ليلة دموية ببغداد... وحجارة على العبادي
إيران تلعب على تناقضات الأنباريين... والمالكي يعود مع سليماني
ضرب تفجيران إرهابيان، تبناهما تنظيم «داعش»، العاصمة العراقية بغداد، ليل السبت- الأحد، واستهدف أولهما شارعاً تجارياً مكتظاً في حي الكرادة، موقعاً أكثر من 150 قتيلاً، في حين قُتل 12 بالتفجير الآخر في حي الشعب. وزار رئيس الوزراء حيدر العبادي أمس موقع التفجير في الكرادة، وتوعد بالقصاص من مرتكبيه، إلا أن بعض السكان رشقوا موكبه بالحجارة وعلب الماء احتجاجاً على الخرق الأمني الكبير.على مستوى آخر، تبدي طهران صبراً واضحاً إزاء نتائج «انتصار الفلوجة»، الذي صنع من بعض الضباط والجنرالات في الجيش العراقي نجوماً صارت محبوبة عند الجمهور، تكافئ أو قد تسرق الأضواء من رموز «الحشد الشعبي» الذي تدعم طهران معظم فصائله.
وتحاول طهران استيعاب هذه التطورات عبر تحركات في بغداد وأخرى في الأنبار، إذ تدخل كطرف مؤثر في الصراعات السنية رغم أن دورها ليس حاسماً بعد. وتتبنى إيران وحلفاؤها نظرية مفادها أن المدن السنية التي يجري تحريرها من «داعش»، لابد أن يكون فيها النفوذ لقادة سنة موالين لإيران، بينما تتبنى الولايات المتحدة فرضية معاكسة بالطبع لتأهيل قادة سنة يدعمون الجهد الأميركي في المنطقة ويوازنون المعسكر الآخر.ونجحت الطريقة الإيرانية إلى حد كبير في محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت، ويبدو أنها مرشحة للنجاح في ديالى المحاذية للحدود الإيرانية. أما الأنبار فتشهد ما يكفي من الصراعات الداخلية التي تتيح للإيرانيين أن يلعبوا على خطوط التنافس بين الأطراف السنية هناك، وقد كان لافتاً يوم الجمعة الماضي زيارة السفير الأميركي ستيوارت جونز لمحافظ الأنبار صهيب الراوي، الذي ينتمي إلى «الحزب الإسلامي» (إخوان العراق) بما يشبه الدعم للمحافظ في معركته ضد جناح آخر في الأنبار يريد الإطاحة به، وهي منافسة شرسة يخوضها الحزب مع الوقف السني. وفي نفس الوقت كان رئيس الوقف السني الشيخ عبداللطيف الهميم يقيم أول صلاة جمعة في الفلوجة بعد تحريرها من «داعش»، ويصلي خلفه عدد من الشخصيات الشيعية الموالية لـ»الحشد الشعبي».وبموازاة ذلك ثمة محاولات الفصائل المقربة من إيران تهدف إلى استيعاب بعض القوات العشائرية السنية التي تعمل أميركا على تسليحها وجعلها قوة دفاع ذاتي لصد نفوذ إيران أو كبح جماحها، ويستغل الإيرانيون أن مقاتلي العشائر طرف جديد لا يعترف بـ»الحزب الإسلامي» ولا الوقف السني ويعتقد أن مَن حمل السلاح هو الذي ينبغي أن يحكم الأنبار!وإذ بات من الممكن رؤية المواجهة الأميركية- الإيرانية في الأنبار بعد معركة الفلوجة بنحو أوضح، خصوصاً كلما اقترب الجيش من حدود السعودية والأردن وسورية، فإن نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، يستكمل جهود إيران، ويحاول العودة إلى الواجهة في بغداد، فبعد صعود نجم القوات الحكومية بدأت فصائل «الحشد» المقربة من طهران محاولات لإثبات دورها في الحرب وأحرجت العبادي بانتهاكات خطيرة، ثم دخل المالكي على الخط وحرص أن يظهر في صورة داخل منزله بـ»الدشداشة التقليدية» وهو يستقبل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي زار منزل العائلة.ويقول الخبراء إن ظهور المالكي المكثف في الصحافة هذه الأيام يعود إلى رغبته في إحداث توازن مع العبادي والجيش النظامي، لمصلحة «الحشد» وسليماني، لما لذلك من دور جوهري في تقسيم الأدوار داخل معركة الموصل التي بدأت قواطعها الجنوبية تتحرك بقوة.ولن تكون الموصل مواجهة تقليدية بين إيران وأميركا، بل مع تركيا المحاذية، ومع القوى الكردية المنقسمة بين مقاتلين ذوي صلة جيدة بالغرب وأنقرة، وآخرين مقربين إلى طهران ودمشق مثل حزب العمال الكردستاني.ويمكن أن تمثل الموصل أقصى درجات التصعيد داخل معسكر «أعداء داعش» وهو معسكر متناقض لا يجمعه سوى معاداة «داعش»، ويكافح العبادي للتنسيق بالحد الأدنى بين فصائله المتصارعة، وهي مهمة صعبة خاصة أن عين العبادي الأخرى لاتزال تراقب زعيم التيار الصدري الذي قد يجهز لاحتجاجات عنيفة بعد عيد الفطر.