بعد 7 سنوات من الانتظار والتأجيل المتكرر، أصدرت لجنة التحقيق البريطانية حول حرب العراق، برئاسة السير رئيس جون شيلكوت أمس، تقريرا طويلا مؤلفا من 2.6 مليون كلمة، ويعتقد انه كلف نحو 11 مليون جنيه إسترليني، وتضمن انتقادات للحكومة البريطانية السابقة برئاسة توني بلير، والتي اتخذت قرار المشاركة في الحرب.

وقال شيلكوت، في تقريره، إن الأسس القانونية للتدخل العسكري لم تكن مرضية، وإن بريطانيا اجتاحت العراق بشكل سابق لأوانه دون أن تحاول "استنفاد كل البدائل السلمية للوصول الى نزع أسلحة البلاد"، مضيفا أن "العمل العسكري لم يكن آنذاك حتميا".

Ad

وأضاف التقرير ان لندن استندت إلى معلومات أجهزة استخبارات لم يتم التحقق منها بشكل كاف، وان ما تردد عن خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية لم يكن مبررا.

واعتبر رئيس اللجنة أيضا أنه "رغم التحذيرات، تم التقليل من شأن عواقب الاجتياح"، مضيفا أن "المخططات والتحضيرات للعراق في فترة ما بعد صدام حسين لم تكن مناسبة على الإطلاق".

وشدد التقرير على أن غزو العراق لم يكن صائبا، ولم يحقق الأهداف التي أعلنتها الحكومة، وان استعداد المملكة المتحدة للحرب لم يكن مناسبا، لافتا الى أنه "تم تحذير رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بأن الاجتياح العسكري للعراق سيزيد نشاط القاعدة في بريطانيا، والاسلحة الموجودة ستنتقل إلى أيدي الإرهابيين".

وقال: "حددنا في تقريرنا كيفية التعامل مستقبلا مع المعلومات الاستخباراتية"، مضيفا أن "سياسات حكومة بلير افترضت ان العملية ستتم بتفويض من الأمم المتحدة، وبريطانيا أضعفت سلطة مجلس الأمن بالتصرف دون الحصول على تأييد الأغلبية للتحرك العسكري".

واردف التقرير ان "واشنطن أبلغت بلير بأنه سيكون هناك تفويض من الأمم المتحدة في مرحلة تالية".

تقرير قاس

ومضمون هذا التقرير يعتبر قاسيا بالنسبة لبلير، الذي قالت اللجنة إنه وعد عام 2002 الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بالوقوف معه "مهما حدث" حتى قبل حرب العراق.

واستمعت اللجنة في إطار تحقيقها الى 120 شاهدا، بينهم بلير وغوردن براون الذي تولى رئاسة الحكومة خلفا له.

وهذا التقرير، الذي طلب في 2009 وكان يفترض أن تنشر نتائجه خلال عام، تحول بحد ذاته الى قضية مثيرة للجدل بعد إرجائه مرات عدة، ما دفع عائلات الجنود الذين قتلوا في العراق الى توجيه إنذار للسلطات تحت طائلة ملاحقات قضائية.

عائلات الجنود

وقرر بعض هؤلاء مقاطعة جلسة عرض التقرير في قاعة للمؤتمرات في لندن، فيما تجمع متظاهرون بدعوة من ائتلاف "أوقفوا الحرب". وردد المتظاهرون "لقد كذب بلير، آلاف الأشخاص قتلوا".

وقبل نشر التقرير قال عدد من النواب بدءا بأليكس سالموند من الحزب الوطني الأسكتلندي إنهم ينوون اغتنام الفرصة من أجل بدء إجراءات "إقالة" قد تكون نتيجتها المحتملة تجريد بلير من لقب رئيس الوزراء السابق.

وإجراءات "الإقالة" التي تستند الى قانون استخدم للمرة الأخيرة في 1806 ويعتبر قديما، ترتدي طابعا رمزيا.

وقال محامو عائلات 29 جنديا قتلوا في العراق إنهم سيدققون في تقرير شيلكوت، مضيفين أن التقرير "يمكن أن يشكل أساسا من أجل اتخاذ إجراءات قانونية ضد بلير ووزرائه أو الحكومة بشكل عام".

والتأخير في نشر هذا التقرير يعود أساسا الى الحق بالإجابة الذي منح لجميع الأشخاص الذين تم انتقادهم أو كانوا موضع شكوك.

ولا تزال مسألة التدخل في العراق تؤثر على السياسة البريطانية حتى اليوم. وهذا ما يفسر الامتناع القوي للمملكة المتحدة عن المشاركة عسكريا في أي حرب منذ ذلك الحين، وهذه المسألة تؤرق بانتظام حزب العمال بقيادة جيريمي كوربن.

وكتبت صحيفة "الغارديان" أمس أنه اذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي "هو الحدث السياسي الأهم للبريطانيين منذ الحرب العالمية الثانية، فإن اجتياح العراق في 2003 ليس بعيدا كثيرا عن ذلك".

وأضافت أن "الذين يعيشون في ظل النظام القاتل لداعش أو لنظام بشار الأسد يحق لهم القول إن الاجتياح الذي حدث قبل 13 عاما هو الذين فتح أبواب الجحيم".

بلير

في السياق، علق رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير على أن قراره المشاركة في عمليات غزو العراق، التي قادتها الولايات المتحدة عام 2003، اتخذ "بنية حسنة، ومن أجل ما اعتقدت أنه الأفضل لصالح الدولة".

وردا على ما خلص إليه تحقيق بهذا الشأن، اعترف بلير بأن هناك "انتقادات خطيرة تتطلب إجابات جادة"، واعدا بأن "يرد بالتفاصيل" في وقت لاحق.

وقال بلير: "سأتحمل المسؤولية كاملة عن أي أخطاء دون استثناء أو عذر"، رافضا المزاعم التي تشير إلى أن غزو العراق هو "سبب الإرهاب الذي نراه اليوم، سواء في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في العالم".

كاميرون

من ناحيته، ذكر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن الحكومة بحاجة لاستخلاص الدروس من الأخطاء التي صاحبت استعداد بريطانيا للمشاركة في غزو العراق، في أول رد مبدئي له على صدور نتائج تحقيق شيلكوت.