بوش وهاورد يدافعان عن «حرب العراق»... وبغداد صامتة

خبراء: مشاركة بريطانيا في العملية العسكرية كبلت تحركاتها الخارحية ودفعتها إلى «اللاسياسة»

نشر في 08-07-2016
آخر تحديث 08-07-2016 | 00:04
لا يزال تقرير شيلكوت البريطاني بشأن حرب العراق يثير تداعيات أعادت العالم 13 عاماً إلى الوراء، مستعيداً السجالات التي رافقت قرار إسقاط نظام صدام حسين، خصوصاً أن العراق ما زال يعيش أوضاعاً مأساوية، يردها البعض للقرارات التي تبعت العمل العسكري، مثل حل الجيش العراقي، على سبيل المثال لا الحصر، في حين يعتقد آخرون أن إسقاط صدام بحد ذاته لم يكن مبرراً.
أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، أمس الأول، أنه لا يزال مقتنعا بأن العالم أفضل حالا بدون الدكتاتور العراقي الراحل صدام حسين، وذلك في معرض تعليقه على تقرير "لجنة شيلكوت" البريطانية للتحقيق بشأن حرب العراق في 2003.

وقال فريدي فورد، المتحدث باسم الرئيس السابق في بيان، إنه "على الرغم من الإخفاقات الاستخبارية والأخطاء الأخرى التي اعترف بها سابقا، فإن الرئيس بوش لا يزال يعتقد أن العالم بأسره أفضل حالا من دون صدام حسين في السلطة".

وأضاف البيان أن بوش الذي أمر بالهجوم على العراق عام ٢٠٠٣ "ممتن للغاية لعمل القوات الأميركية والتحالف وتضحياتهم خلال الحرب ضد الإرهاب. ولم يكن هناك حليف أكثر صلابة من بريطانيا، بقيادة رئيس الوزراء توني بلير".

ولفت المتحدث إلى أنه لم يتسن للرئيس الأميركي السابق بعد أن يقرأ تقرير لجنة التحقيق البريطانية الذي نشر الاربعاء في لندن.

البيت الأبيض

من ناحيته، رد البيت الأبيض على تقرير شيلكوت بالقول إن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان "يتعامل مع تداعيات" قرار حرب العراق التي كان يعارضها طوال فترة ولايته.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست: "معارضة الرئيس أوباما لغزو العراق معروفة، وتم بحثها بكثافة".

وأضاف: "الحقيقة أن الرئيس أوباما كان يتعامل مع عواقب هذا القرار طوال فترة رئاسته، وسيتعين على الرئيس القادم أن يفعل ذلك أيضا"، وختم أنه "من المهم تحديدا للولايات المتحدة أن تتعلم الدروس من أخطاء الماضي".

هاورد

بدوره، دافع رئيس الوزراء الاسترالي الاسبق جون هاورد عن قراره المشاركة في الحرب على العراق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، مؤكدا أنه كان مبررا في ذلك الحين، ولم يكن هناك "أي كذب".

وقال هاورد، رئيس الحكومة الأسترالية من 1996 إلى 2007، وكان يعد مع بلير من اكثر حلفاء بوش تأييدا للعمل العسكري في العراق، انه يأسف على الخسائر في الأرواح، لكنه دافع عن قراره.

وصرح في مؤتمر صحافي في سيدني "اعتقد أن قرار الذهاب إلى العراق كان مبررا في تلك الفترة، ولا أتراجع عن ذلك، لأنني اعتقد انه كان القرار الصحيح".

ورداً على سؤال عما اذا كان يرغب في الاعتذار لعائلات العسكريين، قال هاورد: "بالتأكيد أشعر بالأسف للأذى الذي لحق بكل شخص". وأضاف "اذا كنتم تسألونني عما اذا كنت اعتذر عن القرار الذي اتخذته، عن لب القرار، فأنا ادافع عنه. بالتأكيد ادافع عن القرار". وتابع: "لا اتراجع عن ذلك، ولا اعتقد استنادا إلى المعلومات التي املكها انه قرار خاطئ".

وكان رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير أكد أمس الأول أن الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003 كان قرارا صائبا، مؤكدا أن العالم بات "اكثر امانا".

وأعلن أنه يتحمل "كامل المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبت في الاستعداد (لهذه الحرب) وتنفيذها"، متداركا "لكن ذلك لا ينفي حقيقة انني اعتقد اننا اتخذنا القرار السليم"، وأضاف: "كنت سأتخذ القرار نفسه لو كنت في الوضع نفسه".

وأكد تقرير لجنة شيلكوت أن بلير وعد بوش بالوقوف إلى جانبه بخصوص العراق "مهما حدث".

واعتبر شيلكوت في تقريره أن بريطانيا اجتاحت العراق بشكل سابق لأوانه عام 2003 من دون أن تحاول "استنفاد كل الخيارات" الدبلوماسية. وندد باعتماد لندن على معلومات أجهزة استخبارات لم يتم التحقق منها بشكل كافٍ، بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية.

بغداد صامتة

وفي بغداد، ساد صمت رسمي، ولم يصدر أي تعليق من السلطات التي انبثقت عن النظام الجديد بعد إسقاط صدام. وترى الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد أن إسقاط صدام امر ايجابي، لكنها تتحدث عن اخطاء ارتكبت.

وأعلنت اللجنة القانونية النيابية انها لن ترفع أي شكوى ضد بريطانيا او مسؤولين بريطانيين، مشددة على لسان أحد اعضائها بأن إسقاط صدام كان مشروعاً.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد جمال لـ"فرانس برس": "لكن ما هو هذا التقرير؟"، في اشارة إلى عدم الاكتراث.

وقال النائب علي العلاق، المنتمي إلى حزب الدعوة الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، إن الغزو الذي قاده الأميركيون وادى إلى سقوط نظام صدام حسين، بغض النظر عما اذا كان قرارا جيدا ام سيئا، "كانت له اثار كبيرة"، لكنه أضاف: "لا أعتقد أن هذا التقرير سيكون له تأثير بعد كل هذا الوقت".

واعتبر عباس سلمان مهدي (56 عاما) أنه "من البديهي القول ان البريطانيين والأميركيين ارتكبوا اخطاء من خلال شنهم الحرب"، مضيفا "هذا التقرير لا يغير شيئا".

سياسة لندن الخارجية

ويرى خبراء أن مشاركة بريطانيا المثيرة للجدل في حرب العراق في 2003 اثارت شعورا عميقا بالتوجس من عمليات التدخل العسكري ما زال يؤثر اليوم في السياسة الخارجية للبريطانيين.

وقال مالكولم تشالمرز من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (آر يو اس آي)، إن هذه الحرب "اعادت تعريف السياسة الامنية البريطانية"، وأضاف: "يمكن ان تنسب تحفظات الحكومة البريطانية على ارسال قوات برية إلى ليبيا او سورية إلى حرب العراق".

وشاركت بريطانيا في فرض منطقة للحظر الجوي برعاية حلف شمال الأطلسي خلال الانتفاضة على معمر القذافي في 2011. لكن هذه المهمة كانت محدودة.

ويشن البريطانيون حاليا عمليات قصف ضد "داعش"، لكن البرلمان عارض في 2013 توجيه ضربات جوية إلى نظام بشار الأسد.

وقالت جين كينينمونت، من المركز الفكري "شاتهام هاوس"، إن "النقاش الذي جرى حينذاك في البرلمان البريطاني هيمن عليه العراق بالكامل". وأضافت "حتى في 2005 وفي أوج عمليات التطهير الاتني في دارفور، كان من الصعب الدفاع عن عملية تدخل إنساني".

وكانت بريطانيا بررت تدخلها في العراق، بوجود أسلحة للدمار الشامل. لكن بعد الاخفاق في العثور على أي من هذه الأسلحة، اصبح الهدف صدام حسين او تخليص شعب من ديكتاتور.

وصرحت جين كينينمونت بأن هذه الحرب "جعلت الرأي العام يشكك بعمق في عمليات الظتدخل العسكرية، وخصوصا العمليات التي تقدم على انها انسانية".

وقالت جين كينينمونت: "شهدنا الامر نفسه في الولايات المتحدة"، مشيرة إلى ان "الانسحاب الأميركي من التزاماتهم العسكرية في الشرق الاوسط تحول إلى حجة رئيسة في حملة" باراك اوباما الرئاسية عام 2008.

وأوضحت ان البريطانيين، وبدلا من التدخل بشكل مباشر، اصبحوا يعملون اكثر مع القوى في المنطقة، مثل الاردن ودول الخليج. وأضافت "لكن المشكلة ان هذه القوى ليست قوية جدا دائما".

ورأى جون بيو من جامعة "كينغز كوليدج" في لندن أن حرب العراق ادت إلى وضع من "اللاسياسة" حيال سورية ولسنوات من قبل البريطانيين.

وأضاف "توقفنا عن التفكير بجدية في وسائل خفض العنف، وإحلال الاستقرار في المنطقة، والعمل لاقامة ممرات انسانية، وممارسة مزيد من الضغط الدبلوماسي على نظام الاسد".

ويأمل المركز الفكري للمحافظين الجدد "هنري جاكسون سوسايتي" في ألا يؤدي نشر تقرير شالكوت إلى مزيد من الكبح في السياسة الخارجية.

وقال آلان ميندوزا المسؤول في المعهد "كما يحدث في كل نزاع، هناك عدد من الدروس التي يجب استخلاصها".

وأضاف "يجب ألا نستخلص ان كل عمليات التدخل سلبية، او اننا سنكون مسؤولين بشكل ما عن كل التغييرات الكبيرة التي تهز الشرق الأوسط".

وتابع ميندوزا: نشر تقرير شالكوت يجب ان يسمح بتحسين اتخاذ القرار بمعايير تحليلية أكثر صرامة، لكن شرط ألا يؤدي ذلك إلى جمود سيشكل برأيه "خطأ مميتا للأمن البريطاني".

(عواصم - وكالات)

back to top