صورة لها تاريخ : إسطنبول... مدينة المكتبات والمخطوطات والوثائق
يمكننا أن نطلق على إسطنبول اسم مدينة "المكتبات والمخطوطات والوثائق" لوجود عدد كبير من المكتبات العريقة والكتب النادرة والمخطوطات العربية وغير العربية المهمة، إضافة إلى الوثائق التاريخية التي توثق الأحداث التي مرت بها الدولة العثمانية عبر قرون من الزمان. لقد أسعفني الوقت، حينما كنت في إسطنبول، للذهاب إلى "المكتبة السليمانية"، وهي مكتبة ملحقة بالجامع السليماني الجميل الذي بناه السلطان سليمان القانوني بين عامي 1550-1557، وهو من أجمل المساجد التاريخية في العالم بقببه المتعددة، ومناراته الشاهقة، وتصميماته الرائعة.تأسست المكتبة في شكلها الحديث في عام 1929، ولكن بداياتها تعود إلى عام 1583 عندما أسس السلطان سليمان الأول (القانوني) الكلية السلطانية التي ضمت في حينها جامع السليمانية، ودار القراء، ومدرسة للأولاد، ومدرسة للطب، ومستشفى، وداراً للضيافة، وداراً للحديث، وغير ذلك.
وتضم المكتبة اليوم في أنحائها أكثر من 200 ألف مخطوط باللغات العربية والتركية والفارسية في مختلف العلوم، وهذه المخطوطات كان يحتفظ بها كبار المثقفين والعلماء في إسطنبول، ثم أهدوها إلى المكتبة السليمانية لتكون في متناول جميع المهتمين بها.وقد بلغ عدد الذين أهدوا كتبهم ومخطوطاتهم للمكتبة السليمانية 117 شخصية بارزة في العهد العثماني، واليوم توجد معظم هذه المخطوطات والكتب في فهارس إلكترونية والبحث يتم بالحاسب الآلي.وحينما زرت قاعة البحث وجدتها مملوءة بالباحثين، ولم أستطع العثور على جهاز كمبيوتر وكرسي لأجلس وأجري بعض البحث، وطلب مني مدير القاعة أن آتي غداً مبكراً كي أعثر على مكان. وقد نُقلت إلى هذه المكتبة أيضاً المخطوطات التي كانت محفوظة في بعض المساجد والمدارس القديمة في إسطنبول، إضافة إلى مخطوطات مسجد السلطان محمد الفاتح ومخطوطات مسجد آيا صوفيا.ومن بين هذا الكم الكبير من المخطوطات النادرة، تمتاز مجموعة المكتبة السليمانية بأن فيها عدداً كبيراً من نفائس المخطوطات الأصلية التي لا يوجد لها نسخ أخرى في المكتبات المعروفة عالمياً، وعليها توقيعات العلماء وزياداتهم وحواشيهم، كما أن بعضها له قيمة كبيرة من ناحية الخط والزخارف الملونة الجميلة، فضلاً عن التذهيب والتجليد الفاخر القديم. ومن المكتبات الأخرى في إسطنبول "مكتبة جامعة إسطنبول"، وهذه جامعة تأسست بعد فتح القسطنطينية عام 1453 ومازالت قائمة إلى اليوم وعدد طلابها يصل إلى نحو 60 ألف طالب منهم 8000 طالب دراسات عليا.وهناك "مكتبة بايزيد الوطنية" التي أسسها السلطان عبدالحميد الثاني في عام 1884، وتضم نحو 11 ألف مخطوطة، أقدمها يزيد عمرها على 1200 عام. وهذه المكتبة تحمل اسم السلطان بايزيد ابن السلطان محمد الفاتح المتوفى عام 1512، وهو سلطان تقي وورع، يروى عنه أنه كان يجمع الغبار الذي يتجمع على ملابسه عند الجهاد ويحتفظ به في قارورة، وأوصى قبل وفاته أن يعمل له "طابوقة" من هذا الغبار وتوضع تحت رأسه في قبره، وقد كان له ذلك.وقبره موجود اليوم بجانب مسجد بايزيد التاريخي الذي بناه في عهده ويقع في حي "الفاتح" بقلب إسطنبول الأوروبية.وهناك مكتبات أخرى في إسطنبول أقل شهرة، ولكنها تحتوي على الآلاف من المخطوطات النادرة والكتب القيمة ولا يتسع المجال كي نستعرضها في هذا المقال الموجز. في المقال المقبل إن شاء الله سنتحدث عن الأرشيف العثماني وتفاصيله.