من منا لم يتابع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ذلك الخروج الذي أصاب العالم بذهول والبريطانيين بانقسام غير مسبوق حول سرعة هذا الخروج من المنظومة الإقليمية عبر آلية الاستفتاء المباشر، وباختصار فقد تعددت الأسباب والخروج واحد، فمؤيدو الخروج يلقون باللوم على الحدود، فبعد انصهارها بالبوتقة الأوروبية لم تستطع القارة مواجهة الأمواج العاتية من المهاجرين طالبي اللجوء والعمل، فقوبلت بأحزاب يمينية متشددة رافعة شعار تعزيز الهوية الأوروبية وحمايتها من غزو الهويات الأخرى، أما معارضو الخروج البريطاني فيخشون الخسارة الاقتصادية وسط غياب خطة ما بعد الخروج. فهل تتبع بريطانيا النموذج النرويجي وتبقى خارج الاتحاد وعضوة بالسوق المشتركة؟ أم تدخل في عزلة لتعيد ترتيب أولوياتها الاقتصادية والسياسية؟

في فترة الثمانينيات مرت القارة السمراء بهواجس الاندماج والانفصال أيضا، وابتدأت تتلمس طريقها نحو التكامل والاندماجية، وعندما بحث ممثلو الدول الإفريقية عن الدافع لإنشاء الاتحاد وجدوا سببا فاعلا ألا وهو تخفيف الاعتماد على جنوب إفريقيا التي تبنت التمييز العنصري آنذاك، ومن اللافت للنظر أن القارة السمراء كانت في فترة الثمانينيات تعيش أحلام الاتحاد والاندماجية، كما كانت دول الخليج في الوقت ذاته، فدول إقريقيا أسست مشاريع اندماجية عديدة أبرزها الجماعة الاقتصادية لدول الغرب الإفريقي والاتحاد المغاربي والجماعة الجنوبية.

Ad

أما دولنا الخليجية فأثناء الحرب العراقية الإيرانية في بداية الثمانينيات فاتجهت الأجواء السياسية والثقافية الخليجية أيضاً إلى الاندماجية الإقليمية، مندفعه نحو تشكيل إطارين أساسيين حول دول الخليج، الأول الإطار الأمني للمنطقة لحمايتها من التقلبات السياسية المجاورة والحروب التي اشتعلت بالدول المجاورة، والثاني الإطار الاقتصادي لتشكيل شبكة اقتصادية تتمكن من خلالها الدول الخليجية من إيجاد لغة مشتركة لمحاورة عمالقة الاقتصاد العالمي، وللتعامل مع انتهاء الحرب الباردة كدول اختار أغلبها عدم الانحياز للأطراف التنافسية آنذاك.

واليوم أصبح نموذج الخروج البريطاني متاحا أمام التكتلات الإقليمية، فهل تضعف قوى التصاق الدول فتتفكك المجالس الإقليمية؟ أم تزداد التصاقا واندماجا؟ أم تحتذي حذو النرويج فتخرج من بوابة السياسة وتتمسك ببوابة الاقتصاد؟

خلاصة الأمر، باعتقادي أن مجلس التعاون قد قدم نموذجاً ناجحاً، وليس أمامه إلا العمل على توسعة المؤسسة الاقتصادية الخليجية لتصبح عالمية.

كلمة أخيرة:

عادت الهواجس الأمنية لتخيم على المنطقة ملقية الأعباء على أكتاف مؤسساتنا التعليمية والثقافية، والمطلوب تحريك عجلة الاستثمار البشري الشبابي بأسرع وقت، والحفاظ على حرية التعبير عن الرأي بتوجيه سليم حتى لا تفسده السلوكيات السلبية التي غذتها وسائل التواصل الاجتماعي.

وكل عام وأنتم بخير.