مرت الأسواق النفطية خلال الأشهر الماضية بأسوأ انهيار لأسعار النفط منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما حكم بالموت على عدد كبير من منتجي النفط الصخري، لكن هذه الانتكاسة عجّلت أيضاً في خفض تكلفة التكسير الهيدروليكي، وتحسين التقنيات، التي ما زالت قيد التطوير.

ويرى منتجو النفط الصخري الأميركي، أن سعر 40 دولاراً هو المعادل الحالي لسعر 70 دولاراً من قبل، فمنذ أقل من عام، كانت شركات النفط الصخري الرئيسية، تقول إنها تحتاج النفط فوق 60 دولاراً للبرميل حتى تنتج المزيد، والآن يقول البعض، إنهم سيقبلون بأقل من ذلك بكثير عند البت فيما إذا كانوا سيزيدون الإنتاج بعد أسوأ انهيار لسعر النفط في عقود.

Ad

وتسلط تصريحات منتجي النفط الصخري الأخيرة الضوء على المتانة الجديرة بالملاحظة، التي يتمتع بها القطاع، وهي توجه أيضاً رسالة تحذير للمنافسين والتجار، تقول إن تراجع إنتاج النفط الأميركي، الذي سيسهم في انحسار تخمة المعروض العالمي وتعافي الأسعار، قد يكون قصير الأمد مقارنة بما قد يتوقعه البعض.

ويرى المراقبون، أن أي زيادة في الأسعار، ستقابلها زيادة في إنتاج النفط الصخري. وأن مالم يكتشف من النفط حتماً هو أكبر بكثير مما تم اكتشافه، أضف إلى ذلك اعتماد المنتجين الصخريين الكبير على البحث و التطوير، مما سيقلل تكاليف الاستخراج بشكل أكبر في المستقبل، ويعني أن عدد المستثمرين في هذه الصناعة سيزيد، لأنهم حتماً سيتمكنون من جني أرباح، في حين يعيش منتجو النفط التقليدي تحت رحمة قوى العرض والطلب.

ويتوقع الخبراء، أن تستمر ثورة النفط الصخري فترة طويلة، مشيرين إلى أنه قبل ست سنوات، لم يسمع أحد عن النفط الصخري بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجه، لكن مع التطور التقني حدثت ثورة وقفزات كبيرة في إنتاج النفط الصخري.

كما أن تكلفة إنتاج النفط الصخري، مع التطور التقني، قد تستمر بالانخفاض حتى تصل إلى مستويات إنتاج النفط التقليدي نفسها بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وأشارت تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى أن العالم لديه 345 مليار برميل من النفط الصخري، القابلة للاستخراج من الناحية الفنية، تتركز في عشر دول بجانب أكثر من 7 آلاف تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري، وفقاً لبيانات 2013.

وتعد روسيا، أستراليا، الصين، الأرجنتين والمكسيك من أغنى الدول من حيث توفر احتياطيات النفط الصخري، وتسعى هذه الدول إلى تفعيل تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، التي توظفها شركات أميركية للاستفادة من هذه النوعية من النفط على المستوى التجاري.

ونقلت دراسة، أعدها المعهد الفرنسي للهيدروكربون غير التقليدي، أن المعلومات المتوافرة عن احتياطات النفط الصخري واعدة في ثلاث دول رئيسة، هي الولايات المتحدة الأميركية والأرجنتين والصين.

ولفتت الدراسة إلى أن احتياطات النفط الصخري منتشرة في القارات الخمس، لكن يجب الحذر عند الكلام عن توقعات الاحتياط العالمي.

وعلى الرغم من استمرار تراجع منصات الحفر في أميركا، فإن ارتفاع أسعار النفط المتوقع في الربع الثالث من هذا العام، سوف يحفز على تماسك شركات النفط الصخري، ويوقف ترنحها، لكن العوامل البيئية هي التي ستشكل ضعطاً متنامياً على التراخيص الجديدة، وعلى تكاليف إنتاج الشركات القائمة.

وعلى الجهة المقابلة، يرى كثيرون أن مثل هذه الآراء والتقارير غير دقيقة حيث إن كثيراً من شركات النفط الصخري أعلنت إفلاسها، وخرجت من السوق، ولم تبق إلا شركات كبيرة تستطيع التحمل إلى حد ما، كما أن الاستمرار في الإنتاج، رغم انهيار الأسعار إلى مستويات متدنية، كان بسبب التكاليف «مسبقة الدفع».

كما يرى المشككون بقوة النفط الصخري عدم سهولة إيقافه أو إعادة الإنتاج، وخلال فترة وجيزة، مثل النفط التقليدي، لأسباب تقنية، كما أن صناعة النفط الصخري هي صناعة مكلفة، وثبت أنها محفوفة بالمخاطر بالنسبه للممولين «البنوك»، لذلك فإن عودة الشركات المفلسة للإنتاج والحصول على الدعم المالي، ليسا بالأمر اليسير، حيث ستطلب البنوك فوائد عالية للتمويل لضمان حقوقها وتحوطاً من المخاطر.

وبين المتفاءل والمتشائم بتأثير النفط الصخري على الأسواق النفطية، يرى الخبراء أن هناك حقيقة يجب ذكرها، وهي أن نمو إنتاج النفط الصخري المتسارع، كان درساً لمنتجي النفوط التقليدية، وخصوصاً دول الخليج، التي عليها أن تسعى وتتهيأ لكل تحديات الطاقة، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة، من خلال إعداد استراتيجية عربية للطاقة المتجددة وتكاملها.

ويجب أيضاً اعتماد استراتيجية للبحث والتطوير، وتفعيل مراكز البحث الجامعية، وفي المؤسسات والشركات ذات العلاقة، والاستثمار في شركات تكنولوجيا الطاقة المتجددة.

لكن يبقى السؤال: هل سيرفع منتجو النفط التقليدي شعار «إن عدتم عدنا» ضد منتجي النفط الصخري وترجع الأسعار الى الانخفاض؟