالياً معضلة كبيرة في كيفية التعامل مع خروج المملكة المتحدة، فإذا تعامل بشكل مرن فذلك سيشجع العديد من البلدان التي تشهد نمواً متسارعاً لحركات اليمين للعمل في حال وصولها إلى الحكم للخروج من الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وهولندا. من جهة أخرى، فإن التعامل بشكل صارم للغاية قد يحافظ على الاتحاد الأوروبي ويمنع خروج مزيد من الدول منه، إلا أنه سيضر بالمصلحة الوطنية الأوروبية في المملكة المتحدة، كأن تعمل مثلاً السلطات البريطانية على فرض قيود صارمة على قوانين العمل والقوى العاملة الأمر الذي سيكون له آثار كبيرة على الشركات الأوروبية العاملة حالياً في المملكة المتحدة، والعكس بالعكس.الأسواق الخليجية
أما على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي فقد أنهت جميع الأسواق الخليجية تداولات الأسبوع على تراجع، على الرغم من إغلاق النفط تداولات الأسبوع مرتفعاً بنسبة 3 في المئة. وفي الأخبار المتعلقة بالدول فقد ذكرت تقارير أن السعودية اتفقت مع بنك جي بي مورغان واتش.اس.بي.سي وسيتي لإصدار سندات جديدة. وستكون السندات الجديدة بالدولار، ومن المتوقع ألا تقل عن 10 مليارات دولار بعد الإصدار الأخير من السندات الذي وصلت قيمته إلى 15 مليار دولار. وعلى صعيد آخر، فمن المتوقع أن يتراجع النمو غير النفطي في السعودية هذا العام. وكانت بيانات اقتصادية قد أظهرت ارتفاع معدل التضخم في السعودية هذا العام، وهو الأمر الذي كان متوقعاً بعدما تم رفع الدعم عن منتجات الطاقة. وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأسبوع إصدار قرار بدمج اثنين من أكبر الصناديق الاستثمارية الحكومية، شركة الاستثمارات البترولية الدولية وشركة مبادلة للتنمية، الأمر الذي من شأنه تشكيل عملاق يمتلك أصولاً تفوق حجم ما تمتلكه شركة كونوكو فيليبس التي تعتبر خامس أكبر شركة من القطاع الخاص في مجال الطاقة في العالم، وقادر على إنتاج نفط يفوق ما تنتجه ليبيا. ويُعتقد أن هذه الخطوة جاءت نتيجة تراجع أسعار النفط واستقرارها حالياً عند مستوى 50 دولاراً للبرميل، بما أن هدف هذا الدمج هو خفض النفقات. وإضافة إلى ذلك، ومع اقتراب موعد إكسبو 2020، فإن دبي تعتزم استثمار مليار دولار على تطوير طرق جديدة لتلبية احتياجات زوار المهرجان الذي يستمر لمدة 6 أشهر.«ضعف الثقة» بين الشركات الصغيرة ببريطانيا قبل الاستفتاء
كشفت دراسة جديدة أن الشعور بالثقة بين الشركات الصغيرة في بريطانيا وصل إلى أدنى مستوياته خلال أربع سنوات حتى قبل إجراء استفتاء عضوية الاتحاد الأوروبي. وتوصل مسح استقصائي شمل أكثر من 1000 عضو في اتحاد الشركات الصغيرة (FSB) إلى أن شركة واحدة فقط من بين ثماني شركات خططت لاستثمار خلال العام المقبل مقابل انخفاض بلغ الثلث منذ 12 شهرا. وانتهى البحث، الذي أجري بين شهري أبريل ومايو الماضيين، إلى أن شركات صغيرة كانت تخطط لإلغاء وظائف لديها. وقال مايك تشيري، رئيس اتحاد الشركات الصغيرة (FSB)، إنه «حتى قبل نتيجة استفتاء عضوية الاتحاد الأوروبي كان أعضاؤنا يشكون من ظروف عمل صعبة في أنحاء البلاد». وأضاف تشيري أنه «بينما أجابت نتائج الاستفتاء السؤال بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، هناك الكثير من الأسئلة التي تركت دون إجابة». وأشار إلى انه «على الرغم من أنها باقية (دون إجابات)، يتعين علينا اتخاذ خطوات لدعم الاقتصاد ومساندة الشركات الصغيرة»، لافتاً إلى «أننا بحاجة إلى التفكير مليا والتراجع عن أي خطط من شأنها أن تجعل الاستثمار أكثر صعوبة وتكلفة». وأوضح «أنه للمرة الأولى منذ 2009، يواجه الاقتصاد البريطاني احتمالا حقيقيا للركود، ولمنع حدوث هذا، علينا أن نقوم بكل شيء نستطيع القيام به لمساعدة الشركات الصغيرة على النمو وتوفير الوظائف ومواجهة التحديات الاقتصادية».