تتجذر في وجدان كل منا نماذج إنسانية نادرة، إما لروعة معطياتها الإبداعية، أو لعظمة مواقفها في معترك الحياة الإنسانية.• وتولستوي قد جمع بين الاثنين، فهو كاتب رواية لا يشق له غبار، وصاحب موقف إنساني عظيم، يوم تنازل عن كل ممتلكاته الطائلة لصالح الفلاحين والفقراء.
وحين بلغ الثمانين من عمره، شيخاً، وقوراً، تضرب شهرته آفاق الدنيا كأعظم روائي أنجبته روسيا، احتفل به الشباب وسألوه: - نراك شديد الاهتمام بقضايا الشباب، وأنت في سنين شيخوختك، فما السر؟• ليس في الأمر سراً يا أولادي، فمنذ صباي الباكر وأنا أكره العنف، وأدعو إلى السلام، لأنه مع العنف يصبح الشباب في حالة من الشيخوخة المروعة، ولكن مع السلام تزدهر ورود الخريف في قلوب كبار السن بنفوسٍ نضرة، وتغدو كالربيع في القلوب...!لذلك أدعوكم أيها الشباب إلى نبذ العنف والكراهية، حاربوا دعاة الحرب حتى يغدو العالم كله شباباً، ولو بلغ أهله الثمانين مثلي. * * *• ومما قالت له ابنته الكبرى (شاسا): - يا والدي... إن روسيا كلها تنتظر منك كلمة بمناسبة ذكرى ميلادك الثمانين، فيا ليتك يا أبي تكتب للناس عن رأيك في الدين... في التقاليد القديمة... في أحوال الفلاحين الذين تنازلت لهم عن أراضيك.• إنك يا شاسا كأمك تماماً... تسمين تنازلي عن الأرض للفلاحين!... يا ابنتي الأرض لمن يزرعها، وأنا لم أتنازل، فهذا حقهم في الحياة...!- إذاً ليتك يا أبي تقابل أسقف منطقة تولا جاء ليلقاك كي يُكذب المزاعم التي تدّعي أنك تحارب الأرثوذكسية. • يا ابنتي هذا الأسقف لديه رغبة كريمة لحماية كنيسته، لكنه يحرّف بعض كلماتي وأقوالي.- يا أبي الناس تقرأ رواياتك، ولكنها لا تعرف أفكارك.• لماذا تسمينها أفكاراً يا ابنتي؟!... إنها مبادئ ثابتة، فالرب الذي يعرفه هذا الأسقف يختلف عن الرب الذي أحبه، وأسير وفق تعاليمه في حياتي... الله يا شاسا يا ابنتي، ليس جمود الأفكار، ولا ترديد كلمات بين حوائط الكنائس. الرب يا ابنتي هو (الحب)...!* * *• بعد كلمة (الحب) تدفقت في خاطري العديد من الخواطر، وكلها مرتبطة بواقع الكراهية التي تعيشها مجتمعاتنا، لكن حدود كلمات المقال قد استنفدت.
أخر كلام
يا الله... كم أحببت تولستوي!
09-07-2016