«المنظومات العلمية بين الشعر والعلم»... دعوة إلى تدريس المناهج الحديثة بالشعر

نشر في 11-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 11-01-2016 | 00:01
في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، نظم معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، التابع لمنظمة «الألكسو»، ندوة «المنظومات العلمية بين الشعر والعلم»، ودعا المتحدثون إلى تدريس المناهج الحديثة شعراً، واستكمال منجز العلماء الأسلاف في هذا السياق، بحضور لفيف من أساتذة وباحثين في التاريخ والفلسفة والعلوم التطبيقية.
لفت مدير معهد المخطوطات في مصر د. فيصل الحفيان إلى ارتباط عنوان فعالية «المنظومات العلمية بين الشعر والعلم» بمغزى الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وتفرد تراثنا اللغوي بالمنظومات العلمية، ونظم العلماء العرب لمختلف العلوم مثل الطب والهندسة والرياضة والصيدلة والفلك، وأداء «المنظومات» دورها العلمي والحضاري البارز في استمرار العلم وترسيخه وإشاعته.

أشار الحفيان إلى تعسف الفصل بين تراثنا اللغوي والعلم، وإدراك أن هذا الفكر جاء إلينا محمولاً على هذه اللغة، وقدرتها على استيعاب المعرفة والعلوم التطبيقية والتجريبية، بما ينفي عن لغة الضاد أنها غير قادرة على تسيير المناهج الدراسية، وتعليمها باللغتين الفرنسية والإنكليزية، بينما اعتزت لغات ميتة بهويتها وخصائص متحدثيها النفسية والتركيبية. أوضح الحفيان أن الإنسان لا يستطيع أن يبتكر ويفهم الحد الأدنى  في غير لغته، وهو أحد أسباب القصور الذي نعانيه في المجالات العلمية تحديداً، وفهم أبنائنا لما يدرسونه واستيعابه وتمثله، نتيجة لعدم التعلم باللغة الأم، وهذه تجربة حقيقية وكلام نبّه إليه متخصصون في التربية والتعليم.  

أكد الحفيان أن اللغة كما التراث وطن، والذي يتخلى عن وطنه، يتخلى عن أمور كثيرة، وأننا اليوم نعيش إشكالاً حضارياً ولغوياً بالدرجة الأولى، ومرضاً أساسياً هو علاقتنا غير الوثيقة مع لغتنا العربية.

من جهته، قال د. أحمد فؤاد باشا أستاذ العلوم الفيزيائية، إن مقياس التقدم والتخلف في أي بلد بقدر ما يفعله من تقدم علمي وتقني، وفي عصر الازدهار الإسلامي والعربي، انفتح العرب على ثقافات العالم المجاورة، وأول درس نأخذه، أنهم عرفوا ماذا يأخذون وماذا يتركون، فلم يلجأوا إلى الشعر والخطابة، فهم أهلهما، وراحوا إلى الفلسفة وعلوم المنطق والطب، ونقلوا منها. أوضح باشا أن اللغة العربية مرت بمرحلتين كبريين، أولهما مرحلة النقل من ثقافات مجاورة، وفيها تعثر النقل كثيراً، وكان معظم الترجمات حرفياً وغير مفهوم مثل كتاب «طبائع الحيوان» لأرسطو، وترجمه يحيى بن البطريق. ولكن كانت الترجمات ضرورية في تلك الفترة، إذ تناول الجاحظ في الجزء الأول من كتابه «الحيوان»، آراء أرسطو ونقده نقدا لاذعاً، وصوب كثيراً من المصطلحات، ومن يقرأ هذا الكتاب يخرج بثروتين كبريين إحداهما أدبية والثانية علمية.

انتقل العلم إلى مرحلة الإبداع والابتكار، وأنشأ محمد بن موسى الخوارزمي، علماً لم يكن مسبوقاً، وألف كتابه «الجبر والمقابلة»، وظل هذا المخطوط تائهاً، وعثر عليه د. علي مصطفى مشرفة عام 1937، ولا يوجد فيه فصل واحد معرب، ويحوي معادلات ورموزاً بلغة عربية سلسة.

أكد باشا أهمية دراسة تراثنا اللغوي علمياً، كمبحث مهم لدراسة مرحلة ازدهار العلم واللغة، ونظم الكتابات العلمية شعراً، وتقديم صورة واضحة لما يجب أن يكون عليه حاضرنا العلمي، والاستشهاد ببعض المنظومات، مثل كتاب {قانون الطب} لابن سينا، ويضم أكثر من 1362 بيتاً شعرياً، ونافس ألفية ابن مالك الشهيرة.     

انتهى باشا إلى أن العلماء الأسلاف صاغوا منظوماتهم العلمية، لتبسيط العلم، واستيعاب الأفكار، وأهمية تعليم المنهجية لأبنائنا، واستعادة الحضور للشعر العلمي، واهتمام المؤسسات العربية بالكتب والدراسات الحديثة في هذا السياق، لا سيما أن المنظومات عرفتها أمم أخرى مثل الأغريق والهنود والرومان.  

حكماء وشعراء

من جهته، لفت د. عبد الفتاح غنيمة أستاذ العلوم الفلسفية بجامعة المنوفية، إلى أن للشعر مكانته لدى كل شعوب العالم، خصوصاً في عالمنا العربي، وثمة الكثير من المنظومات العلمية المعاصرة، ودراسات عدة حول أطباء وعلماء العرب القدامى، ومنها كتاب «حكماء وشعراء» لمؤلفه د. محمود المناوي، أستاذ جراحة المناظير بجامعة القاهرة.  

أشار غنيمة إلى أن الشعر يمثل الآن نصف الدراسات الجامعية، والقصيدة قلعة من قلوع البلاغة والأدب، وعندما نقارن تاريخياً بين مراحل التعليم، نجد حضوراً طاغياً لشعراء مثل المتنبي والبحتري وأحمد شوقي، بينما من الممكن نسيان أسماء العلماء، ذلك لحاجة الإنسان الدائمة إلى طاقة روحية، وتعامله مع العلم لتسيير أموره الدنيوية.  

تعريب المناهج  

في مداخلته، قال د. خالد فهمي، رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية، إن اللغة العربية صاغت مضمونات العلم ومصطلحاته، وحملها العلماء القدامى بالدلالات العلمية الدقيقة في الطب والهندسة والحساب، وأصبحت بمكانة أسطوانة مدمجة، وبرمجة لتراثنا العلمي.

دعا فهمي المؤسسات المعنية إلى الاهتمام بتعريب المناهج، ومطاردة الكسل المعرفي، وأن يصبح العلم المعاصر بلغة الضاد، واستقراء المنظومات العلمية المعاصرة. وانتهى فهمي إلى أن المنظومات لغة عالمية، وكانت تدرس في أروقة العالم الأوروبي القديم، وأسهمت في تبسيط العلوم، وقدرة الدارسين على الاستيعاب والفهم. ومن هنا تأتي أهمية دخولها في سياق العملية التعليمية الحديثة، وضرورتها الملحة لتحقيق الغاية من العلم والتعلم.    

back to top