كيف سيمرر إردوغان صفقته مع إسرائيل؟

نشر في 04-07-2016
آخر تحديث 04-07-2016 | 00:01
ألغت تركيا في عام 2010 رفضها انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتلا ذلك تراجعها عن رفضها مشاركة إسرائيل في تدريبات حلف شمال الأطلسي، كذلك استمر التعاون العسكري في الكواليس وازدهرت التجارة مع إسرائيل.
 المونيتور لا شك أن إردوغان اكتسب مكانة كبيرة وأفرح قلوب كثيرين في الشرق الأوسط حين أسكت، عندما كان رئيس وزراء، الرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريس بمطالبته في دافوس عام 2009 بـ"دقيقة واحدة"، هذه المطالبة التي صارت اليوم تاريخية. نتيجة لذلك رأيتُ على جدران ثلاثة مخيمات للفلسطينيين زرتها في لبنان عام 2011 لافتات تحيي إردوغان "البطل".

على نحو مماثل اخترقت تركيا عام 2010 الحصار الإسرائيلي لغزة بأسطول مافي مرمرة، فاعتبر العالم الإسلامي إردوغان القائد الذي طال انتظاره، لكن التطورات اتخذت منحى مختلفاً، فقد هاجمت إسرائيل السفينة وقتلت تسعة أشخاص على متنها، فوضع عندئذٍ إردوغان ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل: على هذه الأخيرة الاعتذار، تقديم التعويض لأهل الضحايا، ورفع الحصار عن غزة.

ولكن وراء التوتر والتصادم الظاهريين، لم تكن المسائل سيئة إلى هذا الحد بين أنقرة وتل أبيب، ففي عام 2010، ألغت تركيا رفضها انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتلا ذلك تراجعها عن رفضها مشاركة إسرائيل في تدريبات حلف شمال الأطلسي، كذلك استمر التعاون العسكري في الكواليس وازدهرت التجارة مع إسرائيل، فضلاً عن أن كلا البلدين شكلا عدوين شرسين للنظام السوري، ورغم ذلك ظل إردوغان في نظر الإسلاميين المناضل الأول في سبيل فلسطين. ولكن بما أن التطورات في سورية لم تسِر كما هو مخطط له، اضطر إردوغان إلى الإعلان في شهر يناير: "تحتاج إسرائيل إلى دولة مثل تركيا في المنطقة، ونحن نتقبّل أيضاً حاجتنا إلى إسرائيل". صحيح أن تركيا دخلت المشهد الإقليمي بشعار "لا مشاكل مع الجيران"، إلا أنها سرعان ما عادت كل جيرانها، ونظراً إلى المشاكل التي واجهتها أيضاً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أدركت تركيا أن المصالحة مع إسرائيل خطوة ضرورية، فقد سبق أن اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2013 عن حادثة مافي مرمرة بعد ضغط كبير من الرئيس الأميركي باراك أوباما. كذلك توصل البلدان إلى اتفاق يقضي بدفع تعويض بقيمة 20 مليون دولار، وهكذا يكون الشرط الوحيد المتبقي رفع الحصار عن غزة، لكن هذا الشرط لم يُحقَّق وأُعطيت الأولوية للشروط الإسرائيلية، وفي 27 يونيو أُعلن التوصل إلى اتفاق مصالحة وُقع في 28 منه. يسمح هذا الاتفاق لتركيا بتزويد قطاع غزة بمساعدات إنسانية، لكن إسرائيل التي لم توافق مطلقاً على رفع الحصار، طالبت بأن تمر هذه المساعدات الإنسانية أولاً عبر مرفأ أشدود كي تخضع لتفتيش أمني، وهكذا حصلت إسرائيل على مرادها وما كان أمام أنقرة أي خيار غير القبول. أما المسألة الأخرى التي كان لإسرائيل دخل فيها، فتشمل الدعاوى القضائية التي قدمتها تركيا ضد الجنود والمسؤولين الإسرائيليين الذين حمّلتهم مسؤولية الاعتداء على السفينة، لكن أنقرة وافقت على التنازل عن كل هذه الدعاوى.

علامَ حصلت إسرائيل أيضاً؟

لم تأتِ تركيا على ذكر البنود التي تخدم مصالح إسرائيل، إلا أن صحيفة يديعوت أحرونوت عددتها:

• تبذل تركيا قصارى جهدها للعثور على مواطن إسرائيلي اختفى في غزة عام 2014، فضلاً عن جثتَي جنديين قُتلا في عمليات سابقة.

• لا تستعمل حركة حماس تركيا كقاعدة للنشاطات المناهضة لإسرائيل.

• تمتنع كل الأطراف عن أي عمل قد يعوق مصالحهم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

• تناقش كلتا الدولتين مسألة إقامة خط أنابيب للغاز الطبيعي يتيح لإسرائيل تصدير مخزونها عبر تركيا، فتتلقى هذه الأخيرة الغاز الإسرائيلي وتنقله إلى الأسواق الأوروبية.

سيخضع هذا الاتفاق لتصديق البرلمان التركي ولموافقة الحكومة الإسرائيلية.

ولكن هل يكبّد هذا الاتفاق إردوغان، الذي تلاعب حتى اليوم بمشاعر ناخبيه بإطلاقه تصريحات مثل "لا تستطيع إسرائيل وتركيا تطبيع العلاقات قبل أن تنتهي الأعمال الوحشية"، كلفة سياسة كبيرة؟

إليك الوقائع: صحيح أن الإسلاميين لن تفرحهم خطوة مماثلة، لكن ماكينة العلاقات العامة التابعة للحكومة تستطيع حبك قصة انتصار من كل هذه التطورات. لنتأمل في طريقة تعاطي إردوغان مع هذه المسألة: استضاف أولاً زعيم حماس خالد مشعل، ثم اتصل هاتفياً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ليطلعه على هذه التطورات، وهكذا أعطى الانطباع أنه حصل على موافقة الجانب الفلسطيني، أوليست هذه خطوة ذكية؟ في تقييمه الأولي تفادى إردوغان تناول مسألة الحصار، وقدّم التخفيف منه كما لو أنه رفع له، كذلك أعلن إردوغان خبراً جيداً عن أن 14 طناً من المساعدات الإنسانية ستصل إلى غزة قبل عطلة عيد الفطر في نهاية شهر رمضان، قائلاً: "سيحتفل إخواننا الفلسطينيون بعيد ثانٍ، وقمنا بكل ذلك بالتشاور مع مشعل وعباس". لم يتذكر أحد أن عباس طلب تنسيق العمليات الإنسانية التركية مع السلطة الفلسطينية لا مع حماس. بالإضافة إلى ذلك عمدت وسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا، كما لو أنها مدفوعة إلى ذلك، إلى تقديم التحليلات بشأن إقامة تحالف بين تركيا، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية، وقطر بغية نشر الاستقرار في المنطقة.

ولكن ماذا عن الضحايا؟ أعلنت هيئة الإغاثة الانسانية وحقوق الانسان والحريات في تركيا، التي تتعاون مع الحكومة السورية والتي نظّمت أسطول مافي مرمرة، بكل وضوح معارضتها الصفقة مع إسرائيل. رغم ذلك تبدو القاعدة الشعبية الداعمة لإردوغان (باستثناء شريحة صغيرة تقف حقاً إلى جانب فلسطين) مستعدةً للإصغاء بفخر إلى ملحمة النصر التي صاغها لهم.

فهيم تشتكين Fehim Tastekin

نظراً إلى المشاكل التي واجهتها تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أدركت أن المصالحة مع إسرائيل خطوة ضرورية

صحيح أن الإسلاميين لن تفرحهم المصالحة لكن ماكينة العلاقات التابعة للحكومة تستطيع حبك قصة انتصار من هذه التطورات
back to top