لما كانت تداعيات الرفض صارمة إلى حدّ ما، اعتاد دماغنا وسلوكنا على تجنّب نبذ الآخرين. في الواقع، أظهرت الدراسات أنّ الرفض الاجتماعي ينشّط عدداً من المناطق الدماغية تفعّل الشعور بالألم الجسدي، ما يفسّر شعورنا بالألم إزاء هذا التصرف.

نتساءل أحياناً: هل نحن ناجحون بما فيه الكفاية؟ فتراودنا اضطرابات إلى أن يأتي الآخرون ويؤكّدون صحّة الأمر، وغالباً ما يحدث ذلك في الحياة المهنية.

Ad

يبقى السعي دوماً إلى نيل رضا الآخرين، خصوصاً في مكان العمل، بمثابة عرقلة أمام تقّدمنا المهني على المدى البعيد. فمحاولة إرضاء المدير، أو الزبائن، أو الزملاء، عبر بذل جهود غفيرة وقضاء ساعات إضافية في العمل، أو السعي إلى المثالية اللامتناهية، تنهك قوانا وتسلبنا سعادتنا في حياتنا المهنية والشخصية على حدّ سواء.

كيف لك أن تعرف ما إذا كانت رغبتك في أن تكون منتجاً ومحبوباً في فريق عملك تمادت عن حدّها وأصبحت تصبّ في منطقة السعي إلى نيل الرضا؟ لمعرفة ذلك، لا بدّ من أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية:

أوّلاً: هل تغيّر رأيك أو تتراجع عنه إرضاءً لمديرك، أو تنصاع إلى اعتماد رأي بقية فريق العمل؟

ثانياً: هل تجامل زملاءك في العمل، رغم أنّك لا تستلطفهم، فتستميلهم إلى صفّك؟

ثالثاً: هل توافق غالباً، أو دوماً إذا جاز القول، على تنفيذ مهام تُطلب إليك حتى لو استدعى الأمر المساومة على حدودك المهنية؟

رابعاً: هل تفشل في الدفاع عن نفسك في حال تعرّضت لسوء المعاملة من مديرك أو أحد زملائك؟

خامساً: هل تنزعج وتشعر بالإهانة في حال لم يوافق أحدهم على وجهة نظرك أو أجرى تعديلات جمّة على عمل نفذّته؟

في حال كنت تميل إلى أيّ من هذه السلوكيات، ها قد حان الوقت لتحمّل المسؤولية والتخلّص من سعيك الدائم إلى نيل رضا الآخرين. إليك بعض النصائح التي تساعدك في فعل ذلك:

تساءل عن مصدر حاجتك إلى نيل الرضا

في حالات عدّة، ينبع ميلك إلى السعي الدائم إلى نيل الرضا في مكان العمل من مسألة حصلت في ماضيك. مثلاً، هل تعلّمت احترام السلطة؟ في حال فعلت ذلك، قد تشعر بعدم الراحة حيال التعبير عن رفضك إحدى المسائل المهنية. هل عانيت لتكوين صداقات في المدرسة وشعرت بالخوف من أن ينبذك أصدقاؤك؟ إذا كانت إجابتك نعم، فأنت تميل إلى القيام بكل ما في وسعك لتشعر بأنّك مندمج في مكان العمل ومحبوب من زملائك.

لذلك، تعكس مرحلة الطفولة وسنّ المراهقة على سلوكك الراهن ومحاولتك الدائمة لنيل رضا الآخرين.

غيّر نظرتك إلى الرفض

أعد التفكير في ذلك الوقت حين فشلت في أن تكون على قدر توقّعات أحدهم أو خيّبت أمله فيك. ربّما طلب إليك مديرك في أحد الأيّام إعادة تنفيذ مشروع فشلت في أدائه بصورة ناجحة، أو ربّما نسيت تاريخ استحقاق بالغ الأهميّة. كيف تعوّض عن ذلك؟ ماذا تعلّمت من هذه التجربة؟ في معظم الحالات، كنت قادراً على الإمساك بزمام الأمور وشكّل الفشل فرصة لتطوير ذاتك على الصعيد المهني.

كذلك، يمكنك الاتعاظ من التجربة السيئة التي مررت بها، وتتشجّع على أداء المهمّات المقبلة بشكل أفضل. لذا أنظر إلى الرفض من ناحيته الإيجابية، ما يخوّلك المضي قدماً وتخطّي الحدود بدلاً من التقوقع في منطقة الراحة.

تطلّع إلى النمو المهني

عند إيلاء الأولوية لتطوير الذات والتقدّم المهني، تتحرّر من السعي الدائم إلى نيل رضا الآخرين. يشير علماء النفس في هذه الصدد إلى أنّ الأشخاص الذين يعتبرون أنّ المهارات والقدرات تتطوّر مع الوقت، بدلاً من اعتقاد أنّها فطرية لا تتغيّر، يميلون إلى تحقيق ذواتهم. لذلك، يميل الأشخاص الذين يتمتّعون بعقلية نامية إلى تحدّي أنفسهم. أمّا من يتمتعون بعقلية راسخة لا تتبدّل، فيعتبرون أنّ التجارب السيئة شكل من أشكال الفشل والرفض.

أخيراً، كلّما تطلّع المرء إلى النجاح والنمو والتقدّم، كلّما تغلّب على سعيه الدائم إلى نيل الرضا.

صبّ تركيزك على خطّة عمل لا على النتائج

في حال كنت عرضة للسعى إلى نيل استحسان الآخرين، ركّز على خطّة عمل بدلاً من النتائج. عندما تصّب كامل تركيزك في نتيجة واحدة، كالحصول على ترقية مثلاً، تربط قيمتك الشخصيّة بمعايير خارجية قد تكون خارجة تتعدّى سيطرتك.

على سبيل المثال، رغم أنّك تبلي حسناً في حياتك المهنية وتفي بالشروط كاملة، فإنّ الشركة حيث تعمل تضع ترقيتك في «الثلاجة»، فتصاب بخيبة أمل كون هذا التدبير خارجاً كليّاً عن سيطرتك، ما ينعكس على قيمتك كموظّف. في المقابل، في حال ركّزت على خطّة عمل يمكنك إحكام السيطرة عليها، فتشعر بالقوّة حينئذٍ وتتخلّص من التوتر بسبب عدم حصولك على ما كنت تتمنّاه. على سبيل المثال، عندما تظهر للشركة أنّ أداءك منظّم، عندها يعتبر المسؤولون أنّك أصبحت أكثر فاعلية، فيرتأون زيادة راتبك.