«شهيدة العشق الإلهي»

نشر في 10-07-2015
آخر تحديث 10-07-2015 | 00:01
 مجدي الطيب  يعثر الشيخ الزاهد «ثوبان» على فتاة لقيطة نعرف أنها «رابعة»، التي أعجبت بـ{عالية» (زوزو نبيل) ابنة الدرب البائس،  التي عاشت فقيرة لكن سفرها إلى البصرة، وزواجها من أمير هناك بدل حالها، ولما عادت صارت تمنح عطاياها للفقراء والمحتاجين. ومن ثم أصبحت البصرة قبلة بنات الدرب، وعلى رأسهم «رابعة»، التي تنقذ تاجراً (عماد حمدي) من اللصوص فيعدها بأن يرد لها الجميل إذا ما سافرت إلى البصرة، حيث يعيش، وتتخذ قرارها بالسفر مهما كلفها الأمر!

 في ما يشبه النبوءة يوصيها الشيخ قائلاً: «اذكريني حين يصلح لك الله الأحوال ويطهر لك الطريق من الأوحال».وتمضي «رابعة» في طريقها إلى البصرة، وهناك تقع في براثن النَّخَّاسُ «صابر» (عبد الغني قمر) وزوجته «خديجة» (سامية رشدي) التي تصف رجلها بأنه «شقيق إبليس»، ويبيعاها إلى شهبندر التجار «عصام الدين»، الذي يتذكر يوم أن أنقذته من اللصوص،  ويتعمد الثري «خليل» (فريد شوقي) خسارة الصفقة ليكبل الشهبندر بالديون، وهو ما يحدث بالفعل، بعدما أهمل تجارته، وراح ينهل من عسل «رابعة»، التي امتلكها «خليل» لكنها امتنعت عنه، وأثارت حفيظته، فسامها من العذاب ألوانا، ولما استحالت عودتها إلى سيدها {عصام الدين}، وعلمت بنبأ موته، اندفعت إلى حياة المجون، وراحت تغترف من ملذات الدنيا وشهواتها، قبل أن يظهر الزاهد {ثوبان} في حياتها مرة أخرى، ويزلزل كيانها بحديثه عن {العشق الإلهي}، وتبكي ندماً مع ابتهالات الجماعة الصوفية التي تؤمن أن {الدموع تغسل الدموع وتطهر الذنوب}، وتعرف الطريق إلى سيد الكون، وخالقه،  وتختار التكفير عن ذنوبها، وتصبح {شهيدة العشق الإلهي} .

   فيلم {رابعة العدوية} واحد من الأفلام الدينية التي أثارت الكثير من الجدل في أعقاب عرضه، بعدما اتهم بأنه جنح إلى الخيال بأكثر مما سرد السيرة الذاتية للعابدة الزاهدة رابعة بنت إسماعيل العدوي (100هـ / 717م - 180هـ / 796م)، إحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، ومؤسسة مذهب الحب الإلهي أحد مذاهب التصوف الإسلامي. وألقي باللائمة وقتها على كاتبة القصة والحوار سنية قراعة، التي استقته من كتابها {عروس الزهد}، وهي كاتبة معروفة في حقبة الستينيات كتبت فيلم {العلمين} (1965)، الذي أخرجه الممثل القدير عبد العليم خطاب، بالإضافة إلى عدد من المسلسلات الدرامية مثل: {حدود الله} و{مارد الجبل}. لكن الفيلم، الذي أنتج في العام 1963 وأخرجه نيازي مصطفى، الذي شارك في كتابة السيناريو، كان صاحب الفضل في تقديم {الوجه الجديد نبيلة}، التي عُرفت في ما بعد باسم نبيلة عبيد، كذلك شهد منافسة رائعة بين الموسيقار رياض السنباطي والموسيقار محمد الموجي نتج عنها تقديم أربع أغانٍ أصبحت في ما بعد من الأغاني الدينية الكلاسيكية هي: {عرفت الهوى} و{على عيني} لرياض السنباطي و{سألت الحب} و{أوقدوا الشموع} لمحمد الموجي، خصوصاً أن من تغنت بهن هي كوكب الشرق أم كلثوم. غير أن ما يستحق التوقف في هذا السياق أن الفيلم أكَّد أن الأغاني من تأليف الشاعر طاهر أبو فاشا، في حين تُشير الوثائق إلى أن أغنية {عرفت الهوى} من نظم رابعة العدوية، التي كانت تقرض الشعر وقالت في هذه القصيدة:

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك

وأغلقت قلـبـي عـمـن سـواك

وكــنت أناجيـــك يــا من تـرى    

خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك

أحبـك حـبـيـن حـب الهـــوى

وحـبـا لأنــك أهـــل لـــذاك

فــأما الــذي هــو حب الهــوى    

فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـا الـذي أنـت أهــل لــه    

فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك

  مفاجأة مثيرة لم يتم الكشف عنها سابقاً، بل إن الإذاعة المصرية ما زالت تبث الأغنية، كما حدث بالفيلم، بوصفها من تأليف طاهر أبو فاشا، في حين كانت العناوين حاسمة وقاطعة عند الإشارة إلى أن الشاعر المتصوف عبد الفتاح مصطفى كتب حواراً إضافياً، وأن الموسيقار سيد إسماعيل هو ملحن موسيقى العناوين وفؤاد الظاهري هو واضع الموسيقى التصويرية، وشادي عبد السلام مهندس الديكور ومصمم الملابس، وهي المزية التي رفعت من قدر وقيمة التجربة كثيراً؛ إذ أصبح بمقدور المتابع للفيلم أن ينتقل إلى مدينة البصرة بطرز معمارها، وقباب مبانيها، وهيئة أسواقها، وملابس رجالها ونسائها، رغم أن كاميرا الفيلم لم تنتقل خطوة من مصر، وأخذت المناظر بالكامل في أستديو نحاس وناصيبيان بواسطة مدير التصوير إبراهيم عادل .   

  باستثناء المفاجأة المتمثلة في الوجه الجديد «نبيلة»، وطلاوة صوت أم كلثوم، وحبكة السرد المحكمة، اتسم اختيار وتوظيف المخرج نيازي مصطفى لطاقم التمثيل بالتقليدية الشديدة، كذلك بدت حيلة الشك في أن «رابعة» تناجي عشيقها بدلاً من ربها ساذجة، وتوحي بأن  «خليل» وجواريه كفار، والوحي لم ينزل بعد!

back to top