اتخذت العلاقات بين حماس ومصر منحى تدريجياً غير متوقع نحو الأفضل، مع تعبير القاهرة عن رضاها حيال مقاربة حماس الأمنية تجاه مصر، وخصوصاً في المناطق الحدودية، ففي الخامس والعشرين من يونيو، أثنى المسؤولون العسكريون المصريون على حماس لدورها في غزة، ضبطها أنفاق التهريب عند الحدود، ومنعها المجاهدين السلفيين من التسلل من سيناء وإليها.
يبدو أن العلاقات بين حماس ومصر، التي توترت منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013، تتحسن بوساطة سعودية... جاء هذا التعبير غير المتوقع عن الامتنان عقب إصدار محكمة مصرية للقضايا المستعجلة في السادس من يونيو حكماً بنقض حكم الثامن والعشرين من فبراير الذي يقضي بتصنيف حماس منظمة إرهابية، علماً أن هذه خطوة كانت قد ضاعفت التوتر العالي أساساً بين الطرفين، فرحب الناطق باسم حماس سامي أبو زهري بقرار المحكمة، واصفاً إياه بتصحيح خطأ وبتأكيد لدور القاهرة الإقليمي في القضية الفلسطينية، وأضاف أن الحكم سيكون له تداعيات إيجابية على العلاقات بين الفريقين.أما مسؤول العلاقات الدولية في حماس أسامة حمدان، فقد أخبر صحيفة Al-Monitor: "يشكل هذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الفلسطينيين وبداية علاقة جديدة مع حماس، ويرتبط هذا بالعلاقات الاستراتيجية مع الأخذ في الاعتبار دور مصر في القضية الفلسطينية على ضوء سياسة عدم التدخل التي تتبعها حماس تجاه شؤون القاهرة".ذكر عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، لصحيفة Al-Monitor: "تبرز هذه المؤشرات الجيدة رغبة مصر في تحسين علاقاتها مع حماس، فتبدُّل موقفها لمصلحة حماس يُظهر رغبة مصرية رسمية في تحسين ظروف العيش في غزة، وينطبق ذلك خصوصاً بعد إخفاق الجهود [المصرية] لإخراج حماس من الساحة السياسية، في حين تطالب أصوات كثيرة داخل النظام المصري بتعزيز دور حماس في المنطقة".في الثامن عشر من فبراير، ادعى محمود كريم، أول سفير مصري إلى أراضي السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، أن وسائل الإعلام المصرية تزعم أن حماس تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية في محاولة لوضع هذه الحركة في الخانة ذاتها مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة بغية تشويه صورة حماس وحملها على ارتكاب أعمال عنف، وأضاف: لكن من مصلحة مصر أن تتصالح مع حماس، بما أن هذه الأخيرة مختلفة عن "داعش"، وفي إشارة إلى تحسن محتمل في العلاقات، فتحت مصر في خطوة غير متوقعة معبر رفح مدة أسبوع بين 13 و19 يونيو، ومن ثم لثلاثة أيام بين 23 و25 يوينو.يعود هذا التبدل في موقف مصر في جزء منه، على ما يبدو، إلى دور المملكة العربية السعودية في الترويج للتقرب بين الطرفين، فخلال اجتماع في 16 يونيو في جدة بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره المصري سامح شكري، حذر السعوديون القاهرة من أنها ستخسر نفوذها في غزة، وخصوصاً على ضوء المصالحة بين حماس وفتح التي حدثت قبل استقالة حكومة الوفاق، وهدوء الأجواء بين إسرائيل وحماس، فضلاً عن تحسن العلاقات بين حماس والمملكة العربية السعودية بعد استلام الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود السلطة في شهر يناير.وأخبر أحمد يوسف، مستشار إسماعيل هنية السياسي السابق ومساعد رئيس المكتب السياسي في حماس، Al-Monitor: "ثمة مؤشرات إيجابية كثيرة في العلاقات بين حماس ومصر، مما يشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد اضطلاع مصر بدور كبير في القضية الفلسطينية، ولا شك أن هذا سيضع حداً للحملات الإعلامية المصرية المناهضة لحماس ويساهم في فتح معبر رفح".علمت Al-Monitor من مصدر في حماس طلب عدم ذكر اسمه "أن اجتماعات رسمية عُقدت بين الطرفين (حماس ومصر)، أجري الاجتماع الأول في مطار القاهرة الدولي في 26 مايو وضم موسى أبو مرزوق وعماد العلمي، علماً أنهما كلاهما من المكتب السياسي في حماس وكانا عائدين إلى غزة من تركيا، فضلاً عن عدد من المسؤولين الاستخباراتيين المصريين، أما الاجتماع الثاني فعُقد في مطلع شهر يونيو في قطر، وضم الاجتماع الثالث في 14 يونيو أبو مرزوق وعدداً من القادة المصريين البارزين".يبدو أن هذه الاجتماعات الثلاثة التي عُقدت في أقل من أسبوعين ركزت على ثلاث مسائل: إنهاء الحملة الإعلامية السلبية ضد كلا الطرفين، وتأمين الحدود بين غزة وسيناء، والتعاون لمحاربة "داعش"، الذي نشط في مصر، فوافقت حماس على الطلبين الأولين، ولكن بالاستناد إلى سياستها بعدم التدخل في شؤون الدول، بدت مترددة في الانضمام إلى معركة السلطات المصرية ضد "داعش".رغم تردد حماس الظاهري في العمل مع القاهرة ضد "داعش"، تأتي المصالح بين حماس ومصر في وقت ظهر فيه "داعش" كعدو مشترك، فبينما يشن الجيش المصري حرباً لا تكل ضد "داعش" في سيناء، تبحث حماس عن الطريقة الفضلى والأقل كلفة لاحتواء نفوذه في غزة.ترتبط الدوافع وراء هذا التقارب بطريقة أو بأخرى بجهود حماس وإسرائيل في الكواليس للتوصل إلى اتفاق هدنة، إذ شارك في هذه الجهود وسطاء من قطر، وتركيا، والاتحاد الأوروبي، في حين ظلت القاهرة على الحياد، مما أثار الكثير من التساؤلات بشأن دور مصر المستقبلي في القضية الفلسطينية. فقد كان التوتر ومن ثم القطيعة سيدَي الموقف في العلاقة بين مصر وحماس منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في شهر يوليو عام 2013، وأتى بعد ذلك إقفال معبر رفح وإقامة منطقة عازلة في المنطقة الحدودية، ورغم كل ذلك كانت حماس حريصة على إبقاء العلاقات مع القاهرة معلقة بخيط على الأقل، مهما كان رفيعاً، في حين صارت هذه المنظمة معزولة في المنطقة.يساهم هذا في توضيح رد فعل حماس المعتدل تجاه حكم صدر في 16 يونيو عن محكمة مصرية ضد عدد من سجناء هذه المنظمة وشهدائها، وفي تلك الفترة أعلن صلاح بردويل، قيادي بارز في حماس، أن هذه الحركة لا ترغب في مضاعفة التوتر في العلاقات، التي كانت تشهد بعض التحسن، بالتعليق على الحكم المصري. وبما أن مصر تشكل فعلياً بوابتها الوحيدة على العالم الخارجي (يبقى معبر رفح المتنفس الوحيد لسكان غزة الذين يفوق عددهم 1.8 مليون فلسطيني)، تدرك حماس أنه ما من خيار أمامها سوى التعامل مع مصر.* عدنان أبو عامر
مقالات
القتال ضد «داعش» يقرب حماس ومصر
06-07-2015