لماذا التغير المناخي يعتبر قضية تعليمية؟

نشر في 08-07-2016
آخر تحديث 08-07-2016 | 00:10
 بروجيكت سنديكيت إن التغير المناخي يؤثر فينا جميعا، ولكن ما زلنا لا نعمل بالسرعة الكافية لمعالجة أسبابه والتخفيف من الضرر والتأقلم مع تأثيراته، فالعديد من الناس لا يفهمون المخاطر التي يشكلها التغير المناخي على الهياكل العالمية الاقتصادية والاجتماعية، وللأسف فإن العديد من الناس الذين يدركون تلك المخاطر يرفضون الفوائد الكثيرة التي سيجلبها التحول العالمي للاستدامة والطاقة النظيفة.

طبقا لدراسة أجراها مركز بيو للإبحاث مؤخرا فإن سبعة من كل عشر أميركيين يصنفون على أنهم مستقلون سياسيا لا يشعرون بقلق كبير من أن التغير المناخي سيضرهم، والأسوأ من ذلك أن الباحثين من جامعة يال وجدوا أخيرا أن 40% من البالغين في العالم لم يسمعوا مطلقا عن التغير المناخي، وفي بعض الدول النامية مثل الهند يقفز ذلك الرقم إلى 65%.

إن هذه الأرقام غير مشجعة ولكن يمكن تحسينها، فقد خلصت دراسة يال إلى أن "التحصيل العلمي عادة ما يكون المؤشر الوحيد الأقوى للوعي العام بالتغير المناخي"، وإن الاستثمار في التعليم الجيد يعني أنه بإمكاننا وضع الجيل القادم على الطريق الصحيح لمعالجة هذه المشكلة العالمية.

فالتعليم والتغير المناخي يعملان معا من خلال ثلاث طرق، فبادئ ذي بدء يعمل التعليم على سد الفجوة المعرفية، وفهم كيف أن التغير المناخي الذي يؤثر بالفعل في حياة المرء يمكن أن يكون له فوائد عملية، وينطبق على وجه الخصوص على الشعوب الفقيرة والمعرضة بشكل كبير لفشل المحاصيل والكوارث الطبيعية التي يتسبب بها التغير المناخي، فالشعوب التي يتوجب عليها إعادة البناء من الصفر بعد كل كارثة جديدة تفوت فرص التنمية السريعة، وعندما تدرك تلك الشعوب أن عالمها يتغير- وأن احتمالية الكوارث المستقبلية تزيد- فإنها ستعمل على اكتساب الصلابة والمرونة وتعلم التأقلم مع الضغوط المفاجئة والبطيئة للتغير المناخي.

ثانيا، التعليم يتحدى الخمول وعدم الاكتراث، فمعرفة الوسائل المتاحة للتعامل مع التغير المناخي قد يفتح آفاقا عريضة للنمو الاقتصادي، فيجب أن يدرك المستثمرون العالميون أن الحلول المستدامة يمكن أن تزيد الرفاهية وتخلق فرصا اقتصادية إضافية، فعلى سبيل المثال ساعد التعليم والتقنيات الزراعية المحسنة في النيجر في مضاعفة الدخول الزراعية الحقيقية لأكثر من مليون شخص، مع معالجة مساحات شاسعة من أراض تضررت بشدة، وفي الولايات المتحدة الأميركية ومنذ سنة 2014 هناك وظائف أكثر تعتمد على الطاقة الشمسية مقارنة بتعدين الفحم.

لكن لا يزال العديد من الناس يصرون على أن تطبيق أساليب معينة للتخفيف من آثار التغير المناخي يكلف أسلوب حياتنا الحالي الكثير، وطبقا لدراسة مركز بيو للأبحاث فإن نحو سبعة من كل عشرة أشخاص يعتقدون أنه نظرا للقيود التي تفرضها التقنية فإنه يتوجب عليهم القيام بتغييرات كبيرة في نمط حياتهم، ولكن يجب ألا يكون الوضع كذلك، فالتعليم يمكن أن يتحدى هذه النوعية من الشكوك التي تحد من الفرص للحياة الذكية التي تأخذ المناخ بعين الاعتبار.

أخيرا فإن التعليم يوفر المعرفة التقنية اللازمة لبناء مستقل أفضل من خلال الابتكار، وهو مستقبل يتضمن طاقة نظيفة وآمنة، وزراعة مستدامة ومدنا أذكى، والتوسع في حرية الوصول للتعليم سيؤدي إلى المزيد من الابتكار المحلي، بحيث يجد رواد الأعمال الفرص لمعالجة المشاكل المحلية. أما عالميا فنحن لا نستطيع الاعتماد على مراكز المعرفة مثل وادي السيليكون أو أكسفورد لتطوير علاج سحري للتغير المناخي، فالحلول قد تأتي من مراكز تقنية، لكنها قد تأتي كذلك من قرى ومدن نامية، ومن المزارعين والمصنعين بوجهات نظر مختلفة للعالم حولهم، وهذا سيخلق حلقة حميدة، فمن الأسهل على الناس المتعلمين أن يهاجروا ويندمجوا في المجتمعات الجديدة ويتبادلوا المعرفة التي جلبوها معهم.

لحسن الحظ فإن الأجيال الشابة اليوم هي أفضل تعليما والتزاما بتخفيض بصمة الكربون التي تؤثر سلبا في المناخ مقارنة بالأجيال السابقة، فالشباب اليوم يقودون الطريق ويجبروننا جميعا على إعادة النظر في أفعالنا، ولكن يتوجب علينا توسيع توفير التعليم عالميا للتحقق من أن جهودهم لن تضيع سدى.

وإقرارا بإهمية التعليم قامت حكومة النرويج، تحت القيادة الملهمة لرئيسة الوزراء إيرنا سولبيرغ، بتأسيس المفوضية العالمية لتمويل فرص التعليم العالمية، والتي أنا عضو فيها، وسنلتقي خلال أيام في أوسلو، حيث يحدوني الأمل أن نواجه تحديات عصرنا والتصرف مع إدراكنا أن التعليم هو الأسلوب الأفضل الذي يتوافر لدينا من أجل حل المشاكل.

فالتعامل مع أخطار التغير المناخي ليس ضرورة وجودية فحسب، بل هو أيضا فرصة للتوجه نحو مسار تنمية أنظف وأكثر إنتاجية وعدالة، علما أن المجتمع العالمي المتعلم هو الوحيد الذي يمكن أن يتخذ القرارات الحاسمة التي ستحقق ذلك.

فيليبي كالديرون Felipe Calderón

* رئيس المكسيك السابق، ويعمل حاليا رئيسا للمفوضية الدولية للاقتصاد والمناخ.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top