الضربة الاستباقية لوزارة الداخلية في إلقاء القبض على ثلاث مجموعات متفرقة تنتمي إلى تنظيم "داعش" وتخطط لتنفيذ هجمات إرهابية في الكويت قوبلت بردود فعل غالبها إيجابي ومبعث ارتياح للشعب الكويتي، في مقابل بعض المشككين برواية الداخلية باعتبارها نوعاً من البهرجة الإعلامية واستعراضاً للقوة، خاصة أن بعض المتهمين قد بادر إلى تسليم نفسه طواعية، ولهذا أخذ الموضوع ينحى، ولو جزئياً، في الاتجاه الطائفي، أسوة بالكثير من الهزات والأزمات التي يتعرض لها الأمن الكويتي، ثم تذوب دون استلهام الدروس منها أو الاستفادة الحقيقية من نتائجها وتبعاتها الخطيرة بسبب هذا النوع من التعصب.

لكن يبقى أن نحترم الجهد الكبير لرجال الأمن واجتهادهم في فرض هيبة الدولة والحفاظ على سلامة البلد والمواطنين وفقاً للمبادئ القانونية ورعاية حقوق الناس، كما أن الفيصل في مثل هذه القضايا يعود إلى أروقة القضاء في الإدانة أو التبرئة من التهم التي أعلنتها وزارة الداخلية في هذه القضية كغيرها من القضايا السابقة.

Ad

دع عنك قصة المجموعات الثلاث التي ألقي القبض عليها، واعتبارها مجرد اتهامات جاءت بعد تحقيقات أخذت حقها من البحث والتحري والمتابعة، لكن ما هو متيقن أننا في الكويت مستهدفون كغيرنا من مخططات "داعش" الإرهابية، بل إن هؤلاء المجرمين فجروا في مساجدنا وأزهقوا حياة أبناء شعبنا وهم سجود في محراب العبادة في حادثة مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) في رمضان الماضي، كما سبق أن استهدفوا وقتلوا عن عمد رجال الأمن في ما يعرف بقضية نمور الجزيرة، وأحداث فيلكا وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك يجاهر بعض الكويتيين بالقتال في سورية والعراق، والبعض الآخر يتشدق بتجنيد المتطوعين وإرسالهم للجهاد، في حين جمعت الأموال الطائلة لدعم هذه الجماعات وتمويلها، وقد قتل العديد من هؤلاء في الحرب السورية والعمليات الانتحارية في العراق وتم توثيق موتهم رسمياً.

الإرهاب الداعشي الذي طال الآمنين والمسالمين في عموم العالم لم يسلم منه حتى حرم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة، في آخر دليل على أن هؤلاء لا دين لهم ولا ملة سوى السلطة والمال، ولن يقف شرهم عند منطقة الخليج برمتها، فقد فجروا مساجد السنّة والشيعة في السعودية والبحرين والكويت، وهي بلادهم التي آوتهم وربتهم وأنفقعت عليهم في العلم وفي كل ما يحتاجه أي إنسان، رغم المثالب والمشاكل الكثيرة التي تشهدها هذه الدول وتواجه بانتقادات واسعة بسببها.

أحد نواقيس الخطر في إعلان وزارة الداخلية يتمثل بوجود عوائل يحرّض فيها أولياء الأمور أبناءهم، بل يصطحبونهم معهم للانتماء إلى الجماعات المتطرفة ومبايعتها والقتال في صفها، وأن الشباب الذين يتلقون تحصيلهم العلمي في أرقى الجامعات العالمية يهجرون مقاعد الدراسة ليفجروا أنفسهم في المساجد والأسواق وصولاً إلى أشرف بقع الأرض وأقدسها باسم الدين!

لذلك من المهم جداً التعامل مع هذه الأحداث والتطورات بمزيد من الحكمة ومراعاة المصلحة الوطنية، بل المصلحة الشرعية العامة، وألا تكون العاطفة والتعصّب من أسباب التراخي عن التعامل بحزم مع الإرهاب بقصد أو من دون قصد، مع التأكيد على الأبعاد القانونية وحفظ حقوق الجميع في الإجراءات الجزائية والعقابية، فالدواعش قد وصلوا وحان وقت مواجهتهم سياسياً وأمنياً وفكرياً ومجتمعياً كجبهة واحدة!