هل يعقل أن يصل بنا الأمر أن نرى أبناء الأمة التي وصفها الخالق بكتابه الكريم "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" يتعاونون من أجل قتل أبيهم وأمهم نحراً إمعانا في الأذى والتعذيب، وقد أمرنا الله سبحانه بالإحسان إليهما بقوله تعالى "فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ".

في إحدى الزيارات لمدينة "دزني لاند" التي قمت بها برفقة العائلة، وبعد خروجنا توجهنا إلى محطة القطار الذي ينقل الزائرين إلى مواقف السيارات، وقد شيد على ارتفاع معين، كان يسير بجانبي رجل في الأربعينيات من عمره يدفع أمامه كرسياً متحركاً يجلس عليه رجل مسن، دنوت من الرجل في محاولة لمساعدته، وقد بدأ العرق يتصبب منه نتيجة الإجهاد وارتفاع درجة الحرارة، وما كدت أمد يدي حتى بادرني بقوله: "شكراً لك، ولكن أرجوك دعني أقوم بذلك بنفسي إني أشعر براحة تامة، وأنا أحاول أن أرد بعض الإحسان لهذا الأب الذي أفنى عمره في تربيتي".

Ad

احترمت الرجل وطلبه وواصل السير والدفع بنفسه، وهنا لو رفعنا الدين إلى مكانته العالية وتساءلنا: من أقرب إلى تطبيق التعاليم السماوية، ذلك الرجل الذي حمل والده وجاب به الدنيا ليرد له بعض الإحسان أم هذا الذي حمل السكين لينحر أباه وأمه؟

ثم هل وصلنا إلى هذه المرحلة من السوء ليقوم الأخ بقتل أخيه وأيضا "نحراً"، وقد قال الحق سبحانه وتعالى "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ" فبدأ الخالق بالأخ تأكيدا لمكانته، كما دعا سيدنا موسى عليه السلام ربه بأن يشد أزره بأخيه بقول الحق سبحانه "وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي"، فأي جنة يطمع بها ذلك القاتل، وبماذا يجيب ربه: لماذا قتلت أخاك؟ ترى من أين أتت تلك الأفكار المتطرفة؟ ألا يستحق الأمر وقفة شجاعة وجادة لدراسة هذه الظاهرة، وإعادة النظر في مناهجنا التعليمية؟

ولكن، ومجرد تساؤل: ألا يمكن أن يكون ما نشهده هو جزء من سياسة القفز للخارج وخلق أعداء خارجيين.

قبل نشر هذا المقال عرضت الفكرة على أحد الأعزاء ممن اعتز برأيهم فبادرني بالسؤال: ألا تعتقد أن هناك من هو أقدر منك على طرح هذا الموضوع ومناقشته؟ فرددت عليه بدون تردد: نعم، بالتأكيد، وكم كان بودي أن ينبري مشايخنا الكرام بكل قوة وإيمان لإدانة هذه الأعمال وأمثالها من عمليات انتحارية يروح ضحيتها العديد من الأبرياء، وكم بودي- وفي اعتقادي أن هذا المطلوب- من كل مشايخنا الأفاضل بكل توجهاتهم التي من المفترض أن تكون واحدة التصدي لعمليات القتل وترويع الآمنين، ولا شك أن من يسكت أو يتخاذل يكون شريكا في الإثم.

دعاؤنا للمولى القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

"قلب الأم"

هي قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي:

"قلب الأم" أغرى امرؤٌ يوماً غُلاماً جاهلاً

بنقوده حتى ينال به الوطرْ

قال: ائتني بفؤادِ أمك يا فتى

ولك الدراهمُ والجواهر والدررْ

فمضى وأغرز خنجراً في صدرها

والقلبُ أخرجهُ وعاد على الأثرْ

لكنه من فرطِ سُرعته هوى

فتدحرج القلبُ المُعَفَّرُ إذا عثرْ

ناداه قلبُ الأمِ وهو مُعفَّرٌ:

ولدي ، حبيبي ، هل أصابك من ضررْ؟

فكأن هذا الصوتَ رُغْمَ حُنُوِّهِ

غَضَبُ السماء على الوليد قد انهمرْ

ورأى فظيع جنايةٍ لم يأتها

أحدٌ سواهُ مُنْذُ تاريخِ البشرْ

وارتد نحو القلبِ يغسلهُ بما

فاضتْ به عيناهُ من سيلِ العِبرْ

ويقول: يا قلبُ انتقم مني ولا

ترحم فإن جريمتي لا تُغتفرْ

واستلَّ خنجرهُ ليطعنَ صدرهُ

طعناً سيبقى عبرةً لمن اعتبرْ

ناداه قلبُ الأمِّ: كُفَّ يداً ولا

تذبحْ فؤادي مرتين على الأثرْ