«التمثيل المشرف»!
لم تعرف السينما المصرية الطريق إلى المهرجانات الدولية من باب إثبات الذات، وإنما من باب الوجاهة تارة والتسويق تارة أخرى، ومن ثم ظلت بعيدة عن الجوائز ومنصات التتويج ردحاً طويلاً من الزمن إلى أن أدركت خطأ وجهة نظرها، وسعت إلى تصويب «استراتيجيتها»، وعرفت أن الطريق إلى الجوائز، وليس «التمثيل المشرف»، ضرورة وليست ترفاً أو سياحة!المثير أن مصر لم تكن بعيدة عن الحضور في أول مهرجان سينمائي عالمي أقيم في إيطاليا، وبالتحديد في مدينة «فينسيا» عام 1932، وكانت دورته الأولى من دون جوائز قبل أن يمنح الجوائز في دورة عام 1934، إذ شاركت في دورة عام 1936 بفيلم «وداد» بطولة أم كلثوم وإخراج فريتز كرامب، لكنها كانت محاولة فردية لم تُسهم الدولة بدور فيها!اللافت للنظر أن «ثقافة المهرجانات»، كالوعي بطبيعة المهرجانات ولوائحها، التي على رأسها التقدم بالأفلام في الموعد المحدد، صارت فضيلة غائبة عن القيمين على السينما في تلك الفترة، وهي آفة ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا، بدليل ضياع فرصة المشاركة بفيلم «بتوقيت القاهرة» إخراج أمير رمسيس في مسابقة الأوسكار عام 2016، إذ يروي الباحث فريد المزاوي أن مصر تقدمت عام 1964 بفيلم «فجر يوم جديد» إلى إدارة مهرجان «فينسيا» بعد شهرين من إغلاق الباب، وسعت للمشاركة عام 1965 في مهرجان آخر بفيلم «الوديعة» بطولة هند رستم رغم أن المهرجان يمنح جوائزه لأفلام الجبال والاستكشاف!
في تلك الفترة، وما بعدها، رفضت مهرجانات كثيرة أفلامنا بسبب «عدم الصلاحية الفنية»، نظراً لانهيار معامل التحميض والطبع، كما اتهم المخرج حسام الدين مصطفى «لجنة المهرجانات» بمحاباة مخرجي الواقعية الجديدة على حساب جيله، وأسهمت سلبية الدولة و{البيروقراطية» في رفض العديد من الدعوات مطالبة المنتجين بتحمل النفقات!مع هذا شاركت مصر في مهرجان «فينسيا» عام 1951 بفيلم «ابن النيل» وشارك «دنيا» في «كان» كما عُرض «ابن النيل» في مهرجان بومباي، و{زينب» و»باب الحديد» في «برلين»، كذلك شاركت في «فينسيا» أفلام: «نساء في حياتي» (1957)، «أنا حرة» (1959)، «الزوجة 13» (1962) و»الحقيقة العارية» (1965)، ومع مطلع الستينيات توترت علاقة مصر ومهرجان «فينسيا» إلى أن اختفى الفتور عام 1970 فشارك فيلم «المومياء»، الذي حظي بإشادة نقدية كبيرة كانت سبباً في عودة الاهتمام بالسينما المصرية، وحضر «المومياء» في مهرجان لندن الرابع عشر، كذلك عُرض في «طهران» و{نيودلهي» و{قرطاج» و{لوكارنو» لكن العجيب أنه لم يكن سبباً في إعادة العلاقات مع «فينسيا»، إذ تكرر الغياب قرابة اثني عشر عاماً إلى أن عدنا عام 1982 بفيلم «حدوتة مصرية»، فيما ظلت العلاقة وثيقة بمهرجان «كان»، الذي شهد أول مشاركة مصرية بفيلمي «سيف الجلاد» و{دنيا» (1946) وتوالت المشاركات بأفلام: «عنتر وعبلة»، «ابن النيل»، «ليلة غرام»، «صراع في الوادي»، «الوحش»، «حياة أو موت»، «شباب امرأة»، «الليلة الأخيرة»، «الحرام»، «الأرض»، «أين عقلي»، «على من نطلق الرصاص»، «العصفور»، «وداعا بونابرت»، «الحب فوق هضبة الهرم»، «عودة مواطن»، «اليوم السادس»، «سرقات صيفية»، الذي عُرض في فالنسيا ولوكارنو ومونتريال وتورنتو، بينما أعاد «إسكندرية كمان وكمان» السينما المصرية للمشاركة في «كان» عام 1990 وبعده عُرض الفيلم التسجيلي «القاهرة منورة بأهلها»، «المصير» «باب الشمس»، «حب البنات»، «إسكندرية نيويورك»، الفيلم التسجيلي «البنات دول»، «18 يوم»، «بعد الموقعة» و{اشتباك». بالطبع لم تنته علاقة السينما المصرية بمهرجان «فينسيا» فشاركت عام 1986 بفيلم «البداية»، «الأبواب المغلقة» 1999، الذي شارك في سالونيك ومونبلييه وقرطاج، «هي فوضى» 2007 و»المسافر» 2009، الذي يُعد رابع فيلم يُشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الإيطالي، بعد «وداد» 1936 «حدوتة مصرية» 1982 «هي فوضى» 2007 «المسافر» في حين عُرض «احكي يا شهر زاد»، «واحد صفر»، «ميكروفون»، «التحرير: الطيب والشرس والسياسي» و»الشتا اللي فات» خارج المسابقة!بدأت المشاركة المصرية في مهرجان «نيودلهي» عام 1952 بفيلم «ابن النيل»، ورغم ذلك انتزعت جائزة أحسن ممثل (نور الشريف) عن فيلم «سواق الأتوبيس» عام 1983 بينما بدأت مشاركتها في مهرجان «برلين» عام 1952 بفيلم «زينب»، ولم تنقطع حتى عام 1964، حيث شاركت بأفلام: «لك يوم يا ظالم»، «ريا وسكينة»، «من غير وداع»، «أين عمري»، «الفتوة»، «حسن ونعيمة»، «دعاء الكروان»، «المراهقات»، «الزوجة رقم 13»، «اللص والكلاب»، «الليلة الأخيرة» و{الأيدي الناعمة»، ولأسباب سياسية غابت عامين ثم عادت عام 1967 بفيلم «المخربون» ثم «خللي بالك من زوزو»، «أين عقلي» و{على من نطلق الرصاص» وعام 1978 انتزع يوسف شاهين جائزة الدب الفضي بفيلم «إسكندرية ليه»، وبعدها ابتعدت السينما المصرية عن المسابقة الرسمية، واقتصرت مشاركتها على تظاهرات موازية بأفلام :{جنينة الأسماك»، «678»، «الحاوي» و{الخروج للنهار»!