«دعم الهبالة»

أنا أعتقد أننا كشعب صنيعة حكومية مدعمة مئة في المئة، نحن متقنو الصنع، رخيصو الثمن، نعتقد أن التوظيف والسكن وغيرهما منّة من حكومتنا علينا أن نحمدها عليها، نحن صنيعة حكومية بامتياز، كلنا رعايا تابعون، حتى مجلس أمتنا يصوت لمصلحة الحكومة وابتغاء مرضاتها، نحن صنيعة حكومية بامتياز، وظّفتنا الحكومة جميعاً جواسيس ومخبرين سريين على بعضنا بعضا، حتى بتنا نخاف أن نقول كلمة على «الواتس آب» بأن يصورها أحدهم فتصبح مستمسكاً علينا. بتنا نكتب على «تويتر» وننظر للآخرين من طرف أعيننا خوفاً من أن يصطادوا كلمة علينا وفي ذات الوقت تحفزاً لأي كلمة تمكننا من رقابهم. يغضبون عندما نقول دولة بوليسية، فما شكل دولتنا ونحن فيها اليوم؟ وما تعريف دولة تسن قوانين يوماً بعد يوم لتحرض المواطنين وتخلق منهم جواسيس على بعضهم بعضا، ولتحرمهم حقوقهم أحياناً مدى الحياة؟ ما منطق الدولة التي تسحب الجنسيات أكثر مما تعطيها، وتعتقل الشباب أكثر مما تحررهم، وتمنع الكتب وتحجب الصفحات الإلكترونية وتعتبر دخول د. بدرية البشر خطراً على أخلاق النشء ودخول كيم كارداشيان تدعيماً له؟ كيف هو شكل الدولة التي يُنهب فيها أكثر مما يُبنى، ويفسد فيها أكثر مما يصلح، تعطى فيها وعود زائفة لعشرات السنين، تقف فيها المشاريع متجمدة لعشرات السنين، ووقت التنفيذ ينهب المتنفذون لعشرات السنين قبل أن يتم لها أي مشروع؟

ونحن دولة تعاني التوحد، لا تحتمل صوتاً خارجياً ولا تعرف كيف تشترك مع الآخرين، وفيما العالم يختلط ويندمج، نسارع نحن الخطى نحو الانقسام والانعزال، عزلنا البدون في مناطق محددة، ثم عزلنا أبناءهم في مدارس أهلية متداعية، ثم عزلنا مرضاهم في مستشفيات أسمع أن الدور يصل فيها إلى 600 ويزيد، ثم عزلنا الوافدين بحساسية تصل حد كراهية هي نتاج سياسات حكومية جعلت الكويتي يشعر أنه مهمش محروم مزحوم في بلده. أخرجنا الوافدين من المدارس الحكومية، سفرناهم لأبسط المخالفات، فرضنا عليهم شروط إقامة ساحقة والآن نبعدهم عن مستشفياتنا، والله وحده يعلم ما تخبئه عنصرياتنا لنا في القادم من الأيام، من سنبعد؟ من سنكره؟ من سنحرم؟ من سنسجن؟ من سنطرد؟ من سننتزع جذوره من أرضنا، ومن سنحرم من زراعة جذوره فيها؟ ما نحن صانعون مع «الآخر» وما نحن صانعون بأنفسنا بعد؟