هل تعلم أن دولة الكويت تعد من أولى الدول في المنطقة، التي اهتمت بأبحاث الطاقة المتجددة، فتجربتها في ذلك بدأت عام 1978، حينما قام معهد الكويت للأبحاث العلمية بتصميم وبناء وتشغيل محطة نموذجية لإنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية الحرارية بسعة 100 كيلوواط بدعم من ألمانيا.

ومضى المعهد في العمل بإجراء العديد من البحوث في مجال تحلية المياه وتشغيل المحميات الزراعية بالطاقة الشمسية الضوئيةن وتجارب تخزين الطاقة الحرارية.

Ad

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين الكويت منذ ذلك التاريخ إلى الآن من ثورة الطاقة المتجددة؟ فالكويت تنعم وتضم بين جنباتها وفرة عظيمة في مواردها الطبيعية من النفط والغاز، الذي أدى، في مفارقة كبيرة، إلى تعزيز الوهم بأن استخراج النفط يضمن مستوى من الرخاء والفرص المتزايدة لتحسين معيشة الناس، وإحداث ما يسمى النهضة الاقتصادية، اعتماداً على ريوع عوائد التصدير النفطية.

إن ما أحدثته عوائد النفط والتدفق المفاجئ للثروة، يعتبره البعض نقمة بقدر ما هو نعمة، إذا لم يُحسن تصريفه في دعم وبناء الإنسان والاقتصاد المنتج.

ويعرف الاقتصاديون «لعنة الموارد» أو ما يسمى «مفارقة الوفرة»: بأنها الطريق إلى الاعتماد على الموارد الطبيعية بشكل أساسي، على حساب إضعاف النمو، وتطوير قطاعات الاقتصاد الإنتاجية الأخرى، ولايزال الاقتصاد متكئاً على الريع النفطي، وضعف الابتكار المعرفي و التكنولوجي، وحتى الصناعات، التي تعتمد على النفط.

فالفوائض المالية طوال السنوات الماضية من بيع النفط، لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل من خلال التوجه إلى مشاريع الطاقة المتجددة.

ولو نظرنا إلى مؤسسة البترول الكويتية المهيمنة على المصادر الهيدوكربونية، التي قالت خلال «قمة مستقبل الطاقة المتجددة»، إنها تضع منذ عام 2007 خطة طموحة لتنمية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة بدلاً من النفط، لكن إلى اليوم لم نرَ تفاصيل هذه الخطة.

كما طالبت «مؤسسة البترول» بضرورة مواجهة نزول أسعار النفط من خلال دعم المشاريع العملاقة في مجال الطاقة المتجددة النظيفة، حيث إن تقنيات تطوير الطاقة المستدامة، ستتيح فرصاً واعدة لمستقبل الطاقة في الكويت.

يذكر أن مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية في أبريل 2004 وافق على تخصيص مبلغ 100 مليون دولار لإنشاء صندوق الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة الجديدة، وتم تأسيس شركة البترول الكويتية للطاقة لهذا الغرض، وهي مملوكة كاملة للمؤسسة في 20-4-2006، لكن أحداً لم يتطرق إليها من قريب ولا من بعيد، باستثناء تقرير ديوان المحاسبة، الذي كشف أن هناك خسائر متكررة لهذه الشركة.

إذاً فالعالم يمر في مرحلة من التغيير في مجال دعم الطاقة والدول التي تتبنى سياسات الطاقة النظيفة، هي التي ستنجح في تخطي التحديات والعقبات الكبيرة، التي تواجه الصناعة النفطية في المستقبل.

ولو نظرنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال، يتبين أن سياسة الحكومة هناك شجعت البنوك على إعطاء المزيد من التمويلات اللازمة لقطاع الطاقة المتجددة.

والبنوك هناك مستعدة أن تمول أي مشروع جاد وطموح في مجال الطاقة المستدامة، حتى إن كان خارج دولة الإمارات طالما أنه يقوم بتطوير وتنمية الطاقة النظيفة ورصدت مبلغ 10 مليارات دولار لتمويل هذه المشاريع على مدى 10 سنوات مقبلة.

الشقاء في الشقايا

على الرغم من أن الكويت تتمتع بفرص فريدة للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة خصوصاً مصادر الطاقة الشمسية كون المنطقة تقع ضمن ما يعرف بالحزام الشمسي، فإنها بدأت فكرة إنشاء مجمع الشقايا للطاقة عام 2008 .

وأعلن مسؤولو البيئة والأشغال والكهرباء ومعهد الأبحاث في أبريل الماضي «أي بعد مرور7 سنوات» منذ بداية الفكرة عن دخول الكويت مجال إنتاج الطاقة المتجددة بداية سبتمبر، التي ستنتج كهرباء تكفي لـ100 ألف منزل قريباً.

حيث إن المشروع يعد تطبيقاً عملياً لرؤية سمو أمير البلاد بإنتاج 15 في المئة من حاجة الكويت للطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وقالت وزارة الكهرباء والماء، إن المشروع يسير وفق البرنامج الزمني الموضوع حسب التعاقد، وإنه سينتج قريباً حوالي 10 ميغاواط من طاقة الرياح، إضافة إلى 10 ميغاواط من الطاقة الشمسية، يتبعها إنتاج 50 ميغاواط من الطاقة الحرارية.

والمقلق في موضوع استخدام الطاقة المتجددة، اللغة التي تستخدمها وزارة الكهرباء والماء، وتشير إلى أن الكويت تصنف من أعلى الدول استهلاكاً للماء والكهرباء في العالم «قياساً بعدد السكان»، بسبب الموقع الجغرافي وشدة الحرارة، بالإضافة إلى التوسعات الكبرى في المدن الإسكانية والنمو السكاني.

وأشارت إلى أن الكويت أعلى أحمالاً على مستوى العالم، حيث تصل نسبة الأحمال الكهربائية إلى 8 في المئة مقابل 2 إلى 3 في المئة في المتوسط العالمي، كاشفة عن خطوات جادة وفعالة للاعتماد على مصادر متجددة لإنتاج الطاقة، حيث تستخدم الوزارة حالياً «في 2016» الطاقة الشمسية لسد جزء من حاجة المبنى الرئيسي لوزارتي الكهرباء والماء والأشغال العامة، كما أنها تتوسل وتستجدي المواطنين والمقيمين بالتقليل من الاستهلاك بسبب الأحمال الكبيرة على محولات الكهرباء!

نموذج تشيلي

أفادت وسائل الإعلام الشهر الماضي، بأن «تشيلي» تتخلص من الطاقة الشمسية الزائدة عن الحاجة وتمنحها مجاناً للمواطنين، وعلى مدار الـ113 يوماً الماضية، هبطت أسعار الطاقة في بعض أرجاء الدولة – التي تقع جنوبي قارة أميركا اللاتينية – إلى الصفر، في حين يرى مسؤولون، أن البلاد في طريقها إلى تحقيق رقم قياسي جديد بتوفير كهرباء لمدة 192 يوماً دون مقابل.

وتعد «تشيلي» حالياً في موقف غير عادي بسبب بنيتها التحتية للطاقة الشمسية المتطورة للغاية، وتسبب الانتعاش الاقتصادي في إنشاء 29 مزرعة شمسية مع خطة لتدشين 15 مزرعة أخرى لتغذية شبكة الكهرباء وسط البلاد.

وتضاعفت قدرة إنتاج الطاقة الشمسية في تشيلي أربع مرات منذ عام 2013 لتصل إلى 770 ميغاواط، ويتوقع أن تنتج الحكومة 1.4 غيغا واط من الطاقة الشمسية هذا العام.

السؤال المهم: متى سيتم التعامل مع ملف نظام الطاقة المستدامة في الكويت كأولوية وطنية وعلى مستوى عالٍ من الجدية؟ فالتحديات الرئيسية، التي تواجهها البلاد بشأن شؤون الطاقة هو الاستهلاك «الجائر» ويجب أيضاً ألا تقع مسؤولية التنفيذ في التشريع والتقنين والتطبيق على عاتق مؤسسة أو مؤسستين.