نقطة: اعفُ عنهم...
انتهى الشهر الفضيل، كل عام وأنتم بخير، جعنا وعطشنا وتعبنا وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، ونرجو أن تكون يا ربنا راضياً عنا الآن، ملأنا المساجد واعتمرنا واعتكفنا وبكينا وختمنا، لكننا سنعود إلى ارتكاب ذات الزلات والمعاصي والمناكر والموبقات على أكمل وجه، كما تعودنا من قديم الأزل، فهذه طبيعتنا، لكن فينا من سيرتكب جرائمه باسمك ودفاعاً عن دينك كما يعتقد ويجزم، رغم أن من يراهم يزحمون حياتنا نصائح وتعليمات ومواعظ وحكماً وأبويات يظنهم أنصاف ملائكة وأنصاف قديسين، سامحنا فبعضنا يستغل صبرك وتسامحك ورحمتك وترفعك وحلمك لينالوا ما لا يستحقونه، أنت الكبير وهم صغار جداً، لذلك فهم يتحدثون باسمك ويقوّلونك ما لم تقله أو تأمر به لينالوا مغنماً تافهاً أو ليتحكموا برقابنا وأنفاسنا وأفكارنا ولاوعينا، باسمك يقتلون أحلامنا، باسمك يئدون طموحاتنا، باسمك يكبرون عقدة ذنبنا، باسمك يدخلوننا من نفق إلى أخيه، نعم نحن خطّاؤون لكن نحبك بصدق، فلا نكذب ولا نغش ولا ننافق ولا نسرق، وهذه مهمة عسيرة في زمننا هذا، ونفعل الخير بصمت، والأهم أننا لا نؤذي أحداً إلا أنفسنا أحياناً، وهم قد يجيدون السجع، قد يحفظون من الشعر أسخفه، يعشقون المحسنات البديعية، يدّعون معرفة النهايات كأنهم عاشوها، يعرفون المصائر والجزاءات كأنهم كانوا هناك وعادوا اليوم صباحاً، ونحن يعنينا واقع الأمر بلا عمليات تجميل أو نفخ، لكن والله نحن الذين نحبك ونعشقك ونتقيك أكثر مما يتصورون، ولو من باب مكارم الأخلاق على الأقل، وهم يدّعون محبتك وربما يلتزمون بزخرف الأوامر والأشكال والعادات، لكنهم يكذبون ويغشون ويقذفون، بل وينافقون ثم يزايدون علينا متناسين أنك تعلم كل شيء، إلهنا العظيم، مولاي الرحيم، اعفُ عنهم أرجوك، فأنت الكبير والعظيم، أكبر من خيالي المتواضع وخيالاتهم المريضة، وهم صغار، صغار جداً..