لا تعرف اللغة العربية كلمة «مونتاج» وإنما تطلق عليها، حسب مجمع اللغة العربية، كلمة «توليف»، بمعنى التركيب أو المونتاج، حسب الكلمة الفرنسية Montage، أي فن اختيار وترتيب المشاهد وطولها الزمني على الشاشة، بحيث توصل، في شكلها النهائي، رسالة ما، أما {المولف} أو {المونتير} فهو الشخص الذي يتولى ما يُطلق عليه عملية البناء، معتمداً على خبرته وحسه الفني وثقافته العامة، وموهبته التي تتيح له قراءة السيناريو، وإعادة ترتيب المشاهد التي صورها المخرج، عن طريق القص واللصق، ووضعها في سياق زمني يبني المشاهد وفقاً لتصاعد دراما الفيلم.

عرفت السينما المصرية {التوليف} مذ التحقت بالاختراع المسمى {السينماتوغراف}، وتعاقب على هذا الفن متخصصون كثر، لعل أشهرهم إبراهيم لاما، الذي ألمّ بمختلف فروع صناعة السينما، واكتسب خبرة عملية واسعة، بعدما أسس وشقيقه بدر لاما شركة {كوندور فيلم}، التي أنتجت الفيلم الشهير {قبلة في الصحراء} (1928)، ثم اتجاههما إلى تشييد {ستديو لاما} في ضاحية حدائق القبة بالعاصمة المصرية، وهو ما فعله المخرج أحمد جلال، الذي ألم بفنون الإخراج والتصوير والمونتاج عبر اطلاعه على مجلات فرنسية متخصصة!

Ad

في هذا السياق تظل ظاهرة المخرجين الذين بدأوا مسيرتهم بالعمل في {التوليف} ملمحاً رئيساً في مسيرة السينما المصرية، حيث نحصي من بينهم: بدر لاما، بهيجة حافظ، سعد نديم، كمال الشيخ، صلاح أبو سيف، عزيزة أمير، كمال سليم، محمد بيومي، محمد كريم، محمد نبيه، نيازي مصطفى وبركات، ما انعكس بشكل إيجابي على أفلامهم، التي جاءت أكثر إحكاماً وانضباطاً وحرفية من أولئك الذين امتهنوا الإخراج وحده، ولم يكن لهم دراية بفن {التوليف}، ومن ثم تركوا أنفسهم لمتخصصي هذا الفن، الذي قدم مطلع الأربعينيات من القرن الماضي أسماء شهيرة، مثل: ألبير نجيب وإميل بحري، ومع نهاية الأربعينيات ظهر، في توقيت متزامن، سعيد الشيخ وكمال أبو العلا، بينما ظهر في الخمسينيات: حسن محمد حلمي (حسنوف) وحسين عفيفي، ومع نهاية الخمسينيات بدأت أولى خطوات عطية عبده (شقيق عازف القانون الشهير محمد عبده صالح)، ثم كان الموعد مع رشيدة عبد السلام، التي بدأت عملها مع سعيد الشيخ في فيلم {غريبة} (1958)، لكن انطلاقتها الحقيقية كانت في {نداء العشاق} و{الخرساء} و{الناصر صلاح الدين}، الذي أسس لعلاقة طويلة مع المخرج يوسف شاهين، بدأت مع فيلم {فجر يوم جديد} و{الأرض} مروراً بأفلام: {الاختيار}، {الناس والنيل}، {العصفور}، {عودة الابن الضال} وثلاثيته الشهيرة: {إسكندرية ليه}، {حدوتة مصرية} و{إسكندرية كمان وكمان}، كذلك تعاونت معه في {المهاجر} وكانت العنصر الفاعل في أفلام كثر من المخرجين المبدعين، على غرار: حسن الإمام، حسين كمال، بركات، عاطف سالم ويسري نصر الله .

في حقبة الستينيات لمع اسم عبد العزيز فخري، لكن النبوغ الحقيقي تزامن مع ظهور مواهب واعدة، مثل: نادية شكري في {العنب المر} (1965)، عادل منير، الذي امتلك حرفية فتحت له الطريق للتعاون مع مخرجين كثر، لكن يظل أحمد متولي، الذي يُعد أول {مونتير} أكاديمي في مصر، بعد إصراره على الالتحاق بقسم المونتاج، على عكس أقرانه الذين اختاروا قسم الإخراج، وعقب تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1964 عُين بالتلفزيون المصري، وظل يعمل فيه إلى أن خرج إلى المعاش عام 2000، لكنه لم يترك نفسه لمهنته قط، بل اشتغل بالعمل العام، وشارك في تأسيس اتحادات سينمائية، على رأسها {جماعة السينما الجديدة}، التي أنتجت فيلم {أغنية على الممر} (1972)، {اتحاد السينمائيين التسجيليين}، {اتحاد التسجيليين العرب} و{اتحاد الفنانين العرب}، وكان عضواً فاعلاً في غالبية المؤتمرات المعنية بمناقشة أوضاع السينما المصرية، كذلك اختير لشغل منصب وكيل نقابة المهن السينمائية، وبلغ عدد الأفلام التي تولى {توليفها} حوالي 52 فيلماً روائياً طويلاً، وما يقرب من 40 فيلماً تسجيلياً وقصيراً، أما السبعينيات فلم تشهد ظهور أسماء مهمة، باستثناء فتحي داود، في حين أفرزت الثمانينيات أسماء اقترنت بالعمل في أفلام المقاولات، التي تُعرف عالمياً بالـ B-movies؛ مثل: صلاح عبد الرازق، صلاح خليل، محمد الطباخ، طلعت فيظي، فكري رستم ومحمد هاشم، ومطلع الثمانينيات سطع نجم: سلوى بكير {المشبوه} (1981)، يوسف الملاخ {أسوار المدابغ} (1983) ورحمة منتصر {يوم مر يوم حلو} (1988). وفي التسعينيات ظهر أحمد داود في {قشر البندق} (1995).

لكن مع الطفرة التقنية الهائلة اختلفت عملية {التوليف} بشكلها التقليدي، وظهر جيل جديد اعتمد بصورة رئيسة على {الكمبيوتر}، وليس {المافيولا}، وإن بقي الهدف من {التوليف} واحداً، ووظيفة {المولف} ثابتة كمهندس يُسهم في البناء والخلق، ومؤسس مهمته تحويل الخطاب الحكائي إلى نص سينمائي، وليس مجرد رابط ميكانيكي للمشاهد، حسبما ينظر البعض خطأ لعملية {التوليف}!