بينما تنفي الحكومة على لسان عدد من مسؤوليها، نيتها رفع الدعم أو تقليصه عن بعض المواد الأساسية، مثل الكهرباء والماء والديزل والكيروسين، فإن الواقع يؤكد خلاف ذلك، إذ إن إجمالي الدعم في ميزانية العام الحالي 2015-2016 بلغ 3.7 مليارات دينار، بتراجع نسبته 27.5 في المئة مقارنة بميزانية العام الماضي، التي قدر فيها الدعم بحوالي 5.1 مليارات دينار؛ مما يعني أن الحكومة ماضية قدماً في اتخاذ خطوات تقشفية وشد الأحزمة في ظل عجز الميزانية، الذي وصل حتى نهاية أكتوبر الماضي إلى ملياري دينار، ويُتوقع أن يصل إلى 5 مليارات دينار مع نهاية السنة المالية في مارس المقبل.
ورغم أن هناك ما يبرر مثل تلك الخطوات، التي تسعى الحكومة إلى تطبيقها في ظل انخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية، لكن عليها أن تدرك تماماً أن عجز الموازنة لن يتم علاجه من خلال رفع الدعم، فمثلاً رفع الدعم المخصص للمياه سيوفر على الدولة 116 مليون دينار، وسيوفر رفع الدعم عن البنزين حوالي نصف مليار دينار، والأمر كذلك بالنسبة للكهرباء؛ بالتالي فإن هذه الأموال لن تحل مشكلة عجز الميزانية، الذي سيتزايد في السنوات المقبلة؛ إذا استمر تراجع أسعار النفط، فالموضوع مهم، ويحتاج من الحكومة أن تفكر أوسع من "الصندوق"، وأن تبحث عن حلول جديدة، وتحاول إيجاد مصادر بديلة للدخل في البلاد، لا أن تلجأ إلى التضييق على المواطن.ولعل الحكومة تدرك أن خفض الدعم؛ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع وزيادة حجم الإنفاق، ويدفع نحو انخفاض معدلات السيولة لدى الأفراد؛ بالتالي ستحدث حالة من السخط بين المواطنين والرفض المجتمعي، وهذا ما لا تحتمله الدولة في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها المنطقة وأحداثها الساخنة، كذلك فإن إلغاء الدعم سينعكس سلباً على المقيمين العاملين في البلاد، خصوصاً أن معدلات دخولهم ثابتة في معظمها، بالتالي سترتفع كلفة تلك السلع عليهم، مما سيؤدي حتماً إلى نفور العمالة، وابتعادها عن سوق العمل الكويتي، بل سيصبح بيئة طاردة للعمل الاقتصادي، وبالطبع سيؤثر ذلك سلباً على الخطة التنموية.وتبعات رفع الدعم لن تتوقف عند المواطنين والوافدين فحسب، بل سيطول تأثيره السلبي الشركات والمؤسسات التجارية، لاسيما الصناعية منها، التي قد ينالها الضرر الأكبر من زيادة الأسعار، في حين تسعى الدولة إلى مساندة المنتج الوطني، وتشجيع القطاع الصناعي على المضي قدماً إلى الأمام، لأنه إحدى ركائز الإنتاج في الكويت، ويجب حمايته من الأضرار التي قد تلحق به. وحقيقة الأمر، هناك العديد من التساؤلات المهمة على المسؤولين الإجابة عنها، مثل، هل سيعوض رفع الدعم النقص في الإيرادات النفطية وتراجع أسعار برميل النفط إلى أقل من 30 دولاراً ؟ وهل ستدفع الحكومة بدلاً نقدياً للمواطنين مقابل زيادة الأسعار؟ وهل سيتحمل الوافدون وحدهم تبعات وسلبيات رفع الدعم؟ وماذا عن مستقبل خطة التنمية ؟ وهل ستشهد تراجعاً ؟ وما مدى تأثر الأسواق والسلع بالدعم؟ وإذا كانت الحكومة تفكر في مواجهة عجز الميزانية، فلماذا لا تتوجه إلى تحصيل مديونيات وزاراتها الخدماتية لدى المستهلكين وتقدر بملايين الدنانير، وفق ما ذكره ديوان المحاسبة في أكثر من تقرير له ؟ ولماذا لا يتم ترشيد الإنفاق والمصروفات داخل الوزارات فعلياً لا أن يكون مجرد شعارات برّاقة ؟ ولماذا لا نقلل حجم التبرعات "الباذخ" الذي تقدمه الكويت لبعض الدول والمنظمات، والتي تنفق في بعض المؤتمرات الديكورية فقط.وفي الختام، أود التأكيد أن مجتمعنا، بمختلف شرائحه، سواء كانت محدودة أو متوسطة الدخل وحتى الغنية، اعتمد منذ زمن بعيد على ما تقدمه الدولة له من دعم، ابتداء بالكهرباء والماء مروراً بباقي الخدمات، وقرار رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والمواد الأساسية يجب ألا يفعّل قبل وضع كل السيناريوهات للتداعيات التي سيتركها، تجنباً لحدوث ما لا يحمد عقباه.
مقالات - اضافات
عجز الموازنة .. وعجز الحكومة
26-12-2015