قبل عامين قرر الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا إيلون ماسك السماح بحرية الوصول لبراءات اختراع شركته لأي شخص، وهو توجه يتعارض تماما مع السلوك التنافسي التقليدي، إذاً لماذا تقوم شركة ما بالتخلي عن تصاميمها وتقنيتها التي اكتسبتها بشق الأنفس لمنافسيها؟

بغض النظر عن رأينا في ماسك فإنه يجب تقدير شجاعته فهو يعيد كتابة أحكام الأعمال التجارية وقواعدها على أساس الاعتقاد بأن نجاح شركة تيسلا يعتمد على كامل سوق السيارات الكهربائية وبأن المصالح التجارية لشركته لا يمكن فصلها عن مصالح المجتمع.

Ad

إن الاستراتيجية غير التقليدية لماسك تهدد بأن تقلب صناعات كاملة رأسا على عقب لمصلحة الجميع، ولو نجحت براءات الاختراع المفتوحة لتيسلا في جلب لاعبين آخرين للقطاع فإن ذلك قد يحول منتجاً يعدّ منتجاً لقطاع متخصص إلى ظاهرة تصل إلى كامل السوق، وهو تحول قد يحرز تقدماً ملحوظاً في المعركة ضد التغير المناخي.

لا سبب لسؤال ماسك ما إذا كان يحاول محاربة التغير المناخي أو يحاول جني الأموال فقط، فهو يقوم بالاثنين معا، علما أن مثل هذا النوع من الرأسمالية التي تأخذ الشأن العام بعين الاعتبار ستكون مطلوبة لنجاح الشركات في المستقبل.

نحن نعيش في عصر التحول الضخم، وهو عصر سيكون فيه التركيز على النتائج المالية القصيرة المدى فقط بمثابة وصفة للانقراض وسيكون فيه التعامل مع الاحتياجات المجتمعية متوافقا بشكل كامل مع الربحية الطويلة المدى، وفي حين تبدو هذه النظرة غير تقليدية حاليا فإن الوقت سيثبت أن هولاء الرواد كانوا محقين، ففي السنوات القادمة ستتبوأ الشركات الناجحة دورا طليعيا في التعامل مع أكثر تحديات التنمية إلحاحا في عصرنا، كل شيء من الفقر والمرض حتى التغير المناخي.

انظر إلى شركة م –كووبا في كينيا، وهي شركة تقوم بتركيب عدة الطاقة الشمسية وتقوم بتحصيل المدفوعات من خلال الهواتف النقالة، وبسبب توفير الكهرباء بأسعار أرخص مقارنة بما كان قد سيدفعه زبائنهم من أجل الحصول على الكاز لغايات الإضاءة فإن م- كووبا تكون بذلك قد قدمت الطاقة الشمسية لأكثر من 33000 منزل لأصحاب الدخل المحدود في كينيا وأوغندا وتنزانيا، علما أنه يتم عمل المزيد من التوصيل بمعدل 500 منزل يوميا.

إن التخلص التدريجي من الكاز لديه تأثير كبير على حياة زبائن م –كووبا وصحة أطفالهم والبيئة، لكنه لا يمكن اعتبار الشركة جمعية خيرية، فمن المتوقع أن تصل إيراداتها إلى 60 مليون دولار أميركي سنة 2016، حيث زادت تلك الإيرادات بنسبة 400% خلال سنتين. وهناك مثال آخر من بيرو، إذ إن أكثر من 30 مؤسسة مالية اختارت طريقا غير تقليدي كذلك للربحية والعمل معا من أجل تأسيس موديلو بيرو وهي منصة توفر خدمات مالية رقمية.

وإذ كانت التعاملات النقدية في بيرو هي القاعدة فإن الشركات المشاركة في المشروع قررت أن من مصلحتها جميعا إنشاء منصة وطنية واحدة للدفعات من خلال الهاتف النقال، وعملت مع الحكومة وأربع شركات اتصالات لبناء تلك المنصة، واليوم فإن عدد مواطني بيرو الذين لديهم القدرة على الوصول لخدمات مالية بأسعار معقولة قد زاد بشكل كبير، والمؤسسات التي تقف خلف ذلك المشروع قد اكتسبت حرية الوصول لعدد أكبر بكثير من المستهلكين مقارنة بالعدد الذي كانوا سيصلون إليه لو قاموا بتطوير منصة رقمية منفصلة. وإن مؤسستي، مؤسسة التمويل الدولية، تعرف أيضا قيمة إعادة كتابة الأحكام والقواعد، ففي سنة 2006 قمنا بإدخال مقاييس الأداء من أجل مساعدة الشركات التي تتعامل معنا على التقليل من المخاطر، وذلك بتطبيق مبادئ بيئية واجتماعية وإحراز تقدم في قيادة القطاع الخاص في التنمية المسؤولة.

ففي البداية كانت المؤسسات المالية متشككة في مقاربتنا، فاعتبروا أن تطبيق مقاييس صارمة كطريقة مؤكدة لخسارة الأعمال والأرباح ولكن خلال سنوات قليلة تعاونت تلك الشركات معا لتأسيس إطار لإدارة المخاطر يدعى "مبادئ إيكويتر" على أساس المقاييس البيئية والاجتماعية.

واليوم تطبق مقاييسنا على تمويل المشاريع في جميع أرجاء العالم، وتلك المقاييس ساعدت في تكافؤ الفرص ضمن القطاع المصرفي، وبالإضافة إلى ذلك نحن نساعد البلدان ومن خلال شبكة الصيرفة المستدامة- رابطة للبنوك المركزية والجهات التنظمية وجمعيات التجارة المالية- في تطوير سياسات وطنية لتعزيز التمويل الأخضر، حيث نجد تزايد الاهتمام بمثل هذا النوع من الخبرات ضمن الحكومات والقطاع الخاص. فالعالم لديه الزخم والوسائل لإنشاء سوق كبير للتمويل المستدام، بحيث يتم اتخاذ قرارات الاستثمار على أساس المقاييس البيئية والاجتماعية ومعايير الحكم الرشيد بالمقدار نفسه الذي يتم بموجبه اتخاذ مثل تلك القرارات على أساس الجدارة الائتمانية، وإن لدى الشركات التي وقعت على مبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول أصولاً مشتركة تحت الإدارة تصل إلى مبلغ 60 تريليون دولار أميركي.

وهناك أعداد متزايدة من الشركات تقر بأن صيغة النجاح اليوم تتضمن التركيز على الاحتياجات المجتمعية الملحة، وكما اكتشف ماسك أن الذكاء هو التعامل مع تلك الاحتياجات بوسائل تكون مربحة ومستدامة على المدى الطويل، فإن التوصل لحل تجاري مفيد سيكون بعمل جماعي لتسهيل نشره على نطاق واسع، كما أن وجود الرغبة لتحدي الافتراضات وتغيير المفاهيم التقليدية سيغير العالم للأفضل.

* إيثيوبيس تافارا نائب الرئيس لمخاطر الشركات والاستدامة ومستشار عام في مؤسسة التمويل الدولية.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»