من أكثر الكتب قيمة التي أعدت قراءتها في رمضان «السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، للمصلح والمجدد: الشيخ محمد الغزالي، رحمه المولى تعالى، ظهر هذا الكتاب 1989م. وحقق انتشارا واسعا، وكان له تأثير عظيم في تصحيح الفكر الديني، أثار الكتاب جدلا كبيرا: بين مؤيدين يحمدونه، ومعارضين يستنكرونه، ويصنفون كتبا لتفنيده. تأتي أهمية هذا الكتاب- 160 صفحة، دار الشروق بالقاهرة- معالجته أهم قضيتين في فهم السنة:

الأولى: إنه لا حجية للحديث النبوي، مهما علا إسناده، إذا كان متن الحديث، مخالفا لنص صريح في القرآن الكريم، أو السنة المتواترة، أو منافيا لحكم العقل، أو الحقائق العلمية، أو المشاهد المحسوسة، أو الوقائع التاريخية، بمعنى: أن الحديث قد يصح سندا ويضعف متنا، لعلة فيه.

Ad

الثانية: أنه لا سنّة من غير فقه صحيح، ولا فقه بلا سنّة صحيحة، بمعنى: أن عمل الفقهاء متمم لعمل المحدثين، ولذلك يشدد الشيخ الغزالي، على أن عظمة الإسلام إنما تكون بالتعاون بين أهل الحديث وأهل الفقه، ويرد على الذين يتطاولون على أئمة الفقه، باسم الدفاع عن الحديث النبوي، بقوله: إن الفقهاء ما حادوا عن السنّة، ولا استهانوا بحديث صحت نسبته، وسلم متنه، وكل ما فعلوه أنهم اكتشفوا عللا، فردوها وفق المنهج العلمي المدروس، فقد كانوا يقررون الأحكام وفق اجتهاد رحب، يعتمد القرآن أولا، فإذا وجدوا ما يتسق معه قبلوه، وإلا فالقرآن أولى بالاتباع، وحديث الآحاد يفقد صحته بالشذوذ، وهو أن يكون الراوي الثقة خالف من هو أوثق منه، أو العلة القادحة. يؤكد الشيخ الغزالي، أنه لا يمكن فهم السنّة فهما سليما إلا بمعرفة الكتاب، وأن الذين اكتفوا بالسنّة دون عرضها على الكتاب، وقعوا في أخطاء منهجية كبيرة، من ذلك:

١- حديث «لحم البقر داء» صححه الشيخ الألباني، وهو من كبار المحققين للأحاديث في عصرنا، رحمه الله تعالى، لكن كل متدبر للقرآن الكريم يدرك أن الحديث لا قيمة له، مهما كان سنده، لأنه يتعارض مع النص القرآني الذي أباح لحم البقر وامتنّ به على الناس فكيف يكون داء؟! إن الله تعالى أباح لحم البقر في آيتين «وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» و»وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ».

٢- حديث «لا يقتل مسلم في كافر»، رفض الإمام أبو حنيفة الأخذ به، مع صحة سنده، لأن المتن معلول بمخالفته للنص القرآني «النفس بالنفس»، وهذا أدنى إلى العدالة وإلى مواثيق حقوق الإنسان، وإلى احترام النفس البشرية، دون نظر إلى البياض والسواد، أو الحرية والعبودية، أو الكفر والإيمان، وإلى قاعدة المساواة في المواطنة، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فكيف يهدر دم قتيلهم؟!

٣- حديث «دية المرأة على النصف من دية الرجل»، صححه جمهرة كبيرة من أهل الحديث، بل حكي إجماع أهل العلم عليه، يرى الشيخ الغزالي: أنها سوءة فكرية وخلقية، فالدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص، وحقها أهون، زعم كاذب مخالف لظاهر الكتاب.

٤- حديث «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، رفضته السيدة عائشة، رضي الله تعالى عنها، وقالت: حسبكم القرآن «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».

٥- الأحاديث التي تقول: إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في أي مسجد، سواء كان المسجد الحرام أو المسجد النبوي، رفضها الشيخ الغزالي، لمخالفتها للوقائع التاريخية من انتظام صفوف صلاة النساء، خلف الرسول، عليه الصلاة والسلام، طوال عشر سنين، من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء، واستمر في عهد الخلفاء الراشدين، فلو كانت صلاتها في البيت أفضل: لماذا لم ينصحهن، عليه الصلاة والسلام، بالبقاء في بيوتهن؟ ولماذا خص أحد أبواب المسجد بدخولهن؟ ولماذا قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله؟!

ختاما: فهذا قليل، من كثير حفل به هذا الكتاب القيم، لعله يحفز القارئ للاستزادة بالاطلاع عليه.

* كاتب قطري